عدد رقم 1 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الكنيسة كجسد المسيح  

   سبقت الإشارة إلى أن الكنيسة هي أعظم مشروع عمله الله لمسرته، وأن هذا المشروع خططته حكمة الله الأزلية، وكانت كلفته هي حياة ابن الله التي بُذلت على الصليب.  إنها عطية الآب الكريم للابن الحبيب، مكافأةً لطاعته وتضحيته، لتكون جسده على الأرض وتُعبِّر عن صفاته أمام العالم، وتكون عروسه في السماء التي تسعد بحبه وتعكس أمجاده بطول الأبدية.

   ونحن نعلم أن كلمة ”كنيسة“ لم ترد في كل العهد القديم ولا مرة، فقد كانت سرًا مكتومًا في الله، لم يُعلَن إلا بواسطة المسيح، عندما قال لبطرس: «على هذه الصخرة (الإعلان أن المسيح هو ابن الله الحي، الذي مات وقام ولا يسود عليه الموت بعد)، سأبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت18:16).
  وإن كنا لا نقرأ عن الكنيسة صراحة في العهد القديم لكننا نجد رموزًا لها يستنبطها الذهن الروحي، وأول رمز للكنيسة في الكتاب نجده في تكوين 2، عندما أوقع الرب الإله سباتًا على آدم فنام، وأخذ واحدة من أضلاعه، وملأ مكانها لحمًا، وبناها امرأة وأحضرها إلى آدم.  فقال آدم: «هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي.  هذه تُدعى امرأة لأنها من امرءٍ أُخذت» (تك23:2).  وقد اقتبس الرسول بولس هذا النص وطبقه على علاقة المسيح بالكنيسة قائلاً: «لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه» (أف30:5).

   ولكي تتكون الكنيسة كان لا بد من موت المسيح وقيامته وصعوده وجلوسه في يمين العظمة في الأعالي باعتباره الرأس، ثم نزول الروح القدس إلى الأرض، وهذا ما تم يوم الخمسين، يوم ميلاد الكنيسة لتصبح جسد المسيح على الأرض.  ولقد تكونت الكنيسة من يهود (أع2)، وأمم (أع10)، وهذا ما نراه أيضًا في رموز العهد القديم في عيد الخمسين (لا16:23)، حيث نقرأ عن تقدمة جديدة، مكونة من رغيفين خبز خمير يشيران إلى اليهود والأمم.  وحيث يدخل الإنسان في المشهد فهناك الإشارة المؤلمة إلى وجود الخمير الذي يشير إلى الشر، ولكن قد أوقف عمله بواسطة النار.

   وفكرة الجسد المرتبط بالرأس لم تكن معروفة في العهد القديم، فقد كان إسرائيل قديمًا هم شعب الله، والابن البكر، وكان الله يسكن رمزيًا في وسطهم في خيمة الاجتماع ممثلاً في التابوت، ويحل بمجده الرمزي فوقهم في سحابة المجد، وكان يملك عليهم، وكانوا في علاقة الخطبة مع يهوه، وكانوا يُمثِّلون الشهادة له على الأرض وسط الشعوب، وكانوا هم الكرمة الرمزية التي غرسها الرب ليجد فيها مسرته ... وأما فكرة الجسد فلم ترد على الإطلاق بالارتباط بإسرائيل.  ذلك لأن هذا كان سرًا لم يُعلَن في كل العهد القديم.  ولماذا كان هذا سرًا ولم يتحقق مع إسرائيل؟  الجواب:

1- لم يكن هناك رأس، وبالتالي كيف يكون هناك جسد؟ فالمسيح أخذ مكانه كالرأس بعد أن أكمل عمل الصليب، ومات وقام وصعد وجلس كإنسان مُمجَّد في الأعالي.  هذا ما أوضحه بكل جلاء الرسول بولس الذي اختص بإعلان هذا السر، «أقامه ... أجلسه عن يمينه ... إياه جعل رأسًا ... للكنيسة التي هي جسده» (أف20:1- 23).  وقبل ذلك كان هو الابن الوحيد الذي في حضن الآب بلاهوته منذ الأزل. 

2- لم يكن الروح القدس قد نزل إلى الأرض ليُكوِّن الجسد ويربطه بالرأس، فيما يُعرَف بمعمودية الروح القدس (1كو13:12)، فهذا تم يوم الخمسين.  «لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد» (يو39:7).

3- لم يكن المسيح قد رُفض نهائيًا من إسرائيل، وبالتالي لم يكن إسرائيل قد رُفضوا كشهادة لله على الأرض، والله قد تحوَّل عنهم إلى الأمم.  وحتى بعد أن تكونت الكنيسة يوم الخمسين، وانضم الأمم إلى الجسد وصاروا شركاء في عطية الروح القدس، لكن الإعلان عن حقيقة الجسد وسر اتحاده بالرأس تأخر ثلاث سنوات حتى أُغلق الباب على إسرائيل برفضهم شهادة الروح القدس، مُمثلة في رجم استفانوس.  وقبل ذلك كان الرسول بطرس يناشد اليهود أن يتوبوا ويرجعوا لتُمحى خطاياهم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب، ويُرسَل يسوع المسيح المُبشَّر به لهم قبل ليملك عليهم ويُحقق لهم المواعيد (أع19:3، 20).
  لقد رفضوا المسيا الذي جاءهم بالمحبة والنعمة، وقتلوه مُعلقين إياه على خشبة، ومع ذلك فقد أعطاهم الله فرصة أخرى بعد نزول الروح القدس.  وظل بطرس يكرز لهم ويُذكِّرهم أن الله لم يرفضهم حتى الآن، وأنه يريدهم أن يتوبوا ويرجعوا، وهو على استعداد أن يقبلهم كأمة، واستمر ذلك إلى حادثة رجم استفانوس (أع7).  ومن نزول الروح القدس يوم الخمسين إلى هذه الحادثة، هذه المهلة الإضافية، تمثل السنة الرابعة للتينة التي لم تأت بثمر لمدة ثلاث سنين قبل أن تُقطَع (لو6:13- 9).
 وكما رفضوا المسيح وقتلوه، رفضوا الروح القدس وقتلوا استفانوس الممتلئ من الروح القدس، وبذلك أُغلق الباب على إسرائيل، وفُتح الباب للإعلان عن شهادة جديدة في علاقة جديدة مع المسيح الممجد في السماء.  ولو أُعلن هذا الحق عن الجسد الذي يتكون من يهود وأمم قبل ذلك، لكان ذلك سيتعارض مع المواعيد التي أعطيت لإسرائيل من الله في العهد الأول، أما الآن بعد أن رفضوا المسيح ورفضوا الروح القدس الذي شهد للمسيح المُمجَّد، فقد نقضوا العهد الأول، وهذا فتح الطريق للإعلان عن الكنيسة كجسد للمسيح على الأرض، وكان ذلك بواسطة الرسول بولس، رسول الأمم، وليس بطرس رسول الختان، ورسول الملكوت.  ومن المُلفت للنظر أن أول مرة نسمع فيها عن شاول الذي هو بولس، كانت في نفس يوم رجم استفانوس، اليوم الذي أُغلق فيه الباب على إسرائيل، حيث نقرأ القول: «والشهود (الذين رجموا استفانوس) خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يُقال له شاول ... وكان شاول راضيًا بقتله» (أع58:7).  فقد كان الروح القدس عتيدًا أن يسلط الضوء على خدمة بولس الذي اختص بإعلان سر اتحاد المسيح بالكنيسة في علاقة الجسد بالرأس.  ومن الخطأ الفادح أن نعتبر الكنيسة هي امتداد لإسرائيل، ونطبق الآيات التي جاءت عن إسرائيل على الكنيسة في الوقت الحاضر.  

   السر ليس أن الخطاة يخلصون بالنعمة ويصلون إلى السماء، فهذا هو الإنجيل، لكن السر هو أن الكنيسة هي جسد المسيح على الأرض، المسيح الذي رُفض وقبلته السماء حيث ارتفع وتمجَّد هناك، الكنيسة تأخذ مكانه هنا وتُعبِّر عنه خلال فترة رفضه وغيابه أمام العالم.

   هذا السر العظيم أُعلن لبولس في أول لقاء مع الرب، عندما ظهر له من المجد بنور أفضل من لمعان الشمس، بينما كان في الطريق إلى دمشق ومعه رسائل من رؤساء الكهنة ليجر رجالاً ونساء من المسيحيين إلى السجون وإلى القتل، وسمع صوتًا قائلاً: «شاول شاول لماذا تضطهدني»؟ (أع4:9)، وليس لماذا تضطهدهم؟ كان مرتعدًا ومتحيرًا ولم يدرك العلاقة بين من ظهر له من المجد وبين المسيحيين الذين على الأرض، ولم يخطر بباله قط أن المسيحيين على الأرض والمسيح الممجد في السماء هم واحد، وأنه عندما يضطهد هؤلاء فهو يضطهد المسيح نفسه، وأن المسيح يشعر بآلامهم لأنهم جسده وهو رأسهم.  لقد أدرك من ذلك الوقت فصاعدًا هذه الوحدة العجيبة وهذا السر العظيم، وعرف أن المؤمنين هم الجسد الذي يُعبِّر عن الرأس غير المنظور في هذا العالم، وأنه مُمثَّلٌ فيهم.  وقد شرح الرسول هذه الوحدة والعلاقة بين الجسد والرأس في ثلاث رسائل في العهد الجديد هي أفسس وكولوسي وكورنثوس الأولى.  وبمعونة الرب سنتناول ونتتبع هذا الفكر في المرات القادمة إذا تأنى الرب.
                                                                                                                                                                                        

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com