عدد رقم 3 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نذيرٌ أسير  


«فَأَخَذَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَقَلَعُوا عَيْنَيْهِ، وَنَزَلُوا بِهِ إِلَى غَزَّةَ وَأَوْثَقُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ.  وَكَانَ يَطْحَنُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ» (قض16: 21)

   هذه هي النهاية المؤسفة لأحد أبطال الإيمان (عب11: 32)، شمشون الذي ولد نذيرًا لكنه سقط أسيرًا.  فقبل أن يكون أسيرًا لدى الفلسطنيين، عاش أسيرًا لشهوته.  «فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا ... َكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ» (1كو10: 11).  لقد بدأ شمشون حياته ببركة الرب له، وتحت سيطرة روح الرب، محركًا إياه في محلة دان، بين صرعة وأشتأول (قض13: 25).  فكان يقضي للشعب، وهذا ما تعنيه كلمة ”دان“.  متحركًا بسرعة مثل الدبور، وهذا ما تعنيه كلمة ”صرعة“.  طالبًا ومتوسلآً من الرب أن يعطيه القوة، وهذا ما تعنيه كلمة ”أشتأول“.  ولكن بكل أسف تحول شمشون تحولاً سريعًا، فقد كان على القمة في نهاية أصحاح 13، وفي بداية أصحاح 14 يسجل الروح القدس لأول مرة كلمة «ونزل شمشون»، وإلى أي مكان نزل هذا البطل؟ لقد نزل إلى ثلاثة أماكن خاطئة، وفي هذه الأماكن الثلاثة نرى الانحدار المتوالي تلبية لشهوة الجسد التي لا تشبع، كما قال الرب للسامرية: «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا» (يو4: 13).

المكان الأول: النزول إلى تمنة (قض14: 1).

     كان نزول شمشون إلى تمنة، مخالفًا لشريعة الرب الذي قال: «وَلاَ تُصَاهِرْهُمْ. بْنَتَكَ لاَ تُعْطِ لابْنِهِ، وَبِنتْهُ لاَ تَأْخُذْ لابْنِكَ» (تث7: 3).  لكنه سار وراء شهوة عينيه، فقد رأى امرأة في تمنة من بنات الفلسطنيين، وأراد أن يأخذها لنفسه زوجة، ولم يسمع نصيحة والديه التي كانت من الروح القدس حفاظًا على شريعة الرب، خاصة لكونه نذيرًا، لمنعه من هذا الزواج.  لكنه انجذب وانخدع من شهوته، ظانًا أن هذه الزوجة هى المعيَّنة من الرب.  وهذا ما تعنيه كلمة تمنة "القسم المعين".  وعن طريق هذا الزواج سوف يطلب علة على الفلسطنيين، وأنه البطل الذي سيحرر الشعب.  لكنه خالف الشريعة وسار في طريق الانحدار وارتبط ببنات الغلف.  لم يستمع إلى تحذير الرب عندما صادفه أسد في الطريق يزمجر للقائه، والرب في نعمته تسامى وأخرج من جوف الأسد عسلاً.  لكن هذا لا يعني المصادقة الإلهية على هذا الطريق.  

المكان الثاني: النزول إلى غزة (قض16: 1).

في المكان الأول رأينا النذير يذهب إلى واحدة من بنات الفلسطينيين ليرتبط بها كزوجة، وبالأسف لم يسعد بها.  ولكن في المكان الثاني نراه يذهب إلى بيت امرأة زانية، في غزة التي تعني "قوة".  فعندما تضيع القوة الروحية يلجأ الشخص لاستعمال القوة الجسدية.  كان يتحرك بدافع الشهوة بعيدًا عن المكان الصحيح الذي كان يحركه فيه روح الرب.  وعندما جاء عليه الفلسطنيين كامنين له، قام في نصف الليل وأخذ مصراعي باب المدينة والقائمتين، وقلعهما مع العارضة ووضعهما على كتفه، صاعدًا إلى الجبل الذي مقابل حبرون (قض16: 3).  لم يصعد إلى حبرون نفسها لأنه كان فاقدًا لشركته مع الرب. وكل من يصعد إلى حبرون فهو رجل الشركة والقوة الروحية لا القوة الطبيعية، مثلما كان إبراهيم وكالب بن يفنة (تك13: 18، يش14: 13).  ففي هذا المكان نرى النذير عبدًا لشهوته ورغباته.  لقد تبلد ضميره، فبالرغم من معرفته إلى أين وإلى من سيذهب، ولماذا هو ذاهب، لكنه لم يرتعد!

المكان الثالث: وادِي سُورَقَ (قض16: 4).

      "سورق": اسم عبري معناه "الكرم المختار" ويقع وادي سورق على بعد 13 ميلاً غرب أورشليم.  وكان يطلق عليه الوادي الخصب المكشوف الصالح لزراعة الكروم.  في هذا الطريق نرى النذير غارقًا في شهواته شاربًا من الخمر والمسكر، وخل الخمر وخل المسكر، ومن نقيع العنب، آكلاً من العنب رطبًا ويابسًا، وكل ما يعمل من جفنة الخمر، من العجم حتى القشر، كاسرًا كل الوصايا المرتبطة بالنذير (عد6: 3، 4).  هناك أحب دليلة التي معنى اسمها "ناعمة" والتي «أَغْوَتْهُ بِكَثْرَةِ فُنُونِهَا، بِمَلْثِ شَفَتَيْهَا طَوَّحَتْهُ. ذَهَبَ وَرَاءَهَا لِوَقْتِهِ، كَثَوْرٍ يَذْهَبُ إِلَى الذَّبْحِ، أَوْ كَالْغَبِيِّ إِلَى قَيْدِ الْقِصَاصِ، حَتَّى يَشُقَّ سَهْمٌ كَبِدَهُ. كَطَيْرٍ يُسْرِعُ إِلَى الْفَخِّ وَلاَ يَدْرِي أَنَّهُ لِنَفْسِهِ» (أم7: 12ـ 23).  وكشف لها كل قلبه، وأنامته على ركبتيها ودعت رجلاً وحلقت سبع خصل رأسه، وابتدأت بإذلاله.

 لقد بدأ النذير مشواره في الانحدار، أسيرًا لشهوة عينيه، مع زوجة من بنات الغلف في تمنة، ثم غارقًا في شهواته مع المرأة الزانية في غزة.  مترنحًا في بحر الشهوة، مع دليلة الناعمة في وادي سورق.  وكما أن الأنهار تجري إلى البحر والبحر ليس بملآن، عاش النذير أسيرًا لشهوته دون أن يشبع أو يكتفي.  وفي وادي سورق، ختم النذير على حياته، أن يكون أسيرًا لدى الفلسطنيين.  ولم يحظَ بمعاملة الأسير، أو مجرم الحرب، وذلك لحين مثوله أمام القضاء.  بل فور وقوعه أسيرًا قلعوا عينيه، ما بدأ به مشوار شهوته، وقيدوه بسلاسل نحاس، ونزلوا به إلى غزة، وصار يطحن في بيت السجن.  أكتب هذا وقلبي يدمي في داخلي على نهاية هذا البطل الذي راح ضحية شهوته، التي حبلت وولدت خطية، والخطية كملت وأنتجت موتًا(يع1: 14).                                    


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com