عدد رقم 5 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كنيسة ثياتيرا (1)  


(رؤ2: 18 – 29)

(الفترة من سنة 600م حتى نهضة الإصلاح في القرن الخامس والسادس عشر)

   سبقت الإشارة إلى أن الكنائس السبع، من حيث التاريخ النبوي، تنقسم إلى مجموعتين، الثلاثة أدوار الأولى انتهت، وهي أفسس، سميرنا، برغامس.  أما الأربعة الأخيرة فتبدأ تباعًا وتستمر إلى مجيء الرب.  ونحن في ثياتيرا قد وصلنا إلى الدور الرابع في تاريخ الكنيسة النبوي.  وهذا الدور قد استمر نحو ألف سنة خلال العصور الوسطى المظلمة، حتى ظهرت حركة الإصلاح في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر.  لكن نظام ثياتيرا سيستمر إلى مجيء الرب.  وهذا النظام سيبلغ ذروته في بابل العظيمة المذكورة في (رؤ17).  هذا النظام يتضمن خليطًا من الوثنية والطقوس والفرائض اليهودية التي دخلت إلى المسيحية وانتشرت فيها، ولا زلنا نراه حتى الآن.  وسنجد أنه لا أمل في الشفاء في ثياتيرا، ولا رجاء في خلاص كل الكنيسة من حالتها السيئة، لأن الرب أعطاها زمانًا لكي تتوب ولم تتب، لذا جاء النطق بالقضاء عليها.  ولكن هناك بقية أمينة في ثياتيرا غير متصفة بالشر.  ولأول مرة في هذه الرسائل إلى السبع الكنائس نسمع عن مجيء الرب، وهذا الرجاء يُعطَى للبقية وللغالبين لتشجيعهم.

   معنى كلمة ”ثياتيرا“ ”الذبيحة المستمرة أو المتكررة“، وهذا ما يُميِّز النظام البابوي الذي ظهر وانتشر في المسيحية في هذا العصر، وقد بدأت جذوره في برغامس.  وفي القرن السابع اعتبر لأول مرة أسقف روما هو نائب المسيح على الأرض، ورأس الكنيسة المُعترَف به.  وخلال هذه الفترة نمت الكاثوليكية الرومانية في الغرب والأرثوذكسية في الشرق.  وأحد المميزات الكبرى لهذا النظام الكنسي هو ذبيحة القداس التي تُقدَّم على الدوام عن الخطية، وهذا ما يعنيه اسمها "الذبيحة المستمرة".  واستمرار وتكرار هذه الذبيحة هو الإهانة التي ابتدعها الشيطان لذبيحة المسيح الواحدة الكاملة، والتي قُدِّمت مرة واحدة عن الخطية، وإنكار لعمل المسيح الكامل على الصليب الذي أتمه لأجل الخطاة.  «نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة ... أما هذا فبعدما قدَّم عن الخطايا ذبيحة واحدة، جلس إلى الأبد عن يمين الله ... بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين» (عب10: 10، 12، 14).

   «واكتب إلى ملاك الكنيسة التي في ثياتيرا.  هذا يقوله ابن الله الذي له العينان كلهيب نار، ورجلاه مثل النحاس النقي» (رؤ2: 18).  هنا يُقدم الرب نفسه في أقصى صفة فاحصة، وفي صورة الحزم كابن الله، ذو السلطة المطلقة، وفي صفته كمجري الدينونة.  ويقترب الرب إلى كنيسة ثياتيرا في صورة أكثر تشددًا مما فعل مع أي كنيسة أخرى، لأنه كان فيها أكثر الشرور والخرافات.

   لقد قالت المرأة إيزابل إنها نبية، وكانت تعلم وتغوي عبيد الله على الزنى الروحي وعبادة الأوثان (ع20).  هذا ما داوم نظام روما على فعله.  فقد ادعت أنها نبية وأنها تتكلم بسلطان من الله، ووضعت ختم الله على أكثر الشرور هولاً.  وادعت أن المسيح هو ابن مريم، ومقابل هذا الادعاء يؤكد الرب سلطانه «كابن الله»، وهو «ابن على بيته» (عب3: 6).  ولأن ببيته تليق القداسة فهو لا يحتمل الشر في بيته، بل يحكم عليه في وقته.  «وعيناه كلهيب نار»، والعيون تُعبر عن الذكاء والفهم، ولهيب النار رمز للفحص والاختراق والتمييز في القضاء.

   رجلا الرب اللذان كالنحاس النقي تشيران إلى الدينونة والحزم الذي به يتعامل الرب في بره الإلهي مع الشر الذي استشرى في الكنيسة. 

المدح: «أنا عارف أعمالك ومحبتك وخدمتك وإيمانك وصبرك، وأن أعمالك الأخيرة أكثر من الأولى» (ع19).  نتعجب أنه بعد تقديم الرب نفسه بهذا الشكل الخطير لثياتيرا في العدد السابق، نقرأ كلمات المدح هذه.  ولكن هذه طريقة الرب دائمًا أن يبدأ بمدح كل ما يستحق المدح، قبل أن يتعامل مع ما هو محزن وشرير في عينيه الطاهرتين.  فبرغم هذا النظام الشرير الذي كان قائمًا وسائدًا خلال فترة ثياتيرا، كانت هناك بقية أمينة من مؤمنين حقيقيين، يتكلم عنهم بهذه الصفة «عبيدي»، «الباقين في ثياتيرا، كل الذين ليس لهم هذا التعليم، ولم يعرفوا أعماق الشيطان»، قد أضاءت أمانتهم وتقواهم بلمعان أكثر وسط هذا الشر المتزايد.  إنهم مثل السبعة آلاف رجل في أيام إيليا الذين لم يحنوا ركبة لبعل (1مل19).  وقد اعتبر الرب أن هذه البقية تمثل كل الكنيسة خلال هذه الفترة، وهم موضوع سروره ومدحه. 

   وبين الأشياء التي يمدحها الرب يذكر المحبة أولاً.  إنها ذات طبيعة الله، ومنها ينبع كل نشاط روحي، وفي الترجمات الأكثر دقة يُذكر الإيمان بعدها.  إنه «الإيمان العامل بالمحبة» (غل5: 6).  ويظهر في الخدمة لله والناس.  وبعد ذلك الصبر أو الاحتمال وسط الاضطهاد الشديد.  «وأن أعمالك الأخيرة أكثر من الأولى».  فقد كان هناك تكريس متزايد بين هؤلاء القديسين.  وكما كان الشر في ازدياد، كذلك كان نشاطهم وغيرتهم أيضًا في ازدياد.  لقد صمد إيمانهم، وبالأسف فإن أعدادًا كبيرة منهم قد قُتلوا بواسطة نظام روما الشرير لأنهم جاهروا بالحق.

   لوم الرب وتوبيخه: «لكن عندي عليك أنك تُسيِّب المرأة إيزابل التي تقول إنها نبية حتى تُعلم وتغوي عبيدي أن يزنوا ويأكلوا ما ذُبح للأوثان.  وأعطيتها زمانًا لكي تتوب عن زناها ولم تتب.  ها أنا ألقيها في فراش، والذين يزنون معها في ضيقة عظيمة، إن كانوا لا يتوبون عن أعمالهم.  وأولادها أقتلهم بالموت.  فستعرف جميع الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلى والقلوب، وسأعطي كل واحد منكم بحسب أعماله» (رؤ2: 20 – 23).  بعد أن عبَّر الرب عن تقديره ومدحه لأمانة وتكريس هذه البقية التقية، يتكلم الآن عما له على ملاك الكنيسة في ثياتيرا، وهو يشير إلى الشر المحزن الذي سمحت به الكنيسة، والذي استدعى قضاءه الشديد.  فهذه المرأة الشريرة إيزابل سُمح لها بأن تُعلم وتقود عبيد الله إلى الزنى الروحي وعبادة الأوثان.

   لقد قاد روح الله بولس أن يكتب عن وضع المرأة في الكنيسة، فقال: «لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع.  ولكن لست آذن للمرأة أن تُعلم ولا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت» (1تي2: 11، 12).  لهذا فإن قيام المرأة بالتعليم والقيادة في الكنيسة هو ضد كلمة الله تمامًا، ليس فقط في أيام ثياتيرا بل في أيامنا هذه أيضًا.  فالنتائج الشريرة لقيام المرأة بدور التعليم في ثياتيرا ظهرت في تضليل عبيد الرب واقتيادهم إلى أسوأ الشرور.  إن الكنيسة تخضع للمسيح رأسها وتتعلم منه.  وهذه الخدمة تتم بواسطة الروح القدس مستخدمًا المواهب المعطاة من المسيح الرأس للكنيسة (أف4).  وفي النظام البابوي سواء في الغرب أو الشرق، فإن الكنيسة تتدعي لنفسها السلطة أن تُعلِّم، وتطلب الخضوع لتعاليم الكنيسة، وتضع نفسها فوق كلمة الله، وأنها هي أم الكتاب المقدس ومصدره.  كما تضع أقوال الآباء والتقليد الكنسي جنبًا إلى جنب مع الكتاب المقدس، بل وأهم منه في بعض الأحيان.  كذلك تدعي أنها الوحيدة التي تستطيع أن تفسر الكتاب، وأن كل من يقول غير ذلك هو هرطوق.

   المرأة تمثل النظام الديني والحالة الأدبية في الكنيسة.  وإيزابل هي زوجة أخآب الملك الشرير في أيام إيليا، وكانت معروفة بغيرتها الشديدة للبعل، حيث كان 850 من أنبياء البعل والسواري يأكلون على مائدتها، في الوقت الذي فيه قتلت واضطهدت كل أنبياء الرب (1مل18: 13 – 19)، كذلك قتلت نابوت اليزرعيلي واستولت على كرمه (1مل21).  ولهذا اتخذها الروح القدس رمزًا لهذا النظام الكنسي في روما عبر العصور المظلمة، والذي تميز بالمجازر والقتل والسلب والزنى وعبادة الأوثان، وقد رآها يوحنا «سكرى من دم القديسين ومن دم شهداء يسوع» (رؤ17: 6).  والتاريخ يشهد بوحشية وشراسة باباوات روما، والإبادة الجماعية بالسيف والحرق لكل من قاومهم أو اعترض عليهم، والحروب الصليبية التي خاضوها ضد الأبرياء.  أما قديسو الله الأمناء، طيلة حُكم الإرهاب البابوي، فكانوا يشهدون ويتنبأون في المسوح والرماد، وفي أظلم الأوقات الرب لم يترك نفسه بلا شاهد.  (راجع مختصر تاريخ الكنيسة – أندرو ميلر).

   وفي مَثل الخميرة التي أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع، وهو المثل الرابع من أمثال ملكوت السماوات (مت13: 33)، نرى صورة لهذا الدور الرابع من تاريخ الكنيسة النبوي.  والخمير في كل الكتاب يرمز إلى الشر التعليمي أو الأدبي.  ولقد سعت الكنيسة في هذه العصور المظلمة لإفساد كلمة الله وتعاليمها النقية، والحق الخاص بابن الله وعمله الكفاري، واستخدمت كل أساليب التخويف والترهيب والحرمان لفرض هذه التعاليم الفاسدة تدريجيًا.

   تدرج الشر: الصلاة لأجل الموتى قد بدأت حوالي سنة 300م، وعبادة مريم والملائكة والقديسين في القرن الخامس، والصوم الكبير فُرض حوالي سنة 998م، ومنع الكهنة من الزواج تم بواسطة البابا جريجوري السابع سنة 1079م، والسبحة للصلاة اخترعت بواسطة بطرس الهرميني سنة 1090م، والاعتراف للكاهن أنشئ بواسطة البابا أنوسنت الثالث سنة 1215م.  وفي مجمع ترنت سنة 1516م وضعت التقاليد الكاثوليكية الرومانية على نفس مستوى الكتاب المقدس، وأضيفت الأسفار غير القانونية (الأبوكريفا) إلى الكتاب المقدس.  وفي نفس هذا المجمع صدر الأمر بالتمسك بالتعليم الخاص بالمطهر والمناداة به في كل مكان، وكان قد قُبل كعقيدة كنسية في عصر جريجوري الكبير سنة 600م.  وهكذا مزجت الكنيسة الخميرة مع الدقيق الطاهر، وإيزابل علَّمت وأضلت النفوس وقادتهم نحو عبادة الأوثان.  ورغم أن هذه الشرور دخلت عبر قرون طويلة إلا أن روما ادعت أنها الكنيسة الأم والأولى في التاريخ، وأن بطرس الرسول كان هو البابا الأول فيها، وأساءت فهم مفاتيح ملكوت السماوات (مت16)، واعتبرتها مفاتيح السماء، ومن هنا ادعى الباباوات في روما أنهم تسلموا هذا السلطان من الرسول بطرس نفسه، وصار لهم الحق في مفاتيح السماء.

   أما الكنيسة الحقيقية المؤسسة على المسيح وعمله الكامل على الصليب كالصخرة الحقيقية (مت16: 16 – 18)، فنجدها في سفر الأعمال، ورسائل العهد الجديد، وبالأخص رسائل بولس الذي شرح بالتفصيل الحق الخاص بالكنيسة، وهي أبعد ما تكون عن هذه الصورة المشوهة.  إن النظام البابوي الفاسد قد نشأ من برغامس، في عصر قسطنطين، وتبلور وانتشر في عصر ثياتيرا، وكل الشرور الوثنية والخرافات، ومحاولة تهويد المسيحية بنظام الكهنوت والهيكل الأرضي والذببيحة المتكررة، كلها دخلت في ذلك العصر.

   هذا ما فعله النظام الكاثوليكي حسب تقرير الله.  لقد حول الناس من المسيح إلى مريم والقديسين، ومن المسيح إلى البابا، ومن رئيس الكهنة العظيم في السماء إلى كاهن أرضي مأخوذ من الناس، ومن ذبيحة المسيح الواحدة إلى ذبيحة القداس المستمرة وما يرتبط بها من الاعتراف للكاهن والمناولة والتمسك بالأسرار المقدسة التي لا علاقة لها بالكتاب المقدس، ومن كلمة الله إلى تعاليم وتقاليد الناس.  لقد ارتبطت الكنيسة بالسلطة العالمية والسياسية وفرضت نفوذها عليها، فكان للبابا الحق في أن يعزل ملوكًا وينصب ملوكًا.  والتاريخ يشهد كم أذلوهم وأخضعوهم واستخدموهم لمصالحهم، بل وقتلوهم بالسيف إذا تمردوا.  وفي ذلك العصر انتشرت الخرافات الخاصة ببيع صكوك الغفران، وبيع أماكن في السماء لمن يرضى عنه البابا، والحرمانات لمن لا يرضى عنه.  أما عبيد الرب فقد انخدعوا وتأثروا بغواية المرأة إيزابل، مع أن الرب كان يرى فيهم تقوى ورفض لهذه التعاليم.

وللحديث بقية إذا تأنى الرب


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com