عدد رقم 1 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ضيق المعيشة وكفاية القدير  


   إن كان هناك موضوع في أيامنا يمكن أن نطلق عليه موضوع الساعة، لأنه يشغل حديث عامة الشعب بمختلف مستوياتهم الاجتماعية، والمادية، فهو "غلاء الأسعار غير المسبوق”.  الكل يشكو ويئن، ولا ننكر أن هذه أزمة حقيقية، ولا ندعي بأننا كمؤمنين لا نبالي، وإن كنا لا ننزعج أو نشكو كالباقين.  حتى الذي غمره الرب بخير وفير، على الأقل يتألم مشفقًا على الفقراء والذين يعانون من ضيق المعيشة.  فالسؤال هنا، ما هو رد الفعل الصحيح للمؤمن الأمين الذي يريد أن يتصرف حسنًا في هذه الظروف؟ وما أرجوه في هذه السطور، بنعمة الرب، أن نأخذ الموقف الذي يمجد الرب في المقام الأول، وأيضًا يكون فيه لنا تعزية، وشهادة لمن حولنا.  لذا دعونا نتذكر هذه المبادئ المباركة:

١- نثق في كفاية الرب، وفي كل ما قاله من وعود.

   لا ننكر أننا نعيش في أيام نحتاج فيها إلى الإيمان أكثر من أي وقت مضى.  قديمًا وقت خروج الشعب من مصر، أوصى الرب موسى أن يأخذوا شيئًا واحدًا في أيديهم، لا رصيدًا من المال أو الغذاء أو الماء أو الملابس اللازمة لرحلة البرية، بل أن تكون عِصِيِّهم في أيديهم.  والعصا تشير إلى المواعيد الإلهية، كما تشير إلى الارتحال والغربة.  نحن نعبر هذه البرية، مستندين لا على مواردنا، بل على وعود الرب الأمينة والمشجعة والمعزية، ولأننا غرباء فنحن نتعايش مع الأوضاع المؤقتة قاصدين الوطن الأفضل أي السماوي.  والرب قد وعدنا بالرفقة والكفاية وبسلامة الوصول.  وصلاحية هذه المواعيد تمتد إلى انقضاء الدهر.  نثق أن الرب متكفل بِنَا مهما كانت شدة الضيقة ومحدودية الامكانيات.  يمتلئ الكتاب بالمواعيد المشجعة عن كفاية الرب في أيام الجوع، منها على سبيل المثال « القليل الذي للصديق خير من ثروة أشرار كثيرين... لا يخزون في زمن السوء، وفي أيام الجوع يشبعون...» ( مز ٣٧ : ١٦- ٢١).  «هوذا عين الرب على خائفيه الراجين رحمته، لينجي من الموت أنفسهم، وليستحييهم في الجوع » ( مز٣3: ١٨، ١٩).

٢- الرب الرحيم يحدد فترة الضيقة، فلا تتجاوز الحدود

   شكرًا للرب الحنون الذي يترفق بِنَا، ويضع حدًّا لكل أزمة من أزمات الحياة، ويقرر موعدًا للفرج.  رسمت مقاصد العلي أن تكون في أيام يوسف سبع سنين عجاف، لكن سبقها الرب في نعمته بسبع سنين من الشبع، لاستبقاء الحياة.  يومها، جعل منفذ الضيقة هو الذهاب إلى يوسف.  وعندما شاء الرب في أيام أليشع، أن الشعب يجتاز في جوع شديد بسبب حصار السامرة، فتح  كوى السماء في الوقت المعين وفاض بالخير الجزيل (2مل7).  كما أنه يعتني بعائلات أتقيائه على وجه الخصوص، مثل قصة الأرملة المديونة ودُهنة الزيت (2مل4).  كذلك مع الشونمية إذ « كلم أليشع المراة التي أحيا ابنها قائلاً: «قومي وانطلقي أنت وبيتك وتغربي حيثما تتغربي، لأن الرب قد دعا بجوع فيأتي أيضًا على الأرض سبع سنين» (2مل8).  وفي كنيسة سميرنا يقول: «ويكون لكم ضيق عشرة أيام» (رؤ2).  فإن زمن الضيقة محدود.

٣- للرب قصد، وراء كل ضيقة مادية أو باب مسدود

   إننا نؤمن أن أبانا السماوي في رحمته « يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين» ( مت ٥: ٤٥)، كذلك نؤمن أنه لا تحدث ضيقة في المعيشة خارج دائرة سلطانه.  «هو الرب إلهنا في كل الأرض أحكامه، ... دعا بالجوع على الأرض. كسر قوام الخبز كله » ( مز ١٠٥: ٧، ١٦).  فكل شيء صنعه لأجل غرضه، حتى الأزمات الاقتصادية، فهي لا تعني أن يد الرب قد كفت عن أن تجود، بل إن الرب يضغط بحكمة، لكي يستخرج من الأزمة المؤقتة في الزمان، بركات أبدية.

٤-  إلهنا الكريم وصاحب الفضل القديم، لم يزل يجود

   مع أن المواعيد الإلهية الصادقة تكفي أن نتشجع وننتظر جود الرب في أرض الأحياء لكن ما يشجعنا أيضًا، اختبارات القديسين الذين اجتازوا أزمات مشابهة.  التجارب تتكرر فيقول الكتاب في فاتحة تكوين ٢٦ « وكان في الأرض جوع غير الجوع الأول الذي كان في أيام إبراهيم …» لكن عناية الرب ومعيته حصَّلت لإسحاق الخير الوفير في أيام الجوع.  ونحن اليوم نذكر للرب الفضل القديم الذي أظهره لآبائنا ونثق أن إلهنا الأمين والسخي لم يزل يعتني، ويده الكريمة لم تكف عن العطاء وينابيعها لن تنضب أبدًا.  وكما بارك إسحاق يمكن أن يبارك أعمالنا ومصادر دخولنا، وكما عال إيليا بطريقة معجزية هكذا يمكن أن يعولنا أيضًا.  والذي يعتني بالطيور حتمًا سيعتني بنا.

٥-  الذين يمجدون الرب في الضيق، هم أقوى شهود.

   كان ممكنًا أن الرب يستخدم إيليا في معجزة تكثير للدقيق الذي في الكوار والزيت الذي في الكوز، ويضع أمام عيني الأرملة التي أضافت رجل الله  كمية كبيرة من الدقيق والزيت تكفي لعامين قادمين، لكن ليس هذا ما يريده الرب.  الرب يريد أن يشجعها بأن ترى كفاية الرب كل يوم بالرغم من محدودية الموارد.  ربما دخلك لم يزل محدودًا ولم يزد بما يتناسب مع الارتفاع الرهيب في الأسعار، لكن الرب يمكن أن يجعل القليل الذي لديك خير من ثروة أشرار كثيرين.  يقينًا، الرب يتمجد في حياة الإيمان الذي يمارَس بصورة يومية طوال أيام الضيق.  حياة الثقة والقناعة والاكتفاء والشكر في كل الظروف تبرهن على الإيمان الحقيقي وهي شهادة عظيمة في عالم يسوده الطمع والجشع، وتعلو فيه نغمات التذمر والخوف من المستقبل المجهول.  إن ظلمة الضيقة أنسب وقت لضياء الشهادة عن صلاح الرب وكفايته.

٦ – لنفتقد المتضايقين في معيشتهم، بعطاء سخي ودود

   قصد الرب في حكمته أن يكون بين المؤمنين فقراء وآخرون ميسوري الحال أو أغنياء لنختبر بركة العطاء، الأمر الذي يسر الله أن يفعله دائمًا، لأنه مغبوط عنده العطاء أكثر من الأخذ.  كان القديسون في بداية تاريخ الكنيسة كل شيء بينهم مشتركًا (أي الذين لهم يشاركون من لديهم احتياج).  العطاء لا علاقة له بوفرة الأشياء أو الغنى المادي وكثرة الدخل.  إنما له علاقة  بوفرة الحب والمشغولية الكريمة بالآخرين.  مؤمني فيليبي الأسخياء هم خير مثال لهذا النوع من العطاء.

 

٧-  قريبًا نودع كدر الزمان ونسعد بدار الخلود.

   عندما تشتد الأزمات ويزيد كدر العيش عن الاحتمال لا يملك المؤمنون سوى أن يرتموا في حضن الرب الرحيم طالبين العون والتشجيع.  والرب ليس فقط يشجع بمواعيده الأمينة ويجود بعطاياه الثمينة، لكن نبضات قلبه المحب تقول: "مهلاً يا أحبائي وصبرًا، قريبًا جدًا ستودعون ظلم وكدر العيش وتكونون معي في المجد، سوف تنسون كل أتعابكم عندما آتي وآخذكم إليَّ، وسأمسح كل دمعة من عيونكم.. قريبًا سنلتقي...ها أنا آتي سريعًا".  إن أشواق قلبه المحب، ورجاء لقائه القريب يهونان علينا كل صعب.  وأعذب خاطر يهدئ قلوبنا بل يملأها بالفرح الغامر، هو هذا الرجاء المبارك.  يا له من فكر ملذ ومعز لنفوسنا أنه عن قريب ستتحقق منية قلوبنا في اللحظة السعيدة التي فيها ننطلق من دنيا العناء، لنكون مع فادي نفوسنا الغالي في السماء إلى الأبد.  فلنتمسك بهذا الرجاء ونتطلع إليه ونفرح فيه إلى أن يتحقق، إن ضاقت أو فُرجت ستنتهي، إن طالت أو قصرت ستنتهي، يقينًا ستنتهي الغربة المؤقتة ونساكن الحبيب في البيت الأبدي.  فبشوق القلب نقول: «آمين تعال أيها الرب يسوع».

                                                                                   

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com