عدد رقم 1 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الحزام الناسف  

   ليس تحت الشمس جديد، هكذا قال حكيم الأجيال سليمان في سفر الجامعة.  وما أشبه اليوم بالبارحة، فالعنف ليس جديدًا على المجتمعات.  قد يتنوع الأسلوب، وتختلف الأماكن، ويختلف عدد الضحايا، ولكن تيار العنف يستمر.  لقد ابتدأ بقايين يوم أن قام على أخيه هابيل وقتله دونما ذنب جناه، ولن ينتهي بحادث الكنيسة البطرسية، وهذه ليست نظرة تشاؤم، ولكن ما دام إبليس موجودًا، فأبناؤه ينفذون مشيئته وأوامره بسرور وحماس بالغين، وقد قال سيدنا وقت أن كان بالجسد على الأرض، لمن ظنوا أن الله أبوهم وكانوا يريدون قتله باسم الله وخدمة لله، " فقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كَانَ اللهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، لأَنِّي خَرَجْتُ مِنْ قِبَلِ اللهِ وَأَتَيْتُ.  .... أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ» ( يو8: 44).

   وفي خضم هذا الحدث الجلل، حادث الكنيسة البطرسية والحزام الناسف، أحاول أن أستخلص مع القراء الأعزاء بعض الدروس والعبر لننسف بعض العادات والأفكار:

1-             نسف التساؤل: "فين ربنا من الأحداث"؟! الله موجود في كل الوجود، يراقب وله مطلق السلطان وممسك بزمام الأمور، وهو العلي المتسلط في مملكة الناس، ويسيطر على الأحداث، رغم أي شيء، ولن يخسر الجولة ولا المعركة أبدًا، حتى وإن بدا الأمر غير ذلك.  بل إنه وضع لكل شيء حدًا، وليس للصدفة دور في هذا، فالذي خطط للحدث، أراد أن ينسف المبنى على من فيه، ولكن الله كان له رأي آخر.  وكما قال أحد الخبراء الهندسيين بالقوات المسلحة: "من الرحمة أن سقف الكنيسة كان من الخشب، فتطاير لأعلى مع موجة الانفجار ولو كان من الخرسانات، وهو الوضع الغالب للأبنية، لسقط إلى أسفل على المئات، أو أثرت موجة الضغط تأثيرًا هائلاً.  لقد سمح الله للحدث، ولكنه ضع له حدًا.

2-              نسف حالة التراخي والكسل: هل من قبيل الصدفة سمح الله بهذه الحوادث قبل نهاية عام 2016؟ ولعلنا نذكر أن الحوادث حتى الطبيعية مثل سقوط صخرة جبل المقطم كانت في ديسمبر، وكذلك تقجير كنيسة القديسين كان عشية رأس السنة2011؟ أعتقد أن الرب يريد أن يصل بنا لمرحلة فيها نقف أمام الرب ونمتحن أنفسنا أمام هذا الصوت المجلجل "من له أذن للسمع فليسمع" لندخل لعام جديد بتوبة حقيقية صادقة.  فلن نقول نحن بمنأى عن سقوط البرج في سلوام على 18 فرد، مثلما سقطت صخرة المقطم، ولن نقول نحن بعيدون عن الحزام الناسف الذي فجر الكنيسة البطرسية، مثلما كان أيام الرب، عندما خلط بيلاطس دم المصلين بذبائحهم.  فكم كان بديعًا تعقيب الرب لمن ظنوا أنهم بعيدون بالقول: "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون"  (لوقا 13: 3)! فدعونا نوضح أن القتلى والمصابين لم يكونوا خطاة أكثر منا، بل ربما أفضل منا، لكن من خلالهم يقدم الله هذه العظة المؤثرة، فهل نصغي لصوت الرب ولا نهمل أمر خلاصنا، وحياتنا الأبدية؟

      3-               نسف فكرة أن الموت للكبار فقط: فالموت ليس للكبير أو للمريض أو للشرير أو للفقير فقط لكنه يطول الكل، وفي مختلف الأماكن، في البيت أو المستشفى، في أماكن العبادة أو أماكن اللهو والعبث، للطفل الرضيع كما حدث لابن داود الملك، أو للصبية كما حدث لابنة يايرس (لو8: 41)، أو للشاب مثل ابن أرملة نايين الفقيرة وهو وحيدها (لو7: 11)، أو للرجل كما حدث مع لعازر المريض (يو11: 11).  حدث أيضا للملك التقي داود بعد أن مرض، وحدث للملك الشرير هيرودس دون مرض (أع12: 23).  هل فهمتم المغزى من كل هذه الأمثلة - أيها القراء الأعزاء – التي سجلها لنا الله في كتابه المقدس؟ إن الموت عن كل واحد منا ليس ببعيد! لا يرتبط بمكان أو زمان أو كيفية، فهل أنت مستعد لهذه اللحظة التي لا يعرف كائن من كان وقت مجيئها؟  وكم كان من اللافت للنظر توقف ساعة الحائط عند العاشرة إلا خمسة صباح يوم الأحد 11 ديسمبر، توقفت إثر الانفجار، وتوقفت معها ساعة العمر للكثيرين فالعمر يمضي سريعًا، لا بد أن تتوقف ساعة العمر في لحظة لا تتوقعها فاستعد لها جيدًا.

4-              نسف فكرة الاحتماء بالبشر: قد يضع الناس ثقتهم في قائد أو رئيس أو ملك أو حراسة أمنية، ونحن لا نغفل دور هؤلاء المهم، ورغم إخلاصهم لكنهم هم أنفسهم يحتاجون إلى حراسة، فالشر يمكن أن يطولهم جميعًا.  لذلك يخبرنا الكتاب المقدس صراحة أن الخلاص ليس بكثرة الجيش (مز 33: 16).   و ... إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ، فَبَاطِلاً يَسْهَرُ الْحَارِسُ (مز127: 1).  هذا يوضح أن عين الرب التي تحرس وتصون أهم بكثير من عين الإنسان التي قد تغفل مرة ومرات حتى لو بدون قصد.

4-              نسف فكرة أن الإرهاب هو بالمتفجرات فقط واتضح أنه إرهاب الأفكار: فكيف لشخص يسرع بقدميه بهذه الخطوات الذي شاهدناها بعد تفريغ الكاميرات، وهو يعلم أنه سيصير جسده أشلاء بمجرد ضغطة على زرار التفجير! وهذا المنهج برمته يوضح لنا خطورة الذهن في توجيه السلوك والإرادة والقرارات.  فكم هو جميل أن تتجدد أذهاننا بأفكار الله المقدسة المدونة في كلمته.

5-               إنسان في كرامة ولا يفهم يشبه البهائم التي تباد: لقد خلق الله الانسان في أروع صورة، ولكن عندما يبعد الانسان عن الله الحي الحقيقي ويبيع نفسه للشيطان فإنه يكون دمية في يده يحركها كيفما يشاء.  والإنسان في انحطاطه يصل إلى ما هو دون الحيوان، سواء في شره أو إرهابه. فهل سمعت عن حيوان قتل مجموعة حيوانات من نفس نوعه؟ وا حسرتاه على الإنسان عندما يكون مغيبًا ويُسلم ذهنه وعقله لآخرين ليعبثوا به، فيصدق أن الله المحب الرحيم الرقيق المشاعر من نحو خليقته، والعادل البار يمكن أن يكافئه على القتل! ويشخص الكتاب المقدس حالة الإنسان في بعده عن الله في في رومية 1: 29  بالقول "مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلاً وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا، ... مُبْغِضِينَ ِللهِ،... مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا،... بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ".  وما أجمل أن يسلم الإنسان ذهنه وكيانه لله، ليتجدد ذهنه للمعرفة حسب صورة خالقه (كو3: 10) من محبة وعطف ورحمة ومودة.  فهذا الكتاب كلمنا أيضًا في نفس الرسالة في رو15: 14 عن شحن من نوع آخر قائلا: " وَأَنَا نَفْسِي أَيْضًا مُتَيَقِّنٌ مِنْ جِهَتِكُمْ، يَا إِخْوَتِي، أَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَشْحُونُونَ صَلاَحًا".  إن الشحن من خلال العلاقة مع الرب يقودنا لقبول بعضنا بعضًا ونسعى لخير بعضنا البعض، لكن الشحن من العدو يقود لتدمير الآخرين.  

6-              نسف أكذوبة العيش بالسلام مع الآخرين دون أن يكون لي سلام مع نفسي وسلام حقيقي مع الله.  إن الإنسان يحتاج أن يتصالح مع الله أولاً حتى يتصالح مع نفسه ومع الآخرين ويكون معهم في سلام.

ليتنا نصلي لأجل بلادنا، لأنه بسلام المدينة يكون لنا سلام، وأيضا لأجل القادة والحكام كما أوصانا الله في كلمته، ليعطيهم الرب حكمة في إدارة أمور البلاد فنقضي حياة هادئة مطمئنة في كل تقوى ووقار، ونصلي أيضًا لأجل أسر أحبائنا الذين رحلوا، ليمنحهم الرب عزاءً وافرًا.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com