عدد رقم 6 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
صدقي حبيبنا قد نام  
 
  ”على العابرين من بحر الحياة تُذرَف العَبَرات، وأيضًا من العابرين من بحر الحياة تُؤخذ العِبَر، وعلى قدر ما تكثُر الدموع التي تُذرَف، على قدر ما تكثُر الدروس والعِبَر المستفادة“.
   هكذا كتب الأخ الحبيب قبل ستة أشهر من رحيله، وهو يرثي شابًا رحل في ربيع عمره، لكن هذه الكلمات الخالدة تنطبق عليه تمام الانطباق.  فقد كانت صدمة فجائية عنيفة كسرت قلوبنا وملأت عيوننا بالدموع، عندما سمعنا خبر انتقال الأخ الفاضل والمحبوب المهندس صدقي فهمي أيوب، مساء الخميس السابع من نوفمبر.
   وبالنظر للمكانة الخاصة التي للأخ الحبيب في كل قلب وفي كل بيت، وفي اجتماعنا المحلي بأسيوط، وفي العديد من الاجتماعات التي زارها، فقد شعرنا بالخسارة الفادحة لرحيله المفاجئ، وبالفراغ الكبير الذي تركه.  لقد كان نافعًا بكل معنى الكلمة، وما أندر النافعين.
   كان الأخ الحبيب معنا بطول الزمان صفحة بيضاء ناصعة لامعة يتميز بالنقاء والبساطة والإخلاص.  كما تميز بالأمانة والبر والانضباط في العمل الزمني أو العمل الروحي في جميع الأماكن التي تحرك فيها في مصر والسعودية والكويت، وكانت له شهادة حسنة ومهابة من الجميع.
   كانت يد الرب معه منذ شبابه المبكر فكان رجلاً ناجحًا على جميع المحاور: روحيًا وأسريًا وزمنيًا.  وفي كل مراحل حياته كانت التقوى ومخافة الرب هي السمة البارزة فيه والسمة البارزة في بيته.  
   تميز بروح الاتضاع وإنكار الذات، فكان يخدم الرب بكل تواضع.  لم يبحث عن مكان أو شهرة، بل كان يؤخر نفسه ويقنع بالمكان الأخير، ويشجع الصغار ومن هم أقل منه في السن والخبرة والمعرفة الروحية.  كان يخدم في أماكن مستترة ويذهب إلى القرى الصغيرة والأماكن المحرومة، ويتحمل مشقات السفر لبلاد بعيدة كالوادي الجديد، كان يبحث عن مجد السيد وبركة النفوس وليس عن راحته الشخصية.  سافر إلى جنوب السودان قبيل رحيله بفترة وجيزة، وخدم هناك تاركًا آثارًا جليلة في الصغير والكبير.  لم يكن شخصًا مُرفهًا بل عاش حياة خشنة وكان صبورًا على المشقات.  كان يساعد بيديه ويشتغل بيدين راضيتين في أعمال الترميم والبناء لبعض الاجتماعات دون كلل.
  كان دارسًا جيدًا وفاهمًا لكلمة الله، ويبذل جهدًا كبيرًا في البحث والتنقيب في كنوز الكتاب المقدس ليكون دائمًا في جعبته ما يقدمه للنفوس من جدد وعتقاء.  وكان نافعًا جدًا في اجتماعات درس الكتاب، بأسلوبه الجذاب والبسيط.
   كان شاعرًا وكاتبًا لترانيم عميقة ومنعشة مثل ترنيمة: "عندما تُدمى رجلي بأشواك الطريق .. عندما يغمر قلبي ضيقٌ فوق ضيق .. أرفع قلبي إليك .. أضع الأمر لديك .. تغمرني تعزياتك .. يفرح قلبي لديك .. أنسى كل ما جرى لي .. أنسى أتعاب الطريق .. أمضي أشدو لا أبالي .. أشكر في كل ضيق"، وترنيمة "365 يوم، 365 ليل .. والمحبة تتدفق كل يوم، والعناية تترفق كل ليل".  
   تميز برؤية بعيدة ثاقبة، وكان يتوقع أشياء ويُحذِّر منها، وكانت تحدث كما قال.  كان قريبًا من الرب وله فكر الرب في أمور كثيرة.
   كان له القلب الراعوي الذي يهتم بأحوال القطيع بإخلاص، ويهتم بالزيارت للبيوت والعائلات.  كان يهتم بالشباب اهتمامًا خاصًا، وكان قريبًا منهم، يشجعهم وينصحهم، ولهذا كان الشباب يحبونه ويستريحون له، ويحترمونه.
   كان مُدبرًا حكيمًا في كنيسة الله، وكانت له الآراء السديدة في الأمور لقيادة الجماعة في الطريق الصحيح في كافة المجالات.
   كان يتميز بالحنان ورقة المشاعر والأحشاء، وكم شارك المتألمين في آلامهم وأحزانهم، وكم رأينا دموعه التي تعبر عن قلبه الرقيق، وهو يشارك الباكين والمجروحين، وكم كانت كلماته شافية.
   كان ودودًا وعطوفًا على الأطفال وكانوا يتعلقون به ويحبونه، وكان يعرف أن يداعبهم ويتواصل معهم، وكان هذا هو المشهد الأخير في حياته. 
   كان رجل صلاة ويقضي وقتًا طويلاً في خلوته مع الرب، راكعًا على ركبتيه ذاكرًا احتياجات شعب الرب وظروفهم في جميع الكنائس.  وكان يهتم كثيرًا باجتماعات الصلاة، وكانت صلاته عميقة ومؤثرة تُحرك القلوب.
   احتمل أحزانًا بالظلم وكان راضيًا متقبلاً الخسارة المادية والضغط النفسي، حريصًا كل الحرص على الشهادة لكي لا يُعثر أحدًا، ولكي لا تُلام الخدمة.
   عاش غريبًا سماويًا بكل معنى الكلمة، قانعًا بالقليل في الرحلة القصيرة، مكتفيًا بما هو فيه.  لم تكن له طموحات زمنية أرضية، بل عاش ينتظر المدينة التي لها الأساسات.  وعلى الجانب الآخر كان طموحًا في الكتاب يدرسه بعناية، وطموحًا في ربح النفوس. 
   بالإجمال كان شخصًا رائعًا شكلته يد القدير وأبدعته يد الفخاري الأعظم، وكان يحمل صفات المسيح، وانطبقت عليه كلمات الرسول: "البسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات، ولطفًا، وتواضعًا، ووداعة، وطول أناة، محتملين بعضكم بعضًا ومسامحين بعضكم بعضًا ... وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال" (كو12:3-14).  
    أكرمه الرب بزوجة فاضلة تقية مشهودًا لها في الإيمان والتقوى والخدمة والكتابة والترجمة وفي كل عمل صالح، هي الدكتورة فيبي فارس، التي كانت له معينة على خير وجه، كما أكرمه الرب بابنين في الإيمان مشهودًا لهما في المحبة للرب وللقديسين، هما جون وجوزيف.    
   لقد عاش في سلام، وكان يصنع السلام بين الإخوة والعائلات، وأخيرًا رحل في سلام.
   لأجل كل هذا نحن نشعر بخسارة كبيرة أن يغيب عنا هذا الأخ الفاضل الذي يندر أن يتكرر، ولكننا نحني رؤوسنا ونخضع للمشيئة الإلهية الحكيمة التي رأت ذلك وفعلت ذلك.
   عزاؤنا مجيء الرب وقرب اللقاء على سحب المجد وفي أجساد المجد.
آمين تعال أيها الرب يسوع

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com