عدد رقم 3 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الشهادة (2)  

ما الذي يمكن أن يفعله الرب بعد أن دنَّس إسرائيل بيته، وفشل في حمل الشهادة؟  إن كان إسرائيل فشل فالله حاشا له أن يفشل، لقد استمر في خطته ومقاصده والتي حتمًا ستتم كما أراد لها وكما قصد.  لقد شرع في بناء بيت جديد له، ليس من حجارة تُقتَطع من جبل، بل من حجارة حية، من أناس أتى بهم من تيههم وضلالهم وافتداهم وخلَّصهم، وصنع منهم بيتًا روحيًّا له، وبذلك صار له مرة أخرى شهادة على الأرض من خلال هذا البيت الجديد.  ونجد أول إعلانٍ عن ذلك من فم الرب بعد موته وقيامته، وهو بصدد صعوده إلى السماء، إذ نسمعه يقول لتلاميذه: «هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ. وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذَلِكَ. وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي» (لو24: 46-49).

ومن كلمات الرب نستطيع أن نستخلص بعض الأفكار:

*    إن الشهادة تحولت من الشعب القديم، والذي قال الرب يومًا عنهم: «أنتم شهودي» (إش43: 10-12؛ 44: 8)، إلى تلاميذه ومن سيؤمنون به بعد ذلك، فهكذا قال لتلاميذه: «أنتم شهود»، ويا له من امتياز!

*   وإن الشهادة مرتبطة بما سينالونه من قوَّة عندما يتحقق موعد الآب، ألا وهو نزول الروح القدس ليسكن فيهم مكونًا الكنيسة؛ بيت الله، وهذا ما تمَّ في يوم الخمسين (أع 2: 1-4).

*   إن المكان الذي سيشهد تكوين الكنيسة؛ بيت الله الجديد هو ذات المكان الذي كان فيه البيت القديم، أعني أورشليم.  وكأن الرب قصد أن يوجه أنظار اليهود الذين كانوا يدركون أنه في كل المراحل التي مرَّ بها البيت القديم لم يتغيَّر مكانه.  ففي ”جبل المريا“ في أورشليم هناك بُني، وهناك أُعيد بناؤه (تك22: 2؛ 2أخ3: 1؛ عز3: 1-3، 8).  وفي ذات المكان قصد الرب أن يبدأ تكوين بيته الجديد أي الكنيسة.

*   إن الشهادة الجديدة تحمل حقائق غالية وثمينة، أولاً من جهة الرب، وثانيًا من جهة الإنسان، فمن جهة الرب، أنه مات كما قصد أن يكون (يو3: 16)، وكما أعلن هو أكثر من مرة لتلاميذه (مت16: 21؛ 17: 23؛ 20: 19)، وكما هو مكتوب في الكتب (1كو15)، وأنه أيضًا قام كما قال (مت28: 6؛ لو24: 6، 7)، وما أعظم هذين الحقين إنهما حجري أساس الشهادة المسيحية (1كو15: 4، 14، 17).  ومن جهة الإنسان إنها تحمل له بُشرى سعيدة، فعلى أساس موت المسيح وقيامته، صار بإمكانه عن طريق التوبة أن يحصل على غفران الخطايا.

ومن أعمال 1: 8 نفهم أن الشهادة ما عادت قاصرة على أمة واحده أو شعب معين، بل أصبح بإمكانها أن تمتد لتشمل العالم بأسره ”أورشليم، كل اليهودية، السامرة، أقصى الأرض“. ولقد كان جوهر الشهادة وأساسها هو قيامة الرب من الأموات (راجع أع2: 32؛ 3: 15؛ 10: 39، 40؛ 13: 30، 31).  وهكذا نرى ما كانت عليه الشهادة من قوة وفاعلية في البداية وكما عبَّر عنها الرسول بولس «بيت الله الذي هو كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته» (1تي3: 15).  وما أروع هذا البيت كما قصده الرب، حيث نجد «كهنوتًا مقدسًا»، لتقديم ذبائح روحية ”السجود“، و«كهنوتًا ملوكيًا»، لنخبر بفضائل من دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب ”الشهادة“ للعالم حولنا (1بط2: 5، 9).

 ولكن بكل أسف حيثما وُجد الإنسان هناك الفشل، فسرعان ما صار بيت الله، بيتًا كبيرًا وقد امتلأ بخليط غير متجانس من الأواني.  فهناك البعض من ”ذهب وفضة“، والبعض من ”خشب وخزف“، وصار على الأمين أن يتجنب الإثم، وأن يُطهِّر نفسه من هذه، ليكون إناءً للكرامة مقدسًا (مُخصَّصًا ومُفرزًا)، نافعًا للسيد، مستعدًّا لكل عمل صالح (2تي2: 21).  لقد بدأت الشهادة قوية وكان الجميع في اتحاد وقوة وكانت الكنيسة تنمو وتزداد (راجع أع4: 24، 31-3؛ 5: 12-14).  وكان دخول الشر في وسطهم هو الاستثناء، وكل ما كان عليهم عندئذ أن ينقوا الخمير من وسطهم (راجع أع5: 1-11؛ 1كو5: 1-8).  أما الآن بعد أن صار البيت كبيرًا، وقد امتلأ من أواني الهوان، فصار على الأمين أن يُطهِّر هو نفسه بالانفصال المقدَّس إلى الرب عن أواني الهوان، وكذلك أن يتجنب الإثم خاضعًا لسلطان الرب، ويتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي (1تي2: 21، 22).
وكما فشل الشعب في القديم في حمل الشهادة فشلت أيضًا الكنيسة في أن تظل إلى النهاية ”عمود الحق وقاعدته“.

 ولكن شكرًا لله إذ نقرأ عن لقب جديد للرب لا يُذكر سوى في آخر أسفار الكتاب المقدس، ويتكرر ثلاث مرات ألا وهو ”الشاهد الأمين“:

«يُوحَنَّا، إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ، وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ» (رؤ1: 4-6).

ما أروع أن نطالع في آخر أسفار الوحي كلامًا ليس عن الشهادة فحسب بل عن الشاهد، فنحن لسنا بصدد الحديث عما يمكن للإنسان أن يفعله وقد فشل فيه، بل نحن بصدد الحديث عن الشاهد الوحيد الجدير بأن يُقال عنه ”الشاهد الأمين“، عن الرب نفسه كاشفًا عن أفكار الله وخطته للإنسان.
*   «وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ اللاَّوُدِكِيِّينَ: هَذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ» (رؤ3: 14).

معروف لنا أن الكنائس السبع تمثل أدوار الكنيسة من بداية تكوينها حتى نهاية تواجدها بمجيء الرب لاختطافها، وكل كنيسة تمثل فترة زمنية للكنيسة على الأرض، والحالة التي كانت عليها، وهي أن تكون شاهدة للرب على الأرض. ولكننا بكل أسف نرى الإخفاق تلو الإخفاق يلاحق كل أدوار الكنيسة، حتى نصل إلى الدور الأخير، ”لاودكية“، فنقرأ تقرير الرب عنها: «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا ... هَكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ ... أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي. لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَائِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ».  أيمكن لحالة مثل هذه أن تصلح لتكون شهادة؟!  ولكن في هذا المشهد المحزن والذي يوحي بالفشل يظهر الرب «كالشاهد الأمين، الصادق». 

*   «يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهَذَا: نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا. آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤ22: 20).  ففي آخر أسفار الكتاب، بل آخر كلمات الوحي، ينتقي الرب من ألقابه المتعددة لقب ”الشاهد“، وينتقي من وعوده الكثيرة وعده بالمجيء سريعًا.  إنها رحلة طويلة للإنسان على الأرض، وأيضًا رحلة طويلة مع ذلك العدو والخصم، أعني الشيطان، والذي نجح في أن يُدخل الخطية، وهو يحاول إلى يومنا هذا تشويه حقيقة الله، وإنها أيضًا رحلة طويلة، رحلة الشهادة عن الله وصلاحه.  وهذا ما سنتعرف عليه بصوره أكبر في الأعداد القادمة.
                                                                          
 


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com