عدد رقم 4 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المسيح رئيس الكهنة العظيم  


   عندما يدرك المؤمن امتيازاته في المسيح، ربما يظن أنه ليس في حاجة إلى شيء آخر، حيث أنه: حصل على غفران خطاياه، وتمتع بسلام مع الله، وبواسطة الولادة الجديدة نال حياة إلهية وطبيعة جديدة، والله دان طبيعته القديمة على الصليب، ويراه في المسيح كاملاً، ولا شيء من الدينونة عليه، لقد أخذ الروح القدس ساكنًا فيه ليوم فداء الجسد وبطول الأبدية، تحرر من عبودية الشيطان والعالم والخطية، وصار ابنًا لله ووارثًا مع المسيح، وهو مقبولٌ ومرضيٌ عليه في المحبوب، ويفتخر على رجاء مجد الله.  وبالحقيقة فيما يخص الأبدية والسماء هو لا يحتاج إلى أي شيء أكثر مما ناله.  لكن كل ابن لله لا يزال له احتياجات هنا على الأرض.  ولأنه في طريقه إلى السماء فهو غريب ونزيل، ويعبر وسط عالم يسوده الشيطان، وحوله الأشرار في كل مكان الذين يبغضونه لأن حياته تشهد عليهم، لهذا يدخل في صراعات كثيرة ومقاومات وحروب.  والشيطان يحاول أن يعيق المؤمن عن التمتع بامتيازاته، وعن مسار الطاعة لله، وعن شهادته للمسيح، ويشدد الهجوم عليه سواء كالأسد أو كالحية عن طريق الإغراء، ويستغل الطبيعة القديمة بفسادها الطبيعي وميلها للخطية والانحراف عن الله.  فالشيطان يأتي بتجاربه، ويهمس في أذنه بأفكار نجسة، ويمهد له الفرص كي يشاهد المناظر ويسمع الكلمات الشريرة، ويزج به إلى أماكن نجسة، ويشككه في صلاح الله خاصة عندما يسمح له بتجارب متنوعة، وكل هذا يسبب حزنًا للإنسان الجديد الذي يريد أن يعيش في مخافة الرب.

   وفي رسالة العبرانيين يقدم لنا الروح القدس خدمة المسيح كرئيس الكهنة العظيم، ويُرى المسيحي كسائح غريب وشريك الدعوة السماوية، لكنه على الأرض يواجه الصعوبات والأخطار التي تعترض طريقه، والمسيح الآن لأجلنا في العرش «حي في كل حين ليشفع فينا»، ويستجلب لنا المعونة.

   كثيرًا ما نظن أن كهنوت المسيح يرتبط بخطايانا، ولا شك أن بداية ظهوره كرئيس الكهنة كان بالارتباط بخطايانا، «حتى يكفر خطايا الشعب» (عب2: 17)، لكن الكتاب يخبرنا أن المسيح «بعدما قدَّم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله» (عب10: 12).  لقد «أكمل إلى الأبد المقدسين» (عب10: 14).  وهكذا فإن مشكلة الخطية لن تُثار أبدًا بين المؤمن والله.  ولكن تبقى الحقيقة أنه على الأرض يحتاج إلى المعونة في رحلته الصعبة.

   المسيح كاهن في السماء:

   ومع أن أول خدمة للرب يسوع كرئيس كهنة قد تمت على الأرض، وكانت مرتبطة بخطايانا، إلا أن كهنوته الآن لم تعد له هذه الصفة.  فبعد إكمال العمل جلس إلى الأبد عن يمين الله في السماء.  «فلو كان على الأرض لما كان كاهنًا» (عب8: 4).

   من هو هذا الكاهن؟ يخبرنا الروح القدس في (عب 1) أنه ابن الله.  ومن سوى ابن الله كان يستطيع أن يشفع لأجلنا كل حين، ويعين ضعف شعبه في كل الأحوال وكل العصور، ويرثى لنا في تجاربنا على مر الزمان؟ لكنه لكي يقف لأجل الناس أمام الله كان يجب أن يكون إنسانًا.  وهذا ما نقرأه عن كاهننا العظيم أنه «يسوع ابن الله» (عب4: 14).  لقد دخل المسيح كإنسان إلى كل ظروفنا، حتى يستطيع من واقع اختباره الشخصي أن يعرف كل صعوبة وكل حزن وكل تجربة، لكي يكون قادرًا أن يعيننا، وهو يعرف تمامًا كل ما نتعرض له في رحلتنا، وكل المعونات المطلوبة.

   تعلَّم الطاعة:  لقد عرف كُلفة الطاعة لله في وسط عالم معادٍ لله.  يقول الرسول : «مع كونه ابنًا تعلم الطاعة مما تألم به» (عب5: 8).  كانت الطاعة شيئًا غريبًا عليه، لأنه كالله يأمر فيُطاع.  لكنه عندما جاء إنسانًا تعلَّم الطاعة، وكانت مُكلفة ومؤلمة، لكنه لم يتراجع.  يقول: «السيد الرب فتح لي أذنًا وأنا لم أعاند.  إلى الوراء لم أرتد.  بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق» (إش50: 4، 5).  لقد لُطم لأنه قال الحق (يو18: 22).  وماذا كانت مشاعره، وهو قدوس الله، عندما قالوا عنه: «إنك سامري وبك شيطان»، «الآن علمنا أن بك شيطان» (يو8: 48 – 52).  لقد احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه، و«إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدد، بل كان يُسلِّم لمن يقضي بعدل» (1بط2: 23).  لكنه اختبر أيضًا قوة الله التي تعينه وتعضده.  «السيد الرب يعينني لذلك لا أخجل، ... قريب هو الذي يبررني» (إش50: 7، 8).

   وبالنسبة لنا نحن علينا أن نتعلم الطاعة لأننا كنا عصاة بالطبيعة، والطاعة أيضًا مكلفة وسط عالم شرير ومتمرد على الله.  ربما يفقد شخص وظيفته ومصدر معيشته نتيجة طاعته لوصايا الرب، وفي مثل هذه الحالات فإن الرب يستطيع أن يفهمنا ويرثي لنا، وفي حنو كامل يأتي لمعونتنا (عب4: 15، عب2: 18، عب4: 16).  علينا أن نخضع ونتقبل كل معاملات الرب معنا حتى لو أخذ منا أعز الأشياء والأشخاص.  الرب في بستان جثسيماني كان يصارع ويصلي: «يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس» (لو22: 42).  أليس طبيعيًا أن نفسه القدوسه تنكمش وتنفر من الطريق الذي قادته إليه طاعته لله، وهو ذاهب إلى الصليب ليحمل عار خطايانا ودينونتها وهو قدوس الله؟ لقد كلفه سيره في هذا الطريق أن يُترَك من الله، وتنصب عليه دينونته (زك13: 7، مت27: 46).  لقد سار في طريق الطاعة إلى نهايته، ولم يكن لأحد غيره أن يسير فيه، أو عنده المقدرة على ذلك.  لقد قال للآب: «لتكن لا إرادتي بل إرادتك»، ومن خلال اختباره الشخصي عرف المعونة المطلوبة عندما ظهر له ملاك من السماء يقويه (لو22: 43).  لهذا فهو يأتي لمعونتنا في اللحظة المناسبة.

   تجارب الشيطان:

   قلوبنا تحزن عندما يأتي الشيطان بتجاربه، وكم نتألم عندما يثير في داخلنا أفكارًا دنسة، أو يهيج قلوبنا للعصيان والتمرد والتذمر، أو مشاعر الغضب والانفعال غير المقدس، أو عندما يشتت أفكارنا ونحن نقرأ الكلمة المقدسة أو نصلي، أو نحن حول الرب وفي أقدس اللحظات في الاجتماع.  لقد جُرِّب الرب يسوع من الشيطان 40 يومًا كما لم يُجرب أحد آخر، وقد استخدم الشيطان كل قوته ومكره وخداعه ضد هذا الشخص القدوس ليثنيه عن مسار الطاعة الذي عاشه كإنسان كامل هنا على الأرض.  تدرج معه من رغيف الخبز حتى وصل إلى جميع ممالك العالم ومجدها.

   إن الشيطان بعد دخول الخطية وجد حليفًا قويًا له داخل الإنسان، هذا الحليف يجد سروره دائمًا في فعل الخطية والعصيان.  هذا لم يكن حادثًا مع آدم قبل السقوط.  ولكنه بهجمة واحدة استطاع أن يقوده لكسر الوصية وإهانة الله في الجنة.  أما الآن فقد ظهر إنسان جديد ليس فقط بلا خطية لكنه لم يعرف خطية.  وقد وجه العدو سهامه إلى هذا الإنسان، لكن سير المعركة اختلف تمامًا.  لقد هوجم آدم في الجنة حيث كان كل شيء يتكلم عن صلاح الله، أما الرب يسوع فقد كان في البرية التي هي علامة واضحة للعنة التي أصابت الأرض، وكان جائعًا.  وهناك استخدم العدو جميع أسلحته، لكنه أصيب بهزيمة ساحقة.  لا أحد يعرف كل التجارب التي استخدمها العدو مع شخص الرب يسوع المسيح.  فإن الكتاب سجل فقط الثلاث تجارب الأخيرة.  لقد واجه المسيح كل أسلحة الظلمة وهو القدوس.  وكم تألم مُجربًا.  لهذا هو يستطيع أن يفهمنا ويرثي لنا ويعيننا عندما نواجه الشيطان بتجاربه.

   كاهن يرثي لنا في الصعوبات والأحزان:

   عندما نفقد أحباء، من يفهم حزننا مثل الشخص الذي بكى عند قبر لعازر؟ وعندما نكون في وحدة وانفراد، ويتخلى عنا الأصدقاء، من يفهمنا ويقف معنا نظير ذاك الذي قال: «سهدتُ وصرتُ كعصفور منفرد على السطح» (مز102: 7).  من يستطيع أن يحنو علينا مثل الذي «تركه الجميع وهربوا» (مر14: 50).  وعندما يُساء فهمنا أو عندما لا نجد في الآخرين تعاطفًا، فهو الذي يعطف علينا ساعة الحزن الشديد.  لقد جاز في طريق أكثر صعوبة منا جميعًا وقال: «انتظرت رقة فلم تكن، معزين فلم أجد» (مز69: 20).  وعندما أخبر تلاميذه أن واحدًا منهم سيسلمه، لم يظهروا اهتمامًا بالأمر بل تباحثوا فيما بينهم عن من يكون الأعظم؟! (لو22: 19 – 24).  وعندما نتعرض للظلم فإنه يفهمنا تمامًا لأنه «ظُلم، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه» (إش53: 7).

   هذا هو كاهننا العظيم في السماء، وهو «حي في كل حين ليشفع فينا» (عب7: 25).  إنه الآن لم يعد يواجه أية صعوبات، فالمعركة بالنسبة له قد انتهت.  لكنه بهذا يستطيع أن يكرس نفسه تمامًا لمعونتنا.  إنه يفهمنا ويرثي لنا من خلال اختباراته الشخصية كإنسان، ويعيننا باعتباره ابن الله.  لقد اختبر الألم واختبر التعزية والمعونة التي يعطيها الله في الألم، عندما كان يجتاز في نفس الظروف هنا على الأرض.  إنه يعرف كيف يعزي النفس في ضيقتها واضطرابها.  إنه يعطينا كل ما نحتاج في مواجهة ضعفاتنا.  والضعف الإنساني هو كل ما يعتمل في النفس من ألم وحزن وخوف وحيرة وارتباك وقلق ويأس وإحباط وشك وكلل وخوار واكتئاب وانحناء.  إنه يعين ضعف شعبه ويدفع الخطر.  إن مخازن محبته أوسع من حاجاتنا.  وهو قادر أن يفعل لا ما أطلبه في صلاتي فقط أو أفكر فيه، بل أكثر كثيرًا.  إنه قادر أن يرثي لضعفاتنا، وقادر أن يعين المجربين، وقادر أن يخلص أيضًا إلى التمام كل الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com