عدد رقم 3 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
هكذا.. هكذا يا روبرت! قصة حقيقية  
   كان ذلك اليوم – السبت الأول من شهر أبريل – يومًا صحوًا جميلاً، مناسبًا جدًا لممارسةِ رياضة المشي التي يهواها روبرت لوك (27عامًا)، والتي يمارسُها عادةً مع أصدقائه مايكل ياوْد والأخوان جاشوا وجون جرينز.

   في ذلك اليوم ، بينما كان روبرت ورفاقُه يتحادثون قبيل البدءِ في ممارسة رياضتِهم المفضلة، لاحظ روبرت أن هناك مساحة مستديرة من الأرض لا يزيد نصفُ قطرِها عن المتر ونصف المتر، تنخفضُ عن سطحِ الأرضِ بصورةٍ ملحوظة.

  تعجَّب روبرت لأنها لم تكن موجودة قبلاً، فلفتَ نظرَ أصدقائه إليها وهو يتساءل: تُرى هل الأرضُ قد خوت تحتها؟ هل هي قشرةٌ رقيقةٌ من ِالتربةِ من الممكنِ أن تهبطَ بمن يقفُ فوقها إلى عمقٍ لا يُعرف قرارُه؟

   غيرََ أنه سريعًا ما استبعد أن يكونَ الأمرُ بهذه الخطورة، وبينما كان أصدقاؤه منشغلين عنه، وضع قدمًا عليها مترددًا، ثم وضع الأخرى، وفي أقل من لمح البصر فتحت الأرض فاها وابتلعته، فهوى وهو يصرخ صرخة مفزعة.
   كان قد بدأ تكوين هذا الفخ الذي وقع فيه روبرت منذ عدة آلاف من السنين عندما بدأت مياهُ الأمطارِ الحمضيةِ تذيبُ الصخورَ الجيرية بعمقِ تسعةِ أمتار تحت سطح الأرض، وهكذا نتجتْ هذه الفجوة التي انقسمت إلي فجوتين إحداهما فوق الأخرى، يفصل بينهما تبَّة رقيقة من الأرض والتي كان من سوء حظ روبرت أن يسقط فيها ذلك اليوم.

   عندما هوت الأرض تحت قدمي روبرت استدار بسرعة جنونية وطوَّح ذراعَه محاولاً أن يُمسك بأي شيء صلب، ولكنه شعر بألمٍ حاد فوق الاحتمال في كتفه الأيسر، إذ انخلع مفصل الكتف بينما كان جسدُه يغوصُ في الحفرة العميقة، وفي اللحظة التالية استقر جسدُه على تبَّةٍ رقيقة تفصل بين الفجوتين.

  كان الألم حادًا حتى كاد أن يُفقده الوعي، ولكنه نظر إلى أعلى فاستطاع أن يرى نور النهار من خلال فوهة الهوة التي ترتفع عنه حوالي أربعة أمتار أو أكثر، أما حوله فلم يكن سوى الظلام الدامس، فصرخ بفزع شديد: "أنقذوني .. لا أستطيع الخروج".

  عندما سقط روبرت سمع الأصدقاء صرخة مُدوِّية فاستداروا لينظروا، وإذا ببقعةِ الأرض التي أشار إليها روبرت منذ لحظات قد انشقَّت بينما لم يكن لصديقهم وجود.
 انبطح الأصدقاء على الأرض حول حافة الشق وبالكاد استطاعوا أن يُميِّزوا جسد روبرت، فصرخوا في خوف: "آه .. لقد انشقت الأرض هنا وسقط فيها روبرت".
  أمسك جاشوا بهاتفه المحمول وصاح بانفعال شديد مخاطبًا النجدة: "أنقذونا.  لقد سقط شخص في باطن الأرض.  أسرعوا حالاً إلينا وإلا هوى صديقنا إلى الهاوية".
   في لحظات وصلت النجدة، وانبطح الرفاق ورجال النجدة على الأرض حول الشق وسلطوا ضوء البطارية داخل الشق ليروا روبرت ولكنهم لم يروا سوى جزءًا من قميصه الأزرق

   صاح أحد رجال النجدة: "روبرت .. هل أنت بخير؟"
-    "كلا لقد انخلع كتفي .. لا استطيع الحراك"
ناداه رجال الإسعاف قائلين:
-    اسمع يا روبرت .. لقد وصلنا لنجدتك ولدينا الآن حبلاً وسُلمًا وعليك أن تُثبِّت الحبل حول خاصرتيك ونحن سنضع السلم بقربك لتتسلقه وسنساعدك بجذب الحبل من أعلى.  تشجع وتحمَّل الألم من أجل إنقاذ حياتك.
كان هذا الطلب مستحيلاً تمامًا، ففي أول محاوله للحركة من جانب روبرت سقط مغشيًا عليه من شدة الألم.

نظر الأصدقاء في يأس إلى رجال النجدة الذين تولتهم الحيرة، وهنا تذكر جاشوا كم حاولَ كثيرًا أن يشرح لروبرت كيف ارتضى الرب يسوع أن يحتمل عدل الله الرهيب لكي ينقذنا من الدينونة الأبدية، وتذكَّر أن العقبة الكؤود التي كانت تقف في سبيل قبول روبرت لعمل الفداء هو عدم قبوله لفكرة التضحية العجيبة من قبل الرب يسوع من أجل أناس خطاة.

هتف جاشوا: "سأنزل إليه.  لا بد أن أثبِّت ذراعَه في جسده وإلا فلن يتحرك حركة واحدة"
 صرخ رجال النجدة: " كلا كلا.  يكفينا أن واحدًا قد سقط .. لن نعدم واحدًا آخر.  إن التبَّة الرقيقة لن تحتملكما معًا، وربما تهوي بكما إلى عمقٍ سحيق".
 صمت جاشوا للحظات وتذكر زوجتَه وأبناءه فكاد أن يتراجع، غيرَ أنه كان هناك إلحاحٌ قويٌ على ضميرِه بأن هذه هي فرصته الذهبية ليشرح عمليًا لروبرت محبةَ الرب يسوع حتى لو كلفته هذه التضحية حياته هو.

   كان رجال النجدة يعلمون علم اليقين أن نزول أي شخص إلى الحفرة سيؤدي إلى هبوط التبَّة تمامًا، ولكن تحت إلحاح جاشوا أعطوه شريطًا قويًا من الشاش فأسرع ونزل على السُلّم برفقٍ شديد حتى وصل إلى رفيقِه الذي أبكمته الدهشة فنظر إليه بعينين مغرورقتين بدموع العرفان بالجميل العظيم، وشجعته تلك التضحية على احتمال الألم بصبر شديد حتى ثبَّت له صديقُه الشجاع ذراعَه في جسده كما ثبَّت الحبلَ حول خاصرتيه، وبدأ يدفعُ روبرت إلى أعلى وهو يثبِّت السلم بذراعه الأخرى من أسفل، بينما كان رجال الإسعاف من أعلى يجذبون الحبل المثبت بخاصرتي روبرت.

   كان جاشوا يتوقع بين لحظة وأخرى هبوط التبَّة تحتهما وسقوطهما إلى الأبد في الهوة العميقة، خاصة وأن التبة حدث بها شقٌ في جانبها مساحتُه حوالي نصف متر مربّع نظرًا لثقل الزميلين.  نظر جاشوا من الشق  فرأى تحته هوة يصل عمقها إلى خمسة أمتار تقريبًا.

   لم يكن الصعودُ سهلاً بالنسبة لروبرت خاصةً في ذلك الجزء الأخير عند الفوهة،  ولكنه صعد في النهاية بسلام.
   وما أن خرج روبرت حتى تسلق جاشوا السلمَ بسرعة مدهشة.
وقبل أن يصعد جاشوا لفت نظرَه أن الشقَ في التبَّة قد تضاعفت مساحته ثلاث مرات في الفترة التي قضاها في الهوة مع روبرت.

    بعد أسبوع من هذه الحادثة دعا روبرت أصدقاءه إلى حفل عشاء في أحد المطاعم المشهورة وسأل جاشوا:
-    ما لا أستطيع أن أفهمه هو هذه التضحية العجيبة التي ضحيتها من أجلي.  ألم تفكر في زوجتِك وأبنائك وأنت تقوم بهذه المخاطرة.

-    بلى .. فكرت، ولكن محبتي لك كانت كبيرة، كما أنني أردت أن أشرح لك محبة الله من نحوك وكيف أن المحبة هي التي قادت المسيح إلى الصليب.  هكذا... هكذا ياروبرت «أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به»، أي لكي لا تهلك أنت يا روبرت إذا آمنت بالمسيح.

     تأثر روبرت جدًا، وبعد فترة صمت كان يحاول فيها جاهدًا أن يحبسَ دموعَه دون جدوى، قال بينما دموعُه تجري على خدَّيه: "كيف يارب احتملت جهلي وقساوتي وغبائي  طوال مدة حياتي.  الآن فقط أشرق النور في قلبي لأقبل تضحية المسيح العجيبة من أجلي، وما بقي من عمري يارب ليس هو ملكي وإنما لك وحدك أهديه".  
                                                                 



 



© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com