عدد رقم 5 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ابن الراعي  


أثناء الخدمة فى الكنيسة ذات مساء، لمست العظة قلب شابة مِن الحضور، فتجاوبت مع صوت الله، وقَبِلَت المسيح ربًا ومُخلّصًا لحياتها.  لكنَّ هذه الشابة كان لها ماضي أسود، فى كل مظاهر الشر: سُكرٌ ... وإدمانٌ ... وعهارةٌ.  إلا أنَّ التغيير كان واضحًا عليها، حتى أنها صارت شريكة فى الخدمة، وأصبحت تخدم وتُعلِّم فى مدارس الأحد.

ولم يمر وقت طويل حتى شدت انتباه ابن راعي الكنيسة.  وهكذا تطورت العلاقة حتى بدأوا ترتيبات عقد قرانهما.  هنا ظهرت مُشكلة وحدث انشقاق فى رأى الحاضرين الذين اعتقد نصفهم أنَّ مثل هذه الشابة ليست اختيارًا لائقًا بابن راعى الكنيسة.  وبدأت الكنيسة فى جدال واسع ونزاع حول الموقف، فقرروا اجتماعًا تدبيريًا لبحث الأمر.  وأثناء الاجتماع ازدادت حدة التوتر حتى خرجت الأمور عن السيطرة تمامًا.  وهنا بكت الشابة إذ قد فضحوا ماضيها من جديد.  فوقف خطيبها؛ ابن راعى الكنيسة، ليتكلَّم إذ لم يعد يحتمل ضيقة نفسها المُرَّة.  بدأ الحديث هكذا: إنَّ ماضي خطيبتي ليس هو موضوع الحُكم هنا، إنَّ ما تُناقشونه الآن هو قدرة دم المسيح على مغفرة الخطايا!  اليوم جئتم لتضعوا دم المسيح أمام المُحاكمة!  والسؤال: هل دم يسوع المسيح يُطهِّر من كل خطية أم لا؟!  هل دم المسيح يمحو كل الذنوب أم لا؟!  هل دم المسيح يُنهي الماضي الأثيم أم لا؟

بكت الكنيسة كلها حينما أدركوا أنهم قد سلبوا دم الرب يسوع المسيح المسفوك حقه!

كثيرًا يا إخوتي نحن نستحضر الماضي، ليكون سلاحًا ضد إخوتنا وأخواتنا.  إنَّ الغفران هو صُلب إنجيل ربنا يسوع المسيح وجوهره.  فإن كان دم المسيح لم يُطهِّر ذنوب الآخرين كاملةً، إن كانت هذه هي القضية، فإننا جميعًا فى مُشكلة عويصة.  فما الذي يمحو خطيتي إذًا؟ ... إن كنت تظن أنَّ دم المسيح لا يستطيع أن يغفر ذنوب إخوتك، فأنت أيضًا مُمسَك فى آثامك وخطاياك؟ 

إن جميع خطاياي كانت أمام العدالة الإلهية عند الصليب، وهناك وُضعت جميعها على رأس الرب يسوع؛ حامل الخطايا، وبموته قد وضع الأساس السرمدي لمغفرة الخطايا، بحيث أن المؤمن صار مُمكنًا له أن يُجاهر بالقول وهو مقتنع دومًا في كل لحظة من حياته، بدون تردد أو خوف: «إِنَّكَ طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ» (إش38: 17).  والذي يتكلَّم هكذا إنما يُصادق على حكم الله نفسه، إذ قال: «لأَنِّي أَكُونُ صَفُوحاً عَنْ آثَامِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ» (عب8: 10-12؛ 10: 16، 17؛ إر31: 33، 34).    

ولقد حذرنا الرب يسوع المسيح من ممارسات الكتبة والفريسيين، ومن نوع الإدانة التي كانوا يُمارسونها مع الناس قائلاً: «لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ» (مت7: 1).  لقد كانت أحكامهم يصبغها البر الذاتي بصبغته القاتمة، إذ كانوا ينتقدون الآخرين، بل ويحتقرونهم.  وأليس هذا ما نجده في مَثَل الفريسي والعشار الوارد في لوقا 18: 9-14 والذي قاله الرب «لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ، وَيَحْتَقِرُونَ الآخَرِينَ».  وهذا النوع من الإدانة؛ إدانة التعالي على الآخرين، مكروه عند الله تمامًا (لو16: 15).  لقد تباهى الفريسي بإنجازاته الأخلاقية والدينية، وعوضًا عن مقارنة نفسه بمقياس الله الكامل، لكي يرى مدى انغماسه في الشرور والمعاصي، قارن نفسه بأناس آخرين في المجتمع، وافتخر بأنه أفضل منهم.  وتكرار ضمير المُتكلِّم في حديثه يكشف أية حالة من العجرفة والكبرياء والبر الذاتي كان قلبه يتخبط فيها.

ولكن دعونا نتذكر قصة راحاب فهي خير ما يُمكن أن يُروى في هذا الصدد.  إنها تُستحضَر أمامنا كرمز جميل لقوة إنجيل النعمة.  لقد أوغلت راحاب في الإثم والشر، وكانت تنتمي لشعب واقع تحت الدينونة واللعنة.  وكانت تعيش في مدينة مهيأة للهلاك، فاض مكيال إثمها.  ولكنها سمعت عن الله وآمنت به، اعترفت بيهوه إله السماء والأرض، وطلبت الرحمة لنفسها ولأجل بيتها، وقد علمت أن الدينونة ستحل بها وبأريحا، وأنها خاطئة تحتاج إلى نعمة الخلاص.  آمنت بيهوه أنه إله قدوس، ولكنه أيضًا إله رحيم، فطلبت الرحمة وطلبت بيقين الخلاص، لها ولأفراد أسرتها، ونالته بطريقة فعالة.

وإن حبل القرمز المُدلَّى من الكوة، مثل دم خروف الفصح المرشوش على القائمتين والعتبة العليا، يُذكّرنا بالضمان والأمان الذي يلقاه الخاطئ تحت حماية دم المسيح، والفادي الذي علينا أن نهرب إليه لكي ننجو.  ولقد كان «عَلاَمَةَ أَمَانَةٍ» أي ”علامة من الحق“ أو ”علامة صادقة“ (يش2: 12)، «لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ» (رو10: 9).

وفي يوم سقوط أريحا وهلاك العصاة، نجت راحاب، مع أبيها وأمها وإخوتها وأخواتها وكل مَنْ لها، أي كل عشيرتها، نتيجة لعمل إيمانها.  بل هناك ما هو أكثر من ذلك، فهي لم تخلص فقط من الدينونة، ثم تُركَت لحياتها وبيئتها الطبيعية، لكنها أُخرجت من مدينة الهلاك وأُحضرت في وسط محلة شعب الرب وسكنت في وسطهم.  خلُصت من الهلاك في أريحا وأُدخلت إلى دائرة امتيازات النعمة.  ولقد غيرت النعمة راحاب من زانية أريحا إلى واحدة من أكثر الأمهات إكرامًا في إسرائيل.  فقد أصبح لها مكان بارز من الكرامة في سلسلة نسب رب المجد - الرب يسوع المسيح.  فقد تزوجها ”سَلْمُونَ بْنِ نَحْشُونَ، وهو من سبط يهوذا (مت1: 4، 5). 

أيها الأحباء: إن «دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1يو1: 7).  والمسيح الحيّ المُقام والمُمجَّد، هو الشاهد الحيّ أمام الله عن عمل الفداء الكامل، بدمه الذي سفكه لأجلنا فوق الصليب «وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا» (عب9: 12).  وذاك الذي أُسلم من أجل خطايانا ومات نيابة عنا، قد قام من الأموات بمجد الآب، وهو الآن يُمثلنا أمام الله، وهذا يعطينا اليقين بأن كل خطايانا نحن المؤمنين به قد غُفرت، ولم يعد هناك ما يفصلنا عن الله، بل أن الله يرانا الآن فيه كاملين وبلا لوم في المحبة. 

والخبر الطيب هو أنه ليست هناك خطية على الإطلاق، أكبر من غفران الرب يسوع المسيح، أو أبعد من أن تصل إليها رحمته، إذا جاء صاحبها في روح التوبة الصادقة، والإيمان في كفاية عمل المسيح على الصليب، ليقول: «اللهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ» (لو18: 13).  وحقًا قال الرسول بولس: «صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا» (1تي1: 15).  إن الإيمان الشخصي في كفاية دم المسيح للتطهير وغفران الخطايا يفتح الباب أمام النفس التائبة لتأخذ مكانتها العظيمة بين القديسين والأفاضل، المُكرَّمين والأعزاء، على أمجد وجه من المساواة، بدون خوف من عودة إلى تاريخ ذهب وانتهى، أو ماضٍ بغيض قبيح، هيهات أن يرجع ويعود!

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com