عدد رقم 3 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الكنيسة كجسد المسيح (3) الجسد بالارتباط بالمواهب الروحية (1كو12)  

   رأينا في المرة السابقة مفهوم الكنيسة التي تُعبِّر عن الجسد الواحد للمسيح على الأرض في صور ثلاث، ورأينا الفرق بين وحدة الجسد ووحدانية الروح، وفهمنا أن الجسد على الأرض يُعبِّر أمام العالم عن الرأس الغائب في السماء، ومن خلاله يُعرَف المسيح بشكل صحيح.


   ونتحدث الآن عن الجسد بالارتباط بالمواهب الروحية واستخدام الروح القدس للأعضاء.  وفي هذا الفصل العظيم (1كو12)، نرى دور الروح القدس في الكنيسة، وهو يعطينا التصور الصحيح لممارسة المواهب الروحية.  ففي ع 2، 3 نرى الغرض الذي يريده الروح القدس من أي عمل روحي وهو تعظيم المسيح والاعتراف بربوبيته.  ومن يتكلم بروح الله، حتى لو كان الكلام بسيطًا والشخص غير مُتعلِّم، فإنه سيعظم المسيح. 

   ع4- 6 يرينا تنوع المواهب الروحية، وهذا لا يتعارض مع وحدة الجسد بل على العكس يؤكدها.  فالروح الواحد هو مصدر هذه المواهب المتعددة، وهو الذي يتحكم في ممارستها.  وهناك أنواع خِدم كثيرة يحكمها الرب الواحد الذي يوجِّه الخدمات، وعلى من يخدمون الخضوع لسلطانه وربوبيته.  وهناك أنواع أعمال وتأثيرات كثيرة يعملها الله الواحد في النفوس نتيجة هذه الخدمات واستخدام المواهب بالروح القدس.  ورغم التنوع في التأثيرات فإن الله واحد.

   هذه الأعداد الثلاثة ترد على الكثير من المفاهيم البشرية الخاطئة وتُصحح مبادئ ومناهج في المسيحية بالارتباط بالخدمة.  فهناك اعتقاد أن الخدمة الروحية تعتمد على قدرات ومهارات الإنسان وما يتعلَّمه في مدارس وكليات اللاهوت.  لكن الرسول يقول: كلا .. بل أنتم تحتاجون إلى قوة وتعضيد الروح القدس الذي يعطي المواهب للأشخاص، وهذا لا يمكن استبداله بمدارس الناس.  ويظن البعض أن كليات اللاهوت والمؤتمرات ومجموعات التلمذة تُعِد الخدام وتؤهلهم للخدمة، وتزرع فيهم الرؤية سواء للكرازة أو العمل المُرسلي أو الخدمة الراعوية ... ألخ.  لكن الرسول يقول: كلا .. بل الخدمة بحسب فكر الله تتطلب الخضوع لسلطان وتوجيه الرب مباشرة، وليس تنفيذ أجندة هيئات ومنظمات حتى لو كانت جيدة، وأن يكون الشخص مُميِّزًا لصوت الرب وفاهمًا لقصده.  إن الرب هو الذي يختار ويصنع ويؤهل الخادم ويُدرِّبه ويرسله بتكليف مُحدد، والخادم عبدٌ مطيع، وشعاره: سيدي ماذا تريد .. اهدني حيث تريد .. إنني لست أريد غير فعل ما تريد.  وقد نظن أن الفصاحة والبلاغة والثقافة الواسعة والدرجات العلمية، حتى في المجال الروحي، والكارزما الشخصية للخادم هي التي تصنع التأثيرات في النفوس، لكن الرسول يقول: كلا .. بل الله هو الذي يعمل الكل في الكل، ويصنع التأثيرات الحقيقية التي تعيش في النفوس وتُغيِّرهم.  وبدون عمل الله فإن الانبهار بالأشخاص سطحي ولا يدوم.

   ع7 – 11 يتقدم الرسول بعد ذلك ليتحدث عن توزيع المواهب المتنوعة واستخدامها لفائدة كل الجسد، وارتباطها بالروح الواحد، وأنها عندما تُمارس بشكل صحيح فهي تُعبِّر عما يريد الروح القدس أن يظهره في الكنيسة لأجل مجد المسيح وبنيان وفائدة الجسد.  ومن المهم ملاحظة أن ليس إعطاء المواهب فقط هو من الروح القدس، ولكن ممارستها وإظهارها هو أيضًا من الروح القدس.  ويركز الرسول على أربع حقائق في هذه الأعداد:

1-    مهما كان تنوع المواهب ومجال استخدامها، فالكل يتدفق من مصدر واحد هو الروح الواحد (ع8، 9، 10).

2-    الروح يوزع المواهب لكل واحد من أعضاء الجسد، ويريد أن يستخدم كل واحد له موهبة (ع7، 11).  إنه يرفض أن يركز كل المواهب والاستخدام في شخص واحد مهما كان، أو في طبقة واحدة تتراءس على بقية المؤمنين، لأن كل المؤمنين هم أعضاء جسد المسيح.  هذا يوبخ النظام الديني البشري في المسيحية التي تعتبر فئة معينة أو طبقة معينة هي المسؤولة عن العبادة والخدمة، وتسود على الأنصبة وتتحكم في كل ما يخص الممارسات الكنسية، وأما الباقون فهم الشعب الذي ليس له الحق أن يشارك في شيء سوى أن يخضع لأصحاب السلطة الكنسية ويطيع الأوامر التي تُملى عليه.  وفي العهد القديم كان هناك فعلاً كهنة وشعب، أما الآن في تدبير النعمة الحاضر فإن جميع المؤمنين هم «كهنوت مقدس لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح» (1بط2: 5).  ولا يوجد عضو في الجسد بلا عمل.

3-    استخدام المواهب هو للمنفعة والفائدة الروحية (ع7)، أي لخير وبنيان الجسد كله، وليس لإظهار وتعظيم الشخص وشهرته، وبالطبع ليس لربح قبيح أو أي اعتبار آخر.

4-    الروح يقسم لكل واحد بمفرده كما يشاء (ع11)، فهو صاحب السلطان وله الحق أن يعطي المواهب كما يشاء، ويستخدم من يشاء، وقت ما يشاء.  وهذا يغلق الباب أمام إرادة الإنسان واستحسانه.  لهذا يجب أن نترك المجال لعمل الروح القدس وقيادته للأفراد داخل اجتماع الكنيسة، فنحن لن نكون أحكم منه، وهو حتمًا سيعمل الأفضل دائمًا.  أما إذا قمنا بتعيين الخادم وموضوع الخدمة حسب استحساننا، نكون قد وضعنا قيودًا على حرية عمل الروح القدس وإرادته، ونعيق استخدامه لمن يشاء.
وللحديث بقية إذا شاء الرب
                                                                  
    


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com