عدد رقم 1 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
واثق لا أُنسَى منك  

(مز13)
   «إلى متى يا رب تنساني كل النسيان».  هذه الكلمات صرخ بها داود في فترة مطاردته من شاول الملك، وكانت هذه الفترة صعبة للغاية على نفسه.  فقد كان هائمًا على وجهه يواجه المخاطر ويصارع الموت، مرة في برية زيف، ومرة في برية يهوذا، مرة في برية معون، ومرة في برية فاران.  مرة في الغاب، ومرة في مغارة عدلام، ومرة في حصون عين جدي.  وكان شاول يفتش عليه بجميع ألوف إسرائيل، ويتبعه كما يُتبع الحجل في الجبال.  وانطبقت عليه كلمات الرسول في العبرانيين: «تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض» (عب11: 38).
  وإذ طالت به المدة شعر أن الرب قد نسيه وتخلى عنه في هذه الآلام، فصرخ قائلاً: «إلى متى يا رب تنساني كل النسيان، إلى متى تحجب وجهك عني، إلى متى أجعل همومًا في نفسي وحزنًا في قلبي كل يوم، إلى متى يرتفع عدوي علىَّ»؟ (مز1:13، 2).
  بلا شك أن داود كان متألمًا، وكان هذا إحساسه، فنطق بهذه الكلمات.  وإن كان ذلك ليس صحيحًا، فالرب لا يمكن أن ينساه أو يتركه، والذي اختاره ومسحه ليملك على شعبه وتكلم بالخير من جهته، لا بد أن ينجز وعده.  ولكن كان هناك وقت للرب ليتدخل فيه ويُنهي آلامه ويجلسه على العرش، وكان عليه أن ينتظر الرب ويصبر له.  وهذا ما تعلمه واختبره بعد ذلك عندما قال: «انتظارًا انتظرت الرب فمال إليَّ وسمع صراخي» (مز1:40)، وما علمه للآخرين: «انتظر الرب، ليتشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب» (مز14:27).

   كثيرًا ما نوجه اللوم لداود على ما قاله، ونحن أنفسنا نقول ذلك الكلام بعينه، إلى متى يا رب تنسانا ونحن في الألم أو المرض أو الضيق ... ونشعر أن الرب قد تركنا والسيد نسينا، لكن حاشا للرب أن يفعل ذلك لأننا أحباؤه وأعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه.

   هذا ما حدث مع صهيون في يومها إذ قالت: «قد تركني الرب، وسيدي نسيني» (إش49: 14)، فأجابها الرب بأروع الكلمات المعزية: «هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا أنساك.  هوذا على كفي نقشتك، أسوارك أمامي دائمًا» (ع16،15).  من الممكن أن نُنسى من أحبائنا أو من أقاربنا، لكن الرب لا ينسانا.

   فقد نسي رئيس السقاة يوسف سنتين لكن الرب لم ينسه في أي يوم (تك23:40).  ولسنوات طويلة كان شعب الرب إسرائيل في أرض مصر يقاسون أشد أنواع الظلم والاضطهاد والسحق من فرعون والمصريين، يصرخون والسماء تصمت، والذي يراقب الأحداث سيستنتج أن الرب قد تركهم والسيد نسيهم.  لكن في الوقت المعين ظهر الرب لموسى وقال له: «إني قد رأيت مذلة شعبي .. سمعت صراخهم .. علمت أوجاعهم.. فنزلت لأنقذهم» (خر7:3).

  ومردخاي في يومه صنع الخير والمعروف مع أحشويروش الملك ونجى حياته من مؤامرة اغتيال.  وما أحد ذكر مردخاي ذلك الرجل المسكين، ولم يُكافأ بأي شيء، على العكس تعرض هو وشعبه لأقسى أنواع الاضطهاد والإبادة، وبحسب الظاهر قد تركهم الرب والسيد نسيهم.  ولكن في الوقت المعين تدخل الله، وطار نوم الملك، وتذكر ما فعله مردخاي وقرر أن يكرمه ويعليه، أما هامان الشرير الذي دبر المكايد له ولشعبه فقد عُلِّق على ذات الخشبة التي صنعها لمردخاي (أس6).  

   أخي المتألم: ثق في محبة الرب لك، فأنت عزيز في عينيه ومُكرَّم، وتذكر وعده: «لا أهملك ولا أتركك.  حتى إننا نقول واثقين: الرب معين لي فلا أخاف ماذا يصنع بي إنسان»؟ (عب13: 5، 6).

   بلا شك أن السبب وراء ما حدث مع داود هو تحول عينيه عن الرب وانقطاع شركته معه.  لقد كلَّت عيناه من الانتظار، وما عاد يرى الرب في صفه، لكننا نراه في ذات المزمور يصلي إلى الرب ويقول له: «أنر عيني» (ع3).  وهذا ما نحتاج إليه كمؤمنين أن الرب يفتح عيوننا فنرى ذراعه تحيط بنا، وصدره يضمنا، وشخصه يعتني بنا.

   وقال أيضًا في ذات المزمور: «أما أنا فعلى رحمتك توكلت، أغني للرب لأنه أحسن إلىَّ» (ع6،5)، وبعد ذلك رنم مزمور 27 وقال: «إن أبي وأمي قد تركاني والرب يضمني» (ع10).  

   ليتنا نثق في محبته، حتى في وقت آلامنا ومتاعبنا، فإننا لن نُنسى منه مهما ضاق بنا الزمان، فنهتف مع بولس قائلين: «من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف؟ ... في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا» (رو8: 35 - 37).   

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com