عدد رقم 3 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أحزان مريم في بيت عنيا  

«فمريم لما أتت إلى حيث كان يسوع ورأته، خرت عند رجليه .. فلما رآها .. تبكي .. بكى يسوع» (يو11: 32 – 35)

   جلست مريم حزينة مكسورة، لأن البيت الذي عاش فيه لعازر وتمتع بوجوده، لن يعود يراه مرة أخرى.  وهي نفسها قد فقدت معونة وحنان أخيها الوحيد الحبيب.  ولكن إلى جانب حزنها الأخوي على لعازر، كان هناك ظل قاتم يغشي قلبها كسحابة تزداد سوادًا يومًا بعد يوم كلما تأخر الرب عن المجيء.  لماذا لم يتجاوب الرب مع رسالتها، ولماذا لم يستجب صلاتها وتوسلاتها من أجل أخيها؟ لماذا لم يحضر وينقذ حبيبه؟ لماذا لم يشفه بكلمة؟ لماذا لم يحفظ حياته حتى يأتي؟ لماذا تركه يموت؟

   هناك شيء آخر أضاف إلى حزنها حزنًا.  فهي تعلم أن يسوع المسيح كان هو المسيا الموعود به الذي سيملك حسب النبوات، فلماذا يكون لعازر أخوها، المحبوب لدى الرب، فريسة للموت قبل المُلك مباشرة، ويُحرم من المُلك الآتي؟ لماذا يُنتزع دون غيره، مع أنهم أقل منه في التقوى؟ لماذا يُحرم من أفراح المُلك تحت حُكم المسيا؟

      صحيح أن الأحزان كثيرًا ما تأتي بالأفكار السوداء المعتمة، ولكن شكرًا لله لأنها تأتي بالرب نفسه إلى المحزونين.  ولما رأت مريم الرب خرت عند قدميه سجودًا وخضوعًا وترحيبًا.  هناك عند قدميه حيث جلست تنهل من كلماته، جاءت الآن لتسكب نفسها أمامه قائلة: «لو كنت ههنا لم يمت أخي».  لقد كان في هذه الكلمات شيء من الحق لأنها آمنت أن للرب سلطانًا على الموت، وأنه ما كان سيقترب في وجوده.  وكان فيها شيء من سوء الفهم لأنها ظنت أنه كان يتحتم حضور الرب إلى بيت عنيا لكي يحفظ حياة أخيها.  وأيضًا كان فيها شيء من الجهل لأنها لم تعرف أن مرض لعازر كان لأجل مجد الله.

   لقد قبل الرب كلمات الشكوى الرقيقة كما هي ولم يُبدِ أي اعتراض.  لكن دموعها حركت وأظهرت عواطفه الداخلية.  إن عينيها الدامعتين قد عبرتا عن عمق حزنها أكثر مما تعبر الكلمات، فبكى معها ومع جيرانها اليهود.  وكم هو عجيب أن ابن الله يتحد نفسه مع الباكين، مشاركًا من أحبوه ووضعوا رجاءهم فيه، ورغم ما حدث فإنهم لا زالوا خاضعين وساجدين.  «بكى يسوع».

   وما أقدس دموع مريم التي حركت دموع السيد! وما أحب هذه العبارة القصيرة «بكى يسوع»! لقد بكى بدموع الحنان فأعلن محبة قلبه الرقيق، قلبه المثقل بأحزان عالم يئن ويتمخض بسبب الخطية، وأحزان قديسيه الذين هم جزء من هذا العالم.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com