عدد رقم 1 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الخطية وماذا فعلت؟  

الخطية وإرادة الإنسان
نستكمل حديثنا عن: ماذا فعلت الخطية.  
س: ذكرت لي: ماذا فعلت الخطية في القلب البشري.  أريد أن أعرف شيئًا عن ماذا فعلت الخطية في إرادة الإنسان؟
ج: قبل دخول الخطية كانت إرادة الإنسان متعادلة، كما ذكرنا، هو الذي يختار بإرادته أن يفعل هذا الشيء أو لا يفعله.  كان يمكنه أن يخطئ، لكنه يمكنه أيضًا أن لا يخطئ.  فكانت محتويات القلب في البراءة لا تتضمن رغبات ملحة لعمل أي إرادة مستقلة، وليس له رغبة سوى أن يطيع الله ويفعل ما يطلبه منه، وكان القلب يدفع رغبات الطاعة هذه للإرادة، وكانت الإرادة تنفذ هذه الرغبات المرضية أمام الله.

ولكن عندما دخلت الخطية ورأينا كيف ملأت قلب الإنسان تغيرت رغبات القلب وامتلأ بحب الشهوة والطمع والتمرد ... إلخ.  وأصبح القلب يدفع هذه الرغبات الجديدة للإرادة لتنفذها وأصبح هناك ليس فقط مشيئة الله بل مشيئات الجسد، وأصبح كل البشر «عاملين مشيئات الجسد والأفكار» (أف 3:2).
  وأصبح ما يدفعه القلب للإرادة هو رغبات الجسد، وبالتالي أصبح للإنسان ما يسمى ’’الإرادة الذاتية‘‘ المستقلة عن الله.  هو يريد بغض النظر عن هل الله يريد أم لا.  استقل الإنسان عن الله في إرادته وأصبح يريد أن يعمل مشيئته الخاصة.  وهذا ما حدث عندما أكلت حواء من الشجرة.  فتصرف حواء بحسب الظاهر يُعتبر تصرف بسيط، فهي لم ترتكب شيئًا من الكبائر المدانة بوضوح، لكنها أخذت من الشجرة المنهي عنها وأكلت.  فما هو الخطأ الكبير في هذا؟ اسمح لي أن أقول لك هذا أكبر خطأ في تاريخ البشرية، لأنها فعلت هذا بالاستقلال عن الله، وعليه ترتب كل الخطايا الأخرى.  فالخطية هي استقلال الإنسان في إرادته عن الله.  أفعل ما أُريده أنا، ليس ما يريده الآخرون أيًا كان هؤلاء الآخرون حتى لو كان هو الله نفسه.  وبغض النظر عن أن ما أريده صحيح أم خطأ.

س: هل أن أفعل شيئًا أ ريده أمر خطير إلى هذا الحد؟
ج: هل رأيت كيف نستبسط الأمر.  بدون الإرادة الذاتية، أي لو استمر الإنسان خاضعًا لإرادة الله، ما كانت هناك خطية مطلقًا.  يقينًا لقد جربت العصيان في نفسك أو في الآخرين، وتعلَّمت ورأيت خطورته.  هذه البذرة الخطيرة غرسها الشيطان في الإنسان، وجعلته التربة الملائمة لعمل الشيطان بكل نشاط في كيانه.  «الروح يعمل الآن في أبناء المعصية» (أف 2:2).  وكلما زادت رغبة العصيان في الشخص، كلما كان مناسبًا أكثر لنشاط الشيطان فيه.  وكما ورث الإنسان من أبويه إنسانيته وشكله وطباعه، كذلك ورث أيضًا منهم ميولهم الداخلية التي تحوي البذرة التي زرعها الشيطان في أبوينا الأولين.  لذلك يقول الرب لليهود: «أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا» (يو 44:8).  الإنسان بحسب الطبيعة يريد أن يعمل رغبات الشيطان لأنها مزروعة فيه.  وأنت تعلم أن أقصى شهوة للشيطان أنه كان عاصيًا ومتمردًا على الله.  وهذا العصيان والتمرد زرعه في الإنسان.

س: لقد بدأت أرتعب من كلمة عصيان.  إنها تخيفني.  لكني أشعر دائمًا أنها موجودة في داخلي!!
ج: بل دعني أُكلِّمك عن الإرادة الذاتية في خبثها وفي أقصى جنوحها.  إنها تختبئ تحت كلمة محبَّبة للإنسان وهي: الحرية.  والإنسان يتمنى أن يمارس ما يسمى الحرية المطلقة بحيث لا يعيقه شيء عن فعل ما يريد، أو يمنعه من أن يقول ما يروق له، أو يذهب إلى المكان الذي يرغبه، سواء هذه الأشياء صحيحة أم خطأ.  لا يريد أن يملي عليه أحد إرادة أخرى.  مبدأ الخضوع أو الطاعة مرفوض، وفي رأيه أن هذا يعيق حريته.  وأنت ترى في بلادنا هذه الأيام بمجرد أن فُتح الباب أمام الإنسان تحت شعار الحرية، كيف أُسيء استخدامها وترى مبدأ التمرد والعصيان على كل السلطات والقوانين كل واحد يريد أن يعمل ما يحسن في عينيه.  الإنسان يريد أن يلغي أي سلطة، حتى سلطة الوالدين في البيت.  يريد أن يعيش كما يهوى بلا ضابط.  وبهذا يشعر بعظمته، ويظن أنه يفهم في كل شيء، ويُقيِّم كل شيء، ويستطيع كل شيء.  كل هذا لكي يشبع رغباته في الاستقلال.  وهذا وصل به إلى الفوضى التي تراها أنت حولك.  وتذكر أن كلمة ’’أنا حر‘‘ هي أهم الكلمات في سن المراهقة، وأن كلمة ’’لا‘‘ هي أول الكلمات التي يتعلمها كل طفل.  وتذكر أيضًا القول: «من البطن سُمِّيت عاصيًا» (إش 8:48).

س: هل هذا المبدأ قاد الإنسان فعلاً إلى الحرية؟
ج: هذا المبدأ هو مبدأ وهمي وخدَّاع.  به خدعت الحيَّة حواء بمكرها «كما خدعت الحيَّة حواء بمكرها» (2كو 3:11).  توهم الإنسان، ولا زال يتوهم، أن الحرية، كما هي في خياله، فيها أقصى درجات المتعة بالنسبة له، كما توهمت حواء أن الأكل من الشجرة سوف يجلب لها المتعة والبركة.  لكن للأسف الشديد مزيد من الحرية غير المنضبطة والمطلقة تؤدي إلى مزيد من فعل الخطية.  وبعدها يصبح الإنسان مدمنًا للخطية ومستعبدًا لها.  وكما أن هناك إدمان للمخدرات، هناك أيضًا إدمان للسلوكيات.  وكم من نفوس يرزحون تحت نير الخطية ولا يستطيعون التخلص منها.  والكتاب يعلِّمنا هذا «إن كل مَنْ يعمل الخطية هو عبد للخطية» (يو 34:8).  ببساطة لأن الإنسان عند خلقه، في تركيبته، خُلق ليكون تابعًا، كما ذكرنا في البداية.  فهو ليس مركزًا، لهذا لا بد أن يكون تابعًا.  وعندما دخلت الخطية، وأصبحت له إرادة مستقلة رفض بها أن يكون تابعًا لله، كان لا بد أن يكون هناك مركزًا آخر يكون تابعًا له.  وهذا ما سبق أن ذكرته لك «شهوات أبيكم تريدون أن تعملوا».  فأين الحرية إذًا؟ هناك الرغبات الملحة التي تدفع إرادته لفعل الخطية، وبتكرارها يصبح عبدًا لها.  سواء أشياء بسيطة في رأيه مثل: الكذب، الغش، الرياء، الحسد، العناد ... إلخ.  أو أشياء يعتبرها هو كبيرة مثل السرقة، القتل، الزنى ... إلخ.  وهذه المجموعة وتلك ما يجمعهم هو عجز الشخص عن التخلص مما هو مستعبد له فأصبح منغلبًا منه.  فأين الحرية التي ينادي بها؟ إنه وهم الحرية، فالإنسان الطبيعي مستعبد لذاته وشهواته.  قسم من الناس لا يريد أن يرضي الله أو يتبعه واختاروا بإرادتهم البُعد عنه (أي 21).  وقسم آخر لا يستطيعون أن يرضوا الله  حتى لو أرادوا «فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله» (رو 8:8).

س: لكني أسمع كثيرًا أن هذا إرادته قوية يستطيع أن يفعل ما يريد.  وعن آخر أن إرادته ضعيفة، فهل هذا التعبير صحيح؟
ج: القلب ورغباته هي أكثر العوامل التي تحرك الإرادة.  لكن هناك قوى أخرى تؤثر على الإرادة ونشاطها.  ودعني في البداية أكلِّمك عن تدريب الإرادة وأهميته في الإرادة القوية والإرادة الضعيفة.  تدريب الإرادة يبدأ من الطفولة المبكرة.  فعندما يتعلَّم الطفل التحكم في إخراجاته فهذا تدريب للإرادة.  ويتعلَّم أيضًا أن هناك أماكن ينبغي أن يمسك نفسه ويمتنع عن الصخب مثل الاجتماعات فهذا تدريب للإرادة، وكذلك عندما يتعلَّم الآداب العامة في الأكل والشرب والكلام فهذا تدريب للإرادة الإنسانية.  وباختصار الطفل الذي يتساهل الأهل في تدريبه، ويطلقونه لهواه، الطفل المدلل الذي لا يُرفض له طلب والذي لا يُقال له: ’’لا‘‘، مع الزمن سيعجز عن أن يقول لنفسه: ’’لا‘‘، وتكون إرادته ضعيفة، وسهل أن يستعبد لأي شيء.  والعكس صحيح.  فأصحاب الإرادة القوية لا يتجاوبون مع عوامل الكسل أو الإحباط المعيقة.  بينما أصحاب الإرادة الضعيفة كثيرًا ما يتخذون قرارات ويعجزون عن تنفيذها.  ومن أكثر المجالات التي يظهر فيها ضعف الإرادة، النوم، المذاكرة، التحكم في النفس أمام الهوايات.  ثم تنتقل بعد ذلك إلى أنواع الشرور المختلفة.

لكن لكل إنسان بلا استثناء، سواء إرادته قوية أو ضعيفة، نقطة ضعفه والتي تشكل الفراغ العميق في داخله، والتي يرغبها بكل قلبه، ولا يهدأ إلا عند الحصول عليها.  وأمام نقطة الضعف هذه تكون الإرادة في أقصى ضعفها.  البعض نقطة ضعفه الشهرة، وآخرون المال والممتلكات، وآخرون الشهوات ... إلخ.  

س: لكن لم تذكر لي ما هي العوامل الأخرى، غير رغبات القلب، المؤثرة على الإرادة؟
ج: الإرادة هي دائرة الصراع بين المحتوى الذهني عن الصواب والخطأ، والضمير من ناحية وبين رغبات القلب المصحوبة بالإرادة الذاتية من ناحية أخرى.

فما تعلَّمه الشخص من مبادئ وقيم عن الصواب والخطأ، ما هو بنَّاء وما هو هدَّام، وأيضًا ما تم برمجة ضميره عليه من أن الله يصادق على هذا أم لا.  وكذلك ما يعرف عن ما يمتدحه المجتمع وما يذمه.  وكل هذه تسمى محتويات الأنا العليا للإنسان.  أحيانًا كثيرة تتعارض هذه الأمور مع رغبات قلبه الذي لا يبغي إلا ما يسعده ويُسره، سواء كان الضمير مصادق عليه أم لا، وسواء كان يبني أو يهدم.  وعندما يحدث هذا التعارض كل جانب من هذه الجوانب يؤثر على الإرادة ويدفعها في طريق التنفيذ، وهنا تظهر قوة الإرادة إلى أي جانب ستنحاز.  وهذا النوع من الصراع مختلف من شخص لآخر، ومن مجتمع لآخر.  لكن كل هذه عوامل تضغط على الإرادة.

وللحديث بقية                                          

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com