عدد رقم 3 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
رأوبين وشمعون ولاوي قوة الطبيعة وتوجهها  

   في سفر التكوين ص49 نقرأ عن البركة التي بارك بها يعقوب أولاده، وما سيصيبهم في آخر الأيام، وقد كان يعقوب في هذا الأصحاح يشغل مركز النبي الذي يعلن المستقبل ويكشف الحالة الأدبية للشخص في ضوء قداسة الله، وما يترتب عليها من معاملات إلهية تأتي بالنفس أخيرًا لموضع البركة، متى توفرت حالة التوافق بينها وبين الله.  ومن خلال ما نطق به يعقوب من أقوال لبنيه نتعلم أسمى الدروس، وسنتأمل في هذه المرة في البركة المختصة بالثلاثة بنين الأُول من أبناء يعقوب، وهم رأوبين وشمعون ولاوي، حيث أنها تعطينا لمحة عن شرور تؤثر سلبيًا علينا، نحتاج أن نتحذر منها ونتعلم حتى تصير مقدسات الله ثمينة في عيوننا، لنتصرف بما يليق كقديسين سواء في حياتنا وبيوتنا أو في بيت الله (1تي3: 15) الذي به تليق القداسة كل يوم وكل اليوم (مز93: 5).

أولاً: رأوبين

   قال يعقوب عن رأوبين: «رَأُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي، قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ الرِّفْعَةِ وَفَضْلُ الْعِزِّ. فَائِرًا كَالْمَاءِ لاَ تَتَفَضَّلُ، لأَنَّكَ صَعِدْتَ عَلَى مَضْجَعِ أَبِيكَ. حِينَئِذٍ دَنَّسْتَهُ. عَلَى فِرَاشِي صَعِدَ» (تك49: 2،3).  بدايةً نستشعر في كلام يعقوب الأسى والحزن على ابنه، الذي بيده أضاع ما كان يعتبر فضلاً ومغنمًا لكثيرين.  لقد كان لرأوبين على الأقل ثلاث ميزات باعتباره البكر، وهي أنه ملك العائلة، وكاهنها، وله ضعف الميراث، ولكن لسبب تهوره وانصياعه وراء شهوته غير المكبوحة قُسِمَت هذه البركات على ثلاٍثة من بني يعقوب، فيوسف أخذ نصيب الاثنين، والملكوت ذهب لسبط يهوذا، والكهنوت لسبط لاوي.  وهكذا يأتي لنا التحريض قائلاً: «الَّذِي عِنْدَكُمْ تَمَسَّكُوا بِهِ إِلَى أَنْ أَجِيءَ» (رؤ2: 25).  وأيضًا يقول: «تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ» (رؤ3: 11).
      ثم نأتي لعبارة «فائرًا كالماء لا تتفضل»، ولربما كان يعقوب يقصد بهذه العبارة جماح الطبيعة الرديئة، والموجهة بقوة الشهوة الغريزية التي ظهرت في ابنه رأوبين، وفرضت تأثيرها عليه، وهو إذ تجاوب معها أودت به في طريق العصيان، وحرمته من بركات الطاعة.  إن ثمار الاندفاع والتهور والسير وراء ما تمليه علينا قوة الطبيعة البشرية والشهوات غير المحكوم عليها، تحرمنا من كل بركة يريد الله أن يمتعنا بها، وهذا بمثابة التحذير الإلهي لنفوسنا، حتى يأخذ كل منا حذره وهو يتعامل مع مقدسات الله.  عزيزي القارئ كم نحن في حاجة ماسة لذلك حتى لا نستهين بحق إلهنا ونجلب العار على اسمه الكريم، ولنتذكر ما حدث مع شمشون ونهايته الأسيفة بسبب السير وراء شهوات الجسد وتدليل رغباته، ولنتذكر ما حدث مع داود والحصاد المر الذي حصده بسبب شهوة الجسد أيضًا. وتبقى الحقيقة إن من يزرع للجسد فمن الجسد يحصد فسادًا.  وطبيعتنا القديمة بما تحويه من ميول ورغبات، علينا أن نضعها في حكم الموت، ونحسب أنفسنا أمواتًا عن الخطية، فالذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات.  هذا هو الدرس الذي نتعلمه من رأوبين.

ثانيا: شمعون ولاوي.

   قال يعقوب في بركتيهما: «شِمْعُونُ وَلاَوِي أَخَوَانِ، آلاَتُ ظُلْمٍ سُيُوفُهُمَا. فِي مَجْلِسِهِمَا لاَ تَدْخُلُ نَفْسِي. بِمَجْمَعِهِمَا لاَ تَتَّحِدُ كَرَامَتِي. لأَنَّهُمَا فِي غَضَبِهِمَا قَتَلاَ إِنْسَانًا، وَفِي رِضَاهُمَا عَرْقَبَا ثَوْرًا مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا فَإِنَّهُ شَدِيدٌ، وَسَخَطُهُمَا فَإِنَّهُ قَاسٍ. أُقَسِّمُهُمَا فِي يَعْقُوبَ، وَأُفَرِّقُهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ» (تك49: 5، 6، 7).  كان الروح القدس عن طريق يعقوب يأخذ من تصرفات الأشخاص ليعلن عن صفاتهم ودوافعهم، فقد كان شمعون ولاوي يمتلكان سيوفًا، ولكنهما أساءا استخدامها جدًا، وهنا نجد صورة للغيرة المدفوعة بحماسة وقوة الطبيعة الفاسدة، ربما لتحقيق هدف مشروع أو نبيل، ولكن الطريقة كانت شرسة ورديئة.  فأمور الله، الغاية فيها لا تبرر الوسيلة كما يظن البعض، فالأهداف المقدسة يجب أن ننجزها بوسائل وأساليب مقدسة.

   «مَجْلِسِهِمَا... مَجْمَعِهِمَا» فإن كنا قد رأينا في رأوبين قوة الطبيعة وفسادها ونشاطها في سلب ما ليس من حقها، فإننا نرى في شمعون ولاوي قوة الطبيعة وشراستها ونشاطها في حفظ ما لها، ولكن بطرق غير مشروعة، فمحاولة رد شرف العائلة والدفاع عن كرامتها، قد أنجزاه بطريقة بربرية (تك34)، لذا قال يعقوب إن كرامته لا تؤخذ في الاعتبار حين يجتمعان مستخدمين قوة الطبيعة في اتجاهها الخاطئ، وربما كانا يظنان أن ما فعلاه هو ذات كرامة وشرف يعقوب، وهكذا نحن ربما ونحن في موضع الخطأ عينه نظن أننا نحقق كرامة ومجد الرب (1صم13: 12).  

«رِضَاهُمَا... غَضَبِهِمَا... سَخَطُهُمَا» إنها كلمات تُعبِّر عن فعل الإرادة الذاتية المستقلة عن الله.  فهذه الكلمات ترينا طابع حياة وليس مجرد مواقف في الحياة.  والنتيجة هي الكدر والمرار، إذ قال يعقوب لبنيه: «كدرتماني بتكريهكما إياي عند سكان الأرض» (تك34: 30).  وبالتطبيق علينا حين لا يكون طابع حياتنا في توافق مع قداسة الله، عبثًا يجد الروح القدس فينا مجالاً لتعظيم المسيح، ولن نكون شهادة حية له تُعبر عنه أمام العالم.  وعنف الجسد وشراسته مهما كانت الدوافع لن يأتي بنتيجة سوى الكدر والمرار، سواء على مستوى الفرد أو العائلة أو الجماعة.  والرسول يحرض المؤمنين قائلاً: «اغضبوا ولا تُخطئوا»، ونحتاج إلى ضبط النفس وضبط الانفعالات، ونتمثل بالسيد الوديع والمتواضع القلب.  ولنسمع القول: «لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء ... لي النقمة أنا أجازي يقول الرب» (رو12: ).  فليعطنا الرب القوة والشجاعة، لنقطع الطريق على العدو الذي فينا، والذي يريد أن ينال من شهادة الله، لذا وجب الاحتراس والاحترام لأمور الله المقدسة ومحضره المهيب (جا5: 2).

    إن ما فعلاه شمعون ولاوي حسب الظاهر هو الحفاظ على كرامة العائلة، بل وكرامة يعقوب نفسه كرأس لهذه العائلة، وهذا ما يمكن أن نتوهمه مرارًا، وكأننا ندافع عن مجد الرب وكرامته، فنخطط ونواجه الآخرين بشيء من الاحتداد والعنف، وأحيانًا يكون ذلك لتصفية الحسابات بروح انتقامية.  وهذا لا يزيد في الحقيقة عن كونه فعل الإرادة الذاتية.  وكيف بعد ذلك نُقدِّم عبادة مقبولة ونكون شهادة مؤثرة للآخرين؟!  ليتنا نكون بركة لا عثرة للنفوس.
   على أننا نقرأ عن حادثة أخرى، استخدم فيها لاوي سيفه (خر32: 27)، إنما بشكل مختلف وحُسِبَت له لا عليه، وكان ذلك أولاً حسب قول الرب، وثانيًا ليس بالتضامن مع شمعون، ليُعبِّر من جديد عن فعل الإرادة الذاتية، والفرق واضح بين الاثنين.  ففي الحالة الثانية كانت الغيرة مقدسة والدوافع مقدسة وإدانة الشر بحسب فكر الله ومقاييس قداسته، والرب قد امتدحه.

   أحبائي: كلما كانت مقدسات الله مُقدَّرة في عيوننا، وأمام ضمائرنا، كلما كانت منارة الشهادة في وضعها الصحيح ثابتة ولامعة، وكلما أخذ المسيح مكانه وتعظم أمام عيوننا وأظهرنا كل خضوع واحترام لسلطانه كلما فاضت البركة في حياتنا وبيوتنا واجتماعاتنا.     

                                                                               


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com