عدد رقم 6 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
عندما فقدتُ الاتصال برأسي  

   كنت أنهي عملي بعيادة المخ والأعصاب بالمستشفى الذي أعمل به عندما أخبرتني الممرضة أن السيدة " آن" التي تعاني من مرض الألزهايمر تريد مقابلتي.  وكانت غاضبة جدًا لأن الشرطي منعها من استخدام سيارتها، وهي تريد أن تعود إلى منزلها، فطمأنتها أنني سأقوم بتوصيلها.
    في الطريق قالت لي: "أنت لا تعرفين كيف تكون الحياة عندما يديرها لك الآخرون".  صليتُ في قلبي ألا يدعني أعرف ذلك أبدًا.
  عدت إلى منزلي، وبعد أن أخذت قسطًا من الراحة، سألتني زميلتي التي تقيم معي في المنزل، وهي طبيبة أيضًا، إن كنت أرغب في الخروج معها للتنزه بالدراجة؟ وافقت... وهكذا خرجنا.
   عند أحد المنحنيات صدمتني من الخلف سيارة يقودها شاب صغير فرفعتني في الهواء إلى ما يقرب من أربعة أمتار، بعدها فقدت وعيي تمامًا.
   عندما أفقت شرح لي الأطباء ما حدث معي وأعطوني بعض المسكنات بسبب الرضوض التي أصابتني ووضعوني تحت الملاحظة. 
  رفض الأطباء السماح لي بالعودة إلى منزلي إلا بعد يومين، وألا أعود إلى عملي قبل عشرين يومًا.
    عندما عدت إلى منزلي لاحظت القلق الشديد على وجه صديقتي.  لم أفهم السبب، فأنا أشعر أنني بكامل صحتي، رغم أنه تبيّن أخيرًا وجود قطع بالمخ المتوسط (mid brain) لم  أدرك حالتي التي أدركتْها في الحال زميلتي.  كنت أرى أن كل شيء على ما يُرام ولم أستطع أن ألاحظ كلامي غير المنطقي وتصرفاتي غير المنطقية وعدم استيعابي لأبسط المسائل العادية.  كنت أشعر أنني بخير وأن كل الأمور تسير على خير وجه، ولذا فقد عدت ألح في طلب العودة إلى عملي، غير أن صديقتي صارحتني بأن حالتي غير مرضية مطلقًا، وعندما أكّدتُ لها أنني بخير ولا أشكو من أية أعراض، ذكَّرتني ببطلة البولنج التي جاءت المستشفى ذات يوم تشكو من بعض الصداع، بينما هي تجر قدمها وذراعها المشلول يتدلّى جانبها.  سألناها عن مشكلتها الحقيقية فأجابت أنها بخير وأنها لا تشكو من أي عرَضٍِ آخر غير بعض الصداع الخفيف! سألناها عن ذراعها وقدمها فقالت إنهما بخير! وكان ذلك لأنها كانت مصابة بقطع في ال(mid brain).
  كنت دائمًا أحكي هذه القصة للشابات في الكنيسة وأخبرهم أن انقطاع الشركة مع الله قد يعطيني شعورًا أن كل شيء على ما يرام، وذلك لأن الرأس هو الذي يدرك حالة الجسم، وانقطاع الصلة بين جسمي ورأسي يجعل إدراكي لحالة جسمي زائفة.
  عندما عدت إلى عملي لم يكن في استطاعتي أن أباشر مهنتي ولو في حدود ضيقة جدًا وبدأتُ رحلة تأهيل لسنوات عانيتُ خلالها معاناة تفوق الوصف، واختبرت وقتها كيف تكون حياتي عندما يديرها لي الآخرون.

  الدرس الذي تعلمتُه من مأساتي هو الذي أريد أن أنقله لك بصدق عزيزي القارئ: 
حذار.. حذار من إهمال الشركة والاستخفاف بدوام الاتصال بالرأس (المسيح)، فقد تهوي إلى قاع سحيق وأنت تشعر أن كل شيء على ما يرام ولا تنتبه إلا بعد فوات الأوان.

 أسألك: هل حقاً كل شيء على مايرام؟ 
 لا تُجب على هذا السؤال ما لم تتأكد أن شركتك مع الله هي شركة حقيقية مستمرة حتى تستطيع أن تميّز الداء إن حط يومًا رحاله على غير توقعٍ منك.
                                                                                                                                                                                        

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com