عدد رقم 5 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المفهوم الصحيح لتبعية المسيح (1)  


مقدمة

  سوف نبدأ بمعونة الرب سلسلة جديدة من المقالات يدور موضوعها حول "المفهوم الصحيح لتبعية المسيح"، والهدف هو تسليط الضوء على بعض الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع، لا سيما وقد رأيت أن هذه الجوانب صارت غائبة عن أذهاننا كشباب.  فمع وجود توجه لتخفيف وتسطيح الحق المسيحي خاصة المتعلق بالعبادة والخدمة، كان لا بد لإبليس، لكي ما يؤسس في البداية لهذا التوجه، أن يخفف ويسطِّح مفهوم تبعية المسيح.  وغنيٌّ عن البيان أن أبسط ما تعنيه كلمة "مسيحي" هو الشخص الذي يتبع المسيح، فإن فسد هذا المفهوم يكون قد حقق إبليس نجاحًا مبدئيًّا في قطع شوط هام ومؤثر في طريق إفراغ المسيحية من جوهرها، بل وإخراج المسيحيين من الطريق الصحيح لتبعية المسيح وتسييرهم في طريق خاطئ، بعد أن يكون قد أقنعهم بصحته، وبذلك يضمن أنهم لن يعودوا مرة أخرى للطريق الصحيح.

  من البديهي أن الرب يسوع المسيح كإنسان هو مثالنا الأعظم، وإن كنا نرى في كثير من سِير القديسين المذكورين في الوحي المقدس دروسًا مستفادة، إلا أن الروح القدس ميَّز بينهم وبين المسيح، فبالنسبة لهم قال إن علينا لا أن نتمثل بهم أو بحياتهم، فهم ليسوا جديرين بذلك، بل إن مواقف كثيرة ظهرت منهم إن تمثلنا بهم فيها سنخرج حتمًا عن المسار الصحيح، لذا طلب منا أن نتمثل فقط بإيمانهم، ناظرين فقط إلى نهاية سيرتهم، لأنها في أغلب المرات تظهر فيها مجازاة إيمانهم (عب13: 7).  أما عن المسيح فلدينا العديد من التحريضات القائلة بأنه هو نفسه في كل تفاصيل حياته، مثال لنا، ينبغي أن نقتدي به ونتبعه (يو12: 26 و 21: 22 و عب12: 2، 3 و 1بط2: 21 و 1يو2: 6).

  على أن ما قد يكون مفاجئًا هو أن الوقوف عند هذه النقطة البديهية في مفهومنا عن تبعية المسيح إنما هو جانب أو زاوية من الحق، فإن كنا قد أكدنا أن ليس من بين جميع القديسين من هو جدير بأن نتمثل به، وما يجب علينا هو أن نتمثل فقط بإيمانهم وننظر فقط إلى نهاية سيرتهم، إلا أننا سنُفاجأ بأن هناك إنسانًا غير المسيح قال أكثر من مرة : "تمثلوا بي"، وإننا على يقين أنه كتب هذا مسوقًا من الروح القدس، وأعني به "الرسول بولس".

  نعم إن لدينا العديد من المرات التي تكلم فيها هذا الرسول بهذا التحريض، وإليك أكثر هذه المرات وضوحًا:

# فأطلب إليكم أن تكونوا متمثلين بي (1كو4: 16)

# كونوا متمثلين بي كما أنا أيضًا بالمسيح (1كو11: 1)

# كونوا متمثلين بي معًا أيها الإخوة (في3: 17)

# وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه فيَّ فهذا افعلوا وإله السلام يكون معكم (في4: 9)

  قد يتولد لديك قارئي العزيز تصور لتفسير مثل هذه العبارات، وهو أن الرسول يقصد التحريض بأن يتمثل المؤمنون به في منهج عيشته التي هي في واقع الأمر تتلخص في أنه يتمثل دائمًا بالمسيح، إلا أن هذا يبدو متعارضًا مع نصوص الآيات التي نستطيع أن نستنتج منها ببساطة أن هذا المعنى يتوافق مع الآية الثانية فقط، أما باقي الآيات فليس شيء فيها يعطي تلميحًا لمسألة تمثل بولس بالمسيح.

  وهنا يتوجب علينا أن نطرح عدة أسئلة منطقية في هذا الصدد:

# إذا افترضنا أننا سنقبل التفسير بأن جميع هذه الآيات لها ذات المعنى الوارد في الآية الثانية، فلماذا لم يحرض بطرس ويوحنا – وهما من أواني الوحي – المتلقين لرسائلهم أن يتمثلوا بهم كما هم بالمسيح؟ أم أن بولس كان أفضل حالاً منهما؟

# وحتى إذا كان بولس أفضل منهما، هل كان جديرًا بأن يكون مثالاً لنا على قدم المساواة مع المسيح؟ وهل هذا يعني أنه كان دائم التمثل بالمسيح دون أن يخطئ ولو مرة واحدة؟ وإذا كان قد أخطأ في بعض المواقف، فلماذا وضع نفسه في المشهد؟ ألم يكن أحرى به أن يحذو حذو بطرس ويضع أمام سامعيه المسيح وحده مشجعًا إياهم على التمثل به كما في (1بط2: 21)؟

# وإذا أخذنا بالافتراض الثاني، وهو أن جميع هذه الآيات باستثناء الآية الثانية تعني حرفيًّا أن علينا كمؤمنين أن نتمثل ببولس، فهل تبعيتنا للمسيح شيء وتبعيتنا لبولس شيء آخر؟ هل هناك طريقان يجب علينا أن نسير فيهما في آنٍ واحد؟

# أم أن بولس أضاف شيئًا إلى المسيح؟ وإذا كان ذلك كذلك، ألا يُعد هذا طعنًا في كمال المسيح كنموذج مثالي وكافي لنا؟

 

  لتسمح لي قارئي العزيز أن نناقش قضية تعليمية بحتة لكي نتمكن من الوصول لإجابة صحيحة على تلك الأسئلة الخطيرة.  إن ثمة وجه اختلاف رئيسي بين خدمة كلٍّ من الرسل بطرس ويوحنا وبولس، فبطرس كان مشغولاً بتشديد إخوته من اليهود الذين آمنوا بالمسيح وكانوا مشتتين في بلاد الأمم، إذ كانوا هناك يتعرضون لآلام كثيرة بسبب إيمانهم بالمسيح.  هذه العينة من المؤمنين هم الذين بعث إليهم برسالتيه (1بط1: 2،1)، لذا فهو كرسول مُكلف من الرب أن يُثَبِّت إخوته وأن يرعى خراف المسيح (لو22: 32،31 و يو21: 15-17)، لم يكن أمامه سوى المسيح في آلامه مثالاً لكي يتبعوا خطواته، الذي لم يفعل خطية ولا وُجد في فمه مكر، الذي إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا وإذ تألم لم يكن يهدد، بل كان يُسلم لمن يقضي بعدل (1بط2: 23،22).  وهذا يُعد أحد جوانب مجد المسيح، والذي يُطلق عليه "المجد الأدبي"، وهنا يبدو جليًا أمامنا مفهوم بطرس عن تبعيتنا للمسيح، فهو يوجزها في أن نتحمل الآلام التي نتعرض لها طالما أنها كانت بحسب مشيئة الله.  أما يوحنا فكانت خدمته هي الشهادة عن الحياة الأبدية باعتبارها صنف من الحياة لم يكن ليظهر للناس ما لم يتجسد ابن الله الوحيد ويأتي إلى العالم.  ولما كان الروح القدس قد اختص يوحنا الرسول دون سائر كتبة الأناجيل بتسليط الضوء على كلام المسيح التعليمي عن الحياة الأبدية، والذي أعلن فيه المسيح صراحة أنه هو وحده المستودع لهذا الصنف من الحياة، كما أنه لا يمكن لهذه الحياة أن تنتقل للناس ما لم يذهب هو للموت بإرادته المطلقة، فإن بموت وقيامة المسيح انتقلت الحياة الأبدية لكل من آمن بالمسيح، حيث أن الإيمان به ينشئ اتحادًا وثيقًا بين المؤمن والمسيح.  وطالما أن المؤمن حاليًا يثبت في المسيح بامتلاكه الحياة الأبدية التي هي ذات صنف حياته، فمن الطبيعي أنه كما سلك المسيح هكذا يسلك هو أيضًا (1يو2: 6).  فالكلام عن سلوك المسيح يشمل أفكاره وأحشاؤه وأقواله وتصرفاته وموقفه من كل شيء.  إن هذه الحياة بكل تفاصيلها انتقلت للمؤمن وبالتالي لا بد أن تظهر فيه كما هي، مع الوضع في الاعتبار أن المؤمن ما تزال الخطية ساكنة فيه، وهذا هو وجه الاختلاف بينه وبين المسيح، وهذا هو مفهوم يوحنا عن تبعية المسيح.

    وللحديث بقية إذا تأنى الرب، وهذه ستكون نقطة انطلاقنا في الكلام عن بولس، هذا الرسول المغبوط، فحياة المسيح على الأرض عاينها بطرس ويوحنا لكن بولس لم يعاينها، أما ما عاينه بولس فهو المسيح في المجد بعد صعوده، ولا بد أن هذا سيشكل الاختلاف الرئيسي في مفهوم بولس عن تبعية المسيح بالمقارنة مع بطرس ويوحنا. 


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com