عدد رقم 3 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
حبذا هذه العقيدة الفاسدة!!  

   إن جوهر المسيحية هو الإيمان بالمسيح.  وكم يتفق الكل علي شخصية المسيح في كافة الأطياف والمُعتقدات من جهة بره وقداسته، نقاوته وطهارته حيث قال للأعداء: «من منكم يبكتني على خطية» (يو8: 46)، لطفه ووداعته، حُبه وحنانه، عطفه ورثائه، خدمته وعطائه، صفحه وغفرانه، صبره واحتماله، صموده وصلابته، حكمته وعصمته «لم يفعل شيئًا ليس في محله» (لو23: 41)، قوته وقدرته الخارقة، عِلمه المطلق بكل شيء، كلامه وأعماله، حيث قال عنه الأعداء: «لم يتكلم قط إنسان مثل هذا الإنسان» (يو7: 46)، وقد «جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس» (أع10: 38)، وأيضًا من جهة قوة تأثيره في الآخرين.  فهو الشخصية الأكثر تأثيرًا على مر التاريخ.  فلا نستطيع أن نجرد المسيحية من المسيح، فهي ليست عقيدة أو ديانة، كما يظن البعض، بل حياة سماوية ظهرت وتجسدت في شخص المسيح عندما كان هنا على الأرض، وهي تميز كل مسيحي حقيقي آمن بالمسيح.  هذه الحياة هي الوحيدة التي أبهجت السماء، لهذا نرى أن السماء قد فُتحت على المسيح وهو في مشهد المعمودية، ونزل الروح القدس مستقرًا عليه مثل حمامة، والآب من السماء المفتوحة يعلن: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (مت3: 17).  وبالطبع هذا لم يحدث قط مع إنسان قبله أو بعده، ولعل شيخنا الجليل، الذي اعتبر المسيحية عقيدة فاسدة، يعرف ذلك.  ففي شخصه الفذ الفريد تجسم الكمال.  لقد حاول الشيطان أن يجربه في البرية لمدة 40 يومًا، فلم يوجد فيه سوى الكمال الرائع الفريد، حتى شهد عنه الشيطان نفسه: «أنا أعرفك من أنت: قدوس الله» (مر1: 24)!  وقال عنه الناس: «من هو هذا»؟ «أي إنسان هذا»؟ «ما رأينا مثل هذا قط»!! 

   وتعليقًا على ما قاله الشيخ الجليل سالم عبد الجليل على أن العقيدة المسيحية فاسدة نقول:

   حقًا صدقت يا شيخنا الجليل، فالمسيحية أفسدت مُخطط الشيطان، حيث كانت خطته أن يقتاد البشر جميعًا للهلاك في الجحيم الأبدي.  لكن المسيحية أعلنت عن المسيح المخلص الذي «جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك» (لو19: 10)، و«ليس بأحد غيره الخلاص» (أع4: 12).  المسيحية تُقدم المسيح الذي «لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (مر10: 45).  المسيحية تعلن عن الله الذي أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو3: 16).  المسيحية تعلن أن الله «لم يُرسل ابنه إلى العالم، ليدين العالم بل ليخلص به العالم» (يو3: 17).

   المسيحية تعطينا الإنجيل الذي هو قوة الله للخلاص لكل من يؤمن، وقوة التغيير الأدبي في حياة الناس.

   هذه العقيدة الفاسدة هي التي تُعلِّم: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم» (مت5: 44).

   حقًا صدقت، فالمسيحية أفسدت أعراف وسلوكيات وأخلاقيات وتوجهات كلها ظلام في ظلام، وأحلت محلها توجهات مغايرة تمامًا من السلوك في النور والسلوك في المحبة والأخلاقيات السماوية.

   المسيحية صنعت فينا أعظم معجزة، لأن المعجزة العظيمة والكبرى هي تغيير الإنسان «إن كان أحد في المسيح، فها خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدًا» (2كو5: 17).  فالمسيحية التى غيرت حاضري، جديرة بأن أواجه بها أبديتي.

   المسيحية هي التي تعطي الضمان الأبدي لكل من يؤمن بالمسيح إيمانًا حقيقيًا، وتعطيه رجاءً صالحًا أكيدًا أنه سيكون مع المسيح في السماء بطول الأبدية.

   وإن كنت تود أن تعرف عن القليل مما أفسدته العقيدة المسيحية، اقرأ يوحنا 4 وتأمل ماذا فعلت مقابلة المخلص مع السامرية كثيرة العلاقات، وكيف تحولت من النقيض إلى النقيض، من فاجرة إلى مبشرة! واقرأ عن أهل أفسس الذين كانوا يعتقدون بالسحر ويستميتون في الدفاع عن الإلهة ديانا، لكن نور العقيدة الفاسدة غير أفكارهم، لدرجة أنهم قاموا هم أنفسهم بحرق كتب السحر التي كانوا يستعملونها (أعمال19: 18-20).

   وفي التاريخ المعاصر، تأمل ما فعلته العقيدة الفاسدة (حسب وجهة نظرك) في كوريا الجنوبية وكيف تغيرت دولة بأكملها من الوثنية للمسيحية وذلك في غضون نصف قرن، تغير الجميع دون تهديد أو ترهيب، تغييرًا أدبيًا وأخلاقيًا مبهرًا.

   وفي الإشارات الثلاث في كلمة الله لكلمة «مسيحي» نرى ثلاثة أمور هامة عن المسيحية:           في الإشارة الأولي مسيحية اقترنت بالمحبة والعطاء والتضحية، وهذا ما نجده عن مؤمني أنطاكية الذين عضدوا عمل الرب في أورشليم.  «ودُعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً» (أعمال11: 26).  وفي الإشارة الثانية نجدها مسيحية اقترنت بالتأثير، وهذا ما أكده أغريباس لبولس وهو يُحاكَم: «بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا» (أعمال26: 28).  وفي الإشارة الثالثة نرى مسيحية اقترنت باحتمال الألم لأجل الرب، وهذا ما ذكره بطرس للمتألمين عن احتمال الألم بسبب تبعيتهم للمسيح: «ولكن إن كان (يتألم) كمسيحي فلا يخجل، بل يمجد الله من هذا القبيل» (1بط4: 16).  

   المسيحية أخذناها بالنعمة حيث ولدنا مسيحيين، وهذا سهل مهمة وصول عمل النعمة المغيرة إلينا، لكن يشعر بقيمتها أكثر من لم يولد فيها وتحول إليها، وصار من أول الموبخين لنا لسبب صمتنا غير المبرر في الشهادة عنها.

   حقًا صدقت، فبكلامك هذا أعطيتنا الشرف المتجدد أن يقال عنا ما قيل عن المسيح: «هذا يفسد الأمة» (لوقا23: 2).  كل هذا لأن كثيرين جدًا تعلقوا بالمسيح عندما كان بالجسد على الأرض، مما أثار القادة الدينيين من اليهود قائلين: «هوذا العالم قد ذهب وراءه» (يوحنا12: 19).  

   إن الكتاب المقدس الثمين يشهد عن الذين ينكرون وجود الله أنهم «فسدوا ورجسوا بأفعالهم» (مز14: 1)، فابحث عن الذين فسدوا ورجسوا، وقتها ترى من هم الذين يقولون إنهم يعرفون الله ولكنهم بالأعمال ينكرونه، أي لا علاقة لهم  معه من الأساس.  والمسيحية تضع الإنسان في علاقة صحيحة مع الله، وهذه العلاقة تنشئ تقوى ومخافة لله.

   المسيحية تغير الداعشي الذي لمعتقده الخاص فقد إنسانيته، فصار يقتل - بضمير مستريح - الإنسان أخاه، وهذا ما لا يفعله الحيوان، مسيحية تغير الداعشي - الذي اقترن فساده الأخلاقي والأدبي لأدنى مستوى تحكي عنه النساء الهاربات منهم- وتحوله إلى شخص ينكر الفجور والشهوات العالمية، ويعيش بالتعقل والبر والتقوى.  وتغيير شاول الطرسوسي الذي كان مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا، والذي أصبح بولس الرسول هو أقوى دليل على ذلك.

   حقًا صدقت يا شيخ، ففي الوقت الذي طابعه النجاسة والشراسة، يظهر طابع المسيحيين الحقيقيين من وداعة وطهارة، فإذا كانت الوداعة والمحبة والطهارة والعفة هي نتاج العقيدة الفاسدة فحبذا بهذه العقيدة الفاسدة!

   ما كتبته هو قليل مما كُتب هذه الأيام ردًا على قولك، والكل يراهن على السلوك والعلاقات والتوجهات، فهذه الأمور هي المعمل الحقيقي الذي فيه نختبر فساد المعتقد من عدمه، وأعتقد بنظرة محايدة من المؤيدين والمعارضين، يُعلَم أننا في هذا الاختبار قد كسبنا الرهان.

                                                                       

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com