عدد رقم 1 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
مجرد سؤال (2):  
أساسيات في العلاقة مع الله
 لماذا لا نتوب؟      
   إنها أسئلة ساذجة جدًا تخص أبسط مبادئ حياتنا المسيحية؛ أسألها لنفسي كثيرًا، ورأيت أنه ربما يفيدك أنت أيضًا عزيزي القارئ أن أسألك إياها لعلنا نصل معًا إلى إجابات بأسباب واضحة مقنعة، نقنع بها أنفسنا ونقدمها كاعتذار لإلهنا المحب عن فشلنا الذريع في الكثير من أوليات ومبادئ الحياة المسيحية.  أو ربما إذا اكتشفنا أننا بلا إجابات مقنعة أو حتى أعذار وهمية لعلنا نتوب لنبدأ في أن نعيش، بالصدق والحق اختباريًا، الحياة المسيحية الحقيقية في ملئها لتتحول حياتنا من مجرد الكلام والثرثرة الفارغة غير المصحوبة بالسلوك العملي (وبالتالي الخالية من أي تأثير أو بركة لنا وللآخرين)، إلى حياة مختبرة مؤثرة مستمتعة.  وكنا قد ناقشنا في مرة سابقة السؤال: لماذا لا نصلي؟ وها إليك سؤالي الثاني:

لماذا لا نتوب؟
   إننا كثيرًا ما نتكلم ونسمع عن التوبة، كما أننا نعظ الآخرين ولا سيما الخطاة مطالبين إياهم أن يتوبوا.  ونحن ندرك جيدًا بشكل نظري أهميتها وكيف أنها ضرورة حتمية وأمر إلهي للخاطي والمؤمن على السواء، كم أننا ندرك العواقب الوخيمة إذا لم نتب، ولكننا على النقيض من هذا فإن حياتنا بها الكثير والكثير من العيوب التي تحتاج إلى توبة حقيقية قدام الرب، ومع الأسف لا نتوب! ألا نحتاج أن نتوب عن رياء وكذب ومحبة مال وقلة أمانة في كلماتنا وتصرفاتنا، وقلة شركتنا مع الرب، وضعف شهادتنا ومحبتنا للنفوس.  وماذا عن أمور نعملها في الظلام لا يعلمها إلا نحن والله – ما سر هذا التناقض؟

 ولماذا لا نتوب؟
   وقبل أن نناقش الأسباب أو المبررات ونجيب على هذه التساؤلات دعونا نفهم ما هي التوبة؟ إنها ببساطة تغيير الفكر والنظرة والقناعات والقرارات والتصرفات والمسارات بالكامل لتسير في الخط الذي يحظى برضا الرب ومصادقته.  والآن نعود لنفحص أنفسنا لماذا لا نتوب؟

1- ربما لأننا لا ندرك أننا نحتاج إلى التوبة عن بعض الأمور 
   لقد أخذنا العالم في دوامته، ولم نعد نسمع الرب يسألنا هذا السؤال الهام والفاحص: أين أنت؟ وما هذا الذي فعلت؟ لقد أصبحنا لا نتوقف كثيرًا لنسأل أنفسنا عن مدى رضى الرب عن حياتنا وسلوكياتنا وكلماتنا وعبادتنا وخدمتنا.  لم نعد نمتحن أنفسنا لا يوميًا ولا حتى أسبوعيًا قبل اشتراكنا على مائدة الرب، وهي مأساة حقيقية أن نفعل الشر ولا ندرك أننا نفعله! أليست مأساة حقيقية أن ضمائرنا تبلدت حتى أننا لم نعد نستشعر أي لوم بسبب الخطية؟ أليست مأساة حقيقية أن نمارس كل الأمور الروحية بشكل عادي ومنتظم في وجود الخطية دون استشعار أية مشكلة؟ أليست مأساة حقيقية أن ما نسميه دخولاً إلى محضر الله سواء في الشركة الشخصية معه أو في الاجتماعات لم يعد ينشئ فينا ارتعادًا أو توبيخًا على شرنا.

   أو ربما تكون ضمائرنا تحركت فاستشعرنا وجود ما لا يرضي الرب في حياتنا لكننا أسكتنا الضمير بسبب مقاييس الناس حولنا ولا سيما المؤمنين منهم، وكان عذرنا أن الجميع يفعلون ذلك.  وبمرور الوقت وتكرار الخطية سكت الضمير وتبلد ولم نعد نشعر بأية مشكلة فيما نفعله، حتى أننا نعتبره تزمتًا إذا تكلم أحدهم عن بعض الأمور موبخًا، معتبرين إياه متطرفًا! أليست مأساة حقيقية أن نبدل مقاييس الله بمقاييس الناس فتكون الخطية هي ما يراه الناس خطية بمقاييسهم؟ أليست مصيبة أننا نريد أن نخفض المستوى الإلهي ليتناسب معنا؟ أليست مصيبة أننا أصبحنا ندافع عن الخطية ونسميها بمسميات أخرى؟ أليست مصيبة أن نتلمس المبررات والأعذار التي تسهل لنا الخطية فلا نحتاج أن نعترف بها ونتوب عنها؟

   أدعوك يا صديقي لجلسة صادقة مع نفسك قدام الرب تطلب فيها من الرب أن يمتحن قلبك وأفكارك ليختبرك ويكشف لك عما يراه غير مرضي، ومن خلال جلسة كهذه يقودك لتوبة صادقة عن أشياء ربما لم تكن تدرك أنها تحتاج إلى توبة؛ توبة عن أشياء ربما دافعت عنها؛ توبة ورجوع إلى مقاييسه من جديد ليحكم هو على طرقنا، فنحكم نحن على أنفسنا منفصلين من جديد عن العالم بمبادئه والناس بمقاييسهم  فلا نكون بعد عارًا.

2- أو ربما نكون قد اعتدنا الخطية واستقرت حياتنا وأعمالنا باستخدامها فلا نستطيع أن نتخلى عنها، على الرغم من أن ضمائرنا توبخنا عليها؟
   لقد أصبحنا لا نستطيع أن نتخيل وضعنا بدونها؟ فهناك من يقول أن نوعية عمله تقتضي أن يكذب، وهناك من اعتاد الرياء في الاجتماعات، وهناك من اعتاد ضياع وقته أمام الفضائيات، ومن اعتاد العيشة بأنانية وسط بيته ووسط عمله، وهناك من قبل وضعه عبدًا للمال يطلبه بشراهة ويصرفه ببخل شديد، وهناك أمثلة أخرى بلا حصر لأشياء ربما نكون قد تعودنا عليها والرب غير راضٍ عنها.  وما أصعب تغيير العادات والتخلي عن استقرار حياتنا وعاداتنا على الرغم من كوننا غير راضين عنها.  هل في حياتك ما تعرف أنه لا يرضي الرب وأنت غير سعيد بوجوده لكنك مُستسلم له بسبب خوفك من نتائج التغيير؟ هل تخشى الخسائر المادية؟ هل تخشى ردود أفعال من حولك؟ هل تخاف على وضع اجتماعي أو كرامة؟ هل تخشى الخزي في طريق تبعية الرب؟! ماذا عن رأي الرب ورضاه؟ ماذا يساوي كل هذا مقابل رضا الرب وسروره ومصادقته، وشعورك بأنك في مشيئته؟ ألا تعلم أن أمانك واستقرارك الحقيقي هو فيه وفي رضاه عنك.  ما أسهل أن يقلب الرب كل شيء من حولك لكنه لم يفعل لأنه أمين من نحوك، ألا ترى معي أن غنى لطفه وإمهاله وطول أناته إنما لكي يقتادك إلى التوبة؟ ألا تؤمن أن ضمان مستقبلك وخيرك هو في العيشة في رضاه، وليس فيما تصنعه لنفسك مستخدمًا طرقًا ملتوية ومعوجة؟!

   وهنا أدعوك لجلسة مخلصة قدامه تحكم فيها على كل طريق غير مرضي أمامه كلمك فيه سابقًا، وها هو قد عاد ليكلمك فيه مُجددًا.  أدعوك لأخذ قرارات واضحة ومُحددة، ومهما كانت التكلفة والتضحيات في طريق رضاه فبالتأكيد أنت المستفيد، فالعيشة معه وفي رضاه مكسب ولو خسرت العالم كله، والعيشة بعيدًا عن رضاه خسارة ومرار ولو ربحت العالم كله.

3- أو ربما تكون مشكلتنا أننا نحب الخطية ولا نريد أن نتخلى عنها
   ربما ما زلنا نرى في الخطية أفراحًا نريدها ولا نستطيع التخلي عنها، ما زال خمر العالم يسكرنا فنبتغي المزيد منه، ما زلنا نشبه الابن الأصغر في طيشه الأول عندما ظن أن البعد عن أبيه والذهاب إلى الكورة البعيدة هو الوضع الأسعد بالنسبة له، ما زلنا نشعر بملل وعدم جدوى أمور الله من صلاة وقراءة المكتوب وحضور الاجتماعات ونشعر بروعة وسعادة في البعد والخطية والنجاسة وشركة الخطاة ومكاسب العالم و ....إلخ.

   لتعلم يا صديقي أن أفراح الخطية مؤقتة جدًا، وإدمانك لمسرات العالم يستنزف حياتك.  كل يوم في البعد عنه بإصرار يهوي بك وبحياتك روحيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا ونفسيًا وجسديًا.  كل يوم إضافي في البعد عنه الخسائر تزداد وأنت وحدك تتحمل، وستتحمل هذه الخسائر التي ربما تظل مؤثرة عليك لوقت طويل في المستقبل، وبالتأكيد أن التوبة والرجوع إلى الوضع الصحيح والمشيئة الإلهية سيقلل هذه الخسائر.

   أدعوك بأحشاء الآب المحب المنتظر أن توقف نزيف حياتك، أن تستفيق من سُكرك قبل فوات الآوان لتعود لحضنه فتعيش في رضاه مستمتعًا بأفراح حقيقية ومجيدة ودائمة معه، متخليًا بإرادتك عن الأفراح الوهمية السامة التي يقدمها لك الشيطان قبل أن تكتشف أثرها المدمر عليك بالاختبار، لكن بعد ضياع ما لا يمكن تعويضه.

4- أو ربما في اقتناع بحتمية التوبة حاولنا مرارًا لكننا لم ننجح وأخيرًا استسلمنا في يأس للخطية
   هل فقدت الثقة في نفسك أنك ستستطيع يومًا أن تترك خطية معينة بسبب محاولات فاشلة كثيرة؟ هل وصلت إلى اقتناع راسخ أنه لا أمل، فاستسلمت في يأس للخطية وتوقفت عن المحاولة؟ إنني لا أشكك في إخلاصك، لكن هل تظن أن استسلامك للخطية هو الحل؟ 

   لا ينبغي عليك أيها الجندي أن تضع سلاحك وتترك ساحة الحرب مستسلمًا في خنوع لسلطان العدو؛ فإن كنت قد فقدت ثقتك في نفسك فأنا أدعوك أن تجدد ثقتك في الله لكي يعمل هو فيك، لتظل رافعًا راية الحرب والجهاد مستندًا على نعمته وعمل الروح القدس فيك لكي ينصرك، وإن تكررت الهزيمة فلا تفشل ولا تيأس ولا تضع السلاح جانبًا، بل في إصرار واصل الحرب والجهاد صامدًا متعلمًا من كلمة الله الطريقة الصحيحة لمواجهة خطيتك والانتصار عليها.  أخي الحبيب، أختي الفاضلة: إن حربنا لن تنتهي إلا عندما نحط رحالنا هناك في مسكننا السماوي عنده، فدعونا بنعمة الرب نظل في حالة الجهاد والحرب حتى النهاية، ولنسمع كلمات الرسول: «لم تقاوموا بعد مجاهدين حتى الدم ضد الخطية» (عب12: 4).  ويقينًا أننا عندما تنتهي الحرب سنُكلَّلُ.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com