عدد رقم 6 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نعم .. لأن هكذا صارت المسرة أمامك (مت26:11)  

   كان ربنا المعبود هو أروع مثال للخضوع والتسليم في حياته على الأرض، وقد نطق بهذه العبارة الخالدة عندما رُفضت خدمته من مدن كثيرة، ولا شك أن الرفض الجماعي كان جارحًا ومُهينًا لذاك الرقيق.  لقد جاء لا ليُخدَم بل ليَخدِم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين.  خدم وتعب وأفنى قدرته في صنع الخير للآخرين.  عاش محرومًا من أبسط الحقوق وكان طريقه شائكًا.  أحب وضحى إلى أقصى الحدود، لكنهم أبغضوه وأهانوه وجرحوه، وعلى عود الصليب رفعوه وسمروه.  بطول الرحلة كان رجل أوجاع ومختبر الحزن، لكنه قط لم يشكُ أو يتذمر، بل كان شاكرًا وصابرًا وراضيًا، مُتقبلاً كل الأمور من يد الآب المحب والحكيم، تاركًا لنا مثالاً لكي نتبع خطواته.

   إننا نعبر في برية طابعها العام هو الألم، وأحيانًا الألم لدرجة المرار، والرحلة مع أنها قصيرة فهي عَبْر وادي البكاء، وكلنا نذرف الدموع ونتجرع الألم بسبب الظروف المعاكسة التي نواجهها في رحلتنا نحو السماء.  والرب لم يعدنا برحلة سهلة، لكنه وعدنا بسلامة الوصول.  والكتاب يخبرنا أن الخليقة كلها تئن وتتمخض معًا، ونحن الذين لنا باكورة الروح نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا (رو22:8، 23).  إن الحياة الأبدية التي نلناها يناسبها بيت الآب وليس أرض الشقاء، ويناسبها الجسد الممجد وليس الجسد الترابي الوضيع.  ولكننا لا زلنا على الأرض، ولا زلنا في الأجساد الترابية التي تجتمع عليها عوامل الفناء، لهذا فنحن نئن إلى أن يأتي الرحيل ويبطل الأنين ونقابل الرب في الهواء، ونمكث جواره بلا نحيب.

   وإلى أن يأتي ذلك الحين فإن الرب لم يتركنا بلا معونة في الرحلة، فهو الرفيق الذي يعزينا ويواسينا ويشجعنا ويجدد عزمنا في المسير.  وعندما يسمح بالألم والحزن فهو يقترب منا بنفسه، يضمد جروحنا ويمسح دموعنا، يرثي لضعفاتنا، ويعين المجربين.
   ويمكننا أن نحصل على التعزية والتعضيد من خلال قناعات راسخة يتركها الرب في أعماقنا.  على سبيل المثال:

1-    ما قاله أيوب: «الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركًا» (أي21:1).  عندما ندرك أن الرب هو صاحب الحق، وهو مصدر كل العطايا، وأننا لسنا مالكين لأي شيء، لكننا وكلاء مؤتمنين على كل شيء، وإذا أراد الرب أن يأخذ إحدى ودائعه في أي وقت، فهذا حقه وهو صاحب الكل، فلماذا نخاصمه ولماذا نُحبط من معاملاته؟ ونحن نرى مثالاً لذلك في ابنة فرعون التي أعطت الصبي موسى لأمه قائلة: «اذهبي بهذا الولد، وأرضعيه لي، وأنا أعطي أجرتك» (خر9:2)، وفي وقت لاحق أخذته وأمه لم تعترض.

2-    «أالخير نقبل من عند الله والشر (التجارب والنكبات) لا نقبل»؟! (أي10:2).  إن الرب المنعم الذي صنع معنا كل الخير بطول السنين، ويده التي حملت ورفعت وأطعمت وحفظت وسترت ولمست وشفت وشجعت وأعانت عبر كل الماضي، هي ذات اليد التي امتدت وأخذت أو حرمت، فلماذا نخاصمه؟ إنه يقول لكل شخص يتعرض لتجربة: «من عندي هذا الأمر» (1مل24:12).  وعلينا أن نتقبل الأمور من يده الرحيمة والحكيمة، بخضوع وخشوع، ولا نشك لحظة في محبته وصلاحه من نحونا.

3-    «الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء»
(رو32:8).  إنه يقينًا يحبنا وقد ضحى بأعز من عنده لأجلنا، وحاشا أن يحطمنا أو يقسو علينا، وهو حتمًا يقصد خيرنا، وإن سمح أن نُحرم من شيء عزيز فهو إله التعويضات الذي سيعوضنا في شيء آخر.

4-    «تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمل» (2كو9:12).
  الرب الذي سمح بالشوكة لبولس لم يرفع الشوكة لكنه أعطاه نعمة ترفعه هو فوق الشوكة، وهو أيضًا لن يتركنا بلا معونة.  «هو يجرح ويعصب، يسحق ويداه تشفيان» (أي18:5). «عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي» (مز19:94).  وهذه التعزية تأتينا من رثائه كالكاهن الرحيم، ومن كلمته المُشجعة، وأيضًا من محبة وعواطف القديسين الذين يحيطون بنا في تجاربنا باعتبار أننا جسد واحد.  إن الرب لا يكسر إلا لكي يبارك، وسنختبر كفاية نعمته ومعونته كل أيام الحياة.

5-    الله عنده مشاريع يريد أن ينجزها، وهي تتناسب معه في عظمة أفكاره وتمتد للأبدية، وهذه المشاريع لا بد أن تنجح وتحقق مجده، لكنها تحتاج إلى من يشارك فيها ومن يتحمل الكلفة.  وهو يختار الأشخاص الذين سيشاركوه في مشروعه، ويشرفهم بهذا الامتياز.  هذا ما نراه في إبراهيم الذي قدم وحيده إسحاق على المذبح وهو مُجرَّب (تك22)، وفي الأسرة المحبوبة التي تجربت في بيت عنيا وفقدت لعازر (يو11).  وفي الحالتين الله حقق مجده، والله حتمًا سيكافئ هؤلاء الذين تحملوا الكلفة بصبر وخضوع.

6-    «كل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر» (يو2:15).  إن التجارب تُجمِّل المؤمن وتزكيه وتلمعه وتنقيه، وتجعل رائحة المسيح تفيح في حياته، فيصبح مؤثرًا في الآخرين.  إنه يتغير أدبيًا ويصبح أكثر شبهًا بالمسيح.  وبالنظر لهذه النتيجة المباركة فإن الألم يهون ويُحتمَل، فمن خلاله يُشكِّل الرب في أوانينا، ويجعلنا نافعين لخدمته بشكل أفضل.

7-    «خفة ضيقتنا الوقتية تُنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدي»
(2كو17:4).  فهناك المكافآت العظيمة أمام كرسي المسيح عندما نصل إلى السماء.  و«طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه» (يع12:1).     
                                                                                                                                                       


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com