عدد رقم 3 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
غرباء وعابرون  

«غريب أنا في الأرض، لا تخف عني وصاياك» (مز119: 19)

   في كل تاريخ البشرية، كانت هناك جماعة من البشر، متعاقبة على التوالي «أقروا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض» (عب11: 13).  كانوا يتطلعون إلى الوطن الأفضل أي السماوي.  لم يشتهوا شيئًا من هذا العالم، واستعملوا القليل جدًا مما يلزمهم في رحلة تغربهم وسياحتهم نحو السماء.  من هؤلاء إبراهيم، رجل الإيمان، الذي «تغرب في أرض الموعد كأنها غريبة، ساكنًا في خيام مع إسحاق ويعقوب الوارثين معه لهذا الموعد عينه».  وذلك على الرغم من أنهم كانوا أغنياء والرب باركهم جدًا زمنيًا.  وعندما ماتت سارة قال لرؤساء الأرض: «أنا غريب ونزيل عندكم، أعطوني مُلك قبر لأدفن ميتي»، بعد أن قضى عشرات السنين بينهم لا يملك شيئًا.  كان يحمل الطابع السماوي، وله شهادة مؤثرة للغاية جعلتهم يقولون عنه: «أنت رئيس من الله بيننا».

   قد تجد قومًا من هذه الجماعة في البراري والقفار، ساكنين في المغاير وشقوق الأرض، ربما لأنهم قد طُردوا من العالم، وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم.  وقد تجد قومًا في العالم مختلطين بعامة الناس ولكنهم يتميزون ببساطة ملبسهم، وأحقائهم الممنطقة، وتقشفهم في المأكل والمشرب.  لا تفرق الأمور معهم كثيرًا لأنهم غرباء، يتعايشون مع الأوضاع المؤقتة.  كل ما يعنيهم ويفرق معهم أنهم يكونون في مشيئة الله.  كل هذه الصفات تدل على أنهم قد ألقوا رجاءهم لا على الأمور المنظورة بل على غير المنظورة التي لا يراها إلا الإيمان.  هؤلاء هم المتغربون الذين لا تؤثر فيهم التجارب والضيقات، ولا تزعزعهم، لأنها لا تستطيع أن تمس كنزهم الحقيقي الذي في السماء، أو تؤثر على مصالحهم الحقيقية المرتبطة بالله.  هؤلاء هم الذين لا تستطيع أن تغريهم أمجاد العالم ومسراته، لأنهم أبناء مملكة أسمى وأرفع، وينتمون إلى مدينة أشرف من أية مدينة أشرقت عليها الشمس.

   إن المتغرب لا يبغي شيئًا أكثر من أن يعبر الطريق التي يسلكها ليصل إلى وطنه سريعًا، متممًا واجباته على خير وجه، متذكرًا تمامًا أنه ليست له هنا مدينة باقية، بل ينتظر العتيدة، التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله.  

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com