عدد رقم 3 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جيل الثورة أم جيل النهضة صراع الأجيال  

  على مر العصور كان صراع الأجيال قائمًا، ولما كان عمر الإنسان سبعين سنةً ومع القوة فثمانينن، كان من الطبيعي أن يتواجد على الأقل جيلان في زمن واحد.  وبسبب تطور الفكر الإنساني ينشأ عادة هذا الصراع، أعني صراع الجيل الأصغر مع الجيل الأكبر.  وفي هذا الصراع ينسى كل منهما حقيقة هامة، فالجيل الأكبر يصف الأصغر بالمُتمرِّد والرافض لكل شيء، متجاهلاً أنه هو نفسه عندما كان شابًا ينتمي إلى الجيل الأصغر، كان يصفه الكبار بذات هذه الأوصاف التي كانت تسبب له ضيقًا بشكل أو آخر، والجيل الأصغر يظن دائمًا أنه الجيل الذي سيصنع التغيير الذي طالما فشل الكبار في أن يصنعوه، متجاهلاً أن هؤلاء الكبار صنعوا هم أيضًا جزءًا من التغيير وكان لهم نفس الحماس.  فالتغيير ليس حكرًا على جيل بعينه، بحيث يمكننا القول إن هذا الجيل هو الذي صنع التغيير دون سواه.  لكن التغيير يحدث بشكل مرحلي، ويأخذ كل جيل في زمانه نصيبًا في إحداثه.

جيل الثورة
  إذا ذهبنا إلى زماننا الحاضر وإلى بلدنا مصر، سنجد أن الجيل الأصغر عانى لفترة طويلة من التهميش، فلم يحصل على الفرص الكافية لاختبار قدراته، واكتشف أن الكبار الشاغلين للمراكز القيادية ليسوا أكفاء لها، وليسوا أمناء على المسؤوليات التي أوكلت لهم.  فكانت النتيجة أن قام الجيل الأصغر بالثورة التى أطلق عليها العالم "ثورة الشباب".
 
  لكن مع الوقت وبسبب عوامل كثيرة، لم يقف معهم عامة الشعب، وسارت الأمور بشكل مختلف عما كانوا يريدون.  وهذا سبَّب إحباطًا للشباب.  ولعلنا نتذكر أن هذا ما حدث مع إيليا النبي في يومه، عندما كان مُحبطًا إذ لم يرَ التغيير المطلوب، وقال للرب: «خذ نفسي لأني لست خيرًا من آبائي» (1مل19: 4).

جيل النهضة
  إن هذا الفشل أصاب الشباب بقدر كبير من الإحباط، فأنتج عند شبابنا المسيحي رد فعل كان أكثر عنفًا مما نتوقع، فقام الشباب المسيحي داخل الأوساط المسيحية بشبه ثورة ضد كل ما هو راسخ وثابت عند كل طائفة مسيحية، ليس بدعوى الثورة بل بدعوى النهضة.  هذا لم يكن في أغلب الأحوال مدفوعًا بدوافع مختلفة عن تلك التي دفعتهم للقيام بالثورة، لكن أرى أنها نفس الدوافع بنفس النزعة الحماسية، وإنما بألفاظ تتفق والمفاهيم المسيحية، علمًا بأن قواعد اللعبة في الأوساط المسيحية تختلف اختلافًا جذريًا عن تلك التي في الأوساط السياسية، وهم لن يقبلوا أن يخسروا الجولتين معًا.

  أحبائي الشباب، إن كتابنا المقدس قال: "كسهام بيد جبار، هكذا أبناء الشبيبة. طوبى للذي ملأ جعبته منهم. لا يخزون، بل يكلمون الأعداء في الباب" (مز127: 4، 5).  فلنعلم أن طاقاتنا وإخلاصنا ومحبتنا للرب هي كالسهام، لكن لنحذر في نفس الوقت لئلا يكون الجبار الذي بيديه تلك السهام هو الشيطان.  فإن كان الشيطان لا يستطيع أن يتلف طاقاتنا إذ يوجهها في طرق الشر المختلفة كما يفعل مع الخطاة، لكنه يسعى لأن يوجه هذه الطاقات لخدمة أغراضه بشكل آخر، بحيث نشعر ونحن نسير فيه أننا نخدم الرب الذي نحبه.  ولمَ لا ؟ فهل نحن أفضل من بطرس الرسول الذي كان تلميذًا وانتهر الرب في إخلاص ومحبة له مانعًا إياه من أن يذهب للموت قائلاً: «حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا» فجاءه الرد:« اذهب عنى يا شيطان أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس» (مت16: 22، 23).

  أحبائي الشباب، لنسلك بالقداسة، فالشهوات الشبابية بداخلنا كثيرة، وتلك الشهوات التي نحن مطالبون بأن نهرب منها (2تي2: 22) ليست مجرد الشهوات النجسة التي قد تقودنا للوقوع في شرور أدبية، لكنها تتسع لتشمل أيضًا النزعات الشبابية الحماسية التي تقودنا لتحقيق ذواتنا أمام أنفسنا وأمام الناس.
  أحبائي الشباب، أعلم أنكم ستقبلون مني بسهولة التحريض على ألا تحتقروا الشيوخ، فأنتم تعلمون جيدًا أن هذا لا يليق، لكن أعلم أيضًا أنكم لن تقبلوا بصدر رحب التحريض على ألا تحتقروا المبادئ الكتابية التي يتمسك بها بعض الشيوخ - إذ أن البعض الآخر ارتخت أياديه عن التمسك بها -  لأنكم ترون أنه جاء الوقت لاستبدالها بما هو جديد.  كان الروح القدس أيضًا يعلم كل هذا وهو يسوق سليمان الحكيم في كتابة سفر الأمثال، لذا كانت أول وصية في السفر من نصيب الشاب، وكانت تحذره، لا من رفض الأب والأم، بل من رفض تأديب الأب وشريعة الأم، إذ تقول: « اسمع يابني، تأديب أبيك، ولا ترفض شريعة أمك، لأنهما إكليل نعمة لرأسك، وقلائد لعنقك» (أم1: 8، 9).

  أحبائي .. تذكروا معي، هل من نهضة روحية حدثت وسجَّل لنا الوحي أنها كانت بسبب رفض ما هو قديم والإتيان بما هو جديد؟  إن العكس تمامًا هو الذي حدث.  كانت النهضة في أيام يوشيا مرتبطة باحترام سفر الشريعة (أرجو قراءة أخبار الأيام الثاني من 34: 14 إلى 35: 13)، ثم النهضة في أيام نحميا (أرجو قراءة نحميا 8: 1-12) هي بالرجوع أيضًا إلى شريعة موسى عبد الرب، والتي كان لها قرابة الألف سنة منذ إعطائها للشعب، لكنها كانت حاضرة بتأثيرها الروحي القوي في نفوسهم، فكان الرجوع إليها والتوبة عن تركها هو بمثابة مؤشرات النهضة الحقيقية التي من الله.  بل إنه في أوقات الانحطاط الروحي للشعب في أيام ملاخي الذي كان آخر أنبياء العهد القديم، لم يكن لدى الرب سوى نداء واحد أطلقه للشعب لكي يباركهم إذا هم سمعوا لهذا النداء وهو: «اذكروا شريعة موسى عبدي، التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل. الفرائض والأحكام» (ملا4: 4).  لنتذكر أن يوشيا الذي استخدمه الرب في النهضة الأولى كان شابًا عمره 26 سنة، لكنه بالتأكيد وضع ذاته في حكم الموت، فلم يوجه طاقاته لخدمة شيء محكوم عليه بالموت، وعندئذ استطاع الله أن يملأ جعبته من سهام وطاقات هذا الشاب المكرس، ويستخدمه.

  أحبائي .. إن الروح اللاودكية هي التي تجعل صاحبها لا يعرف حقيقة نفسه (رؤ3: 17)، وما أسهل أن تقودنا نزعاتنا الشبابية لهذا الشعور فنصبح حكماء في أعين أنفسنا.  أما الروح الفيلادلفية فهي التي تستمع لنصيحة الرب القائلة: «ها أنا آتي سريعًا.  تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك» (رؤ3: 11).

  إن الثورة تعني استبدال القديم بالجديد، ونحن لسنا مدعوين أبدًا لصنع شيء كهذا في كنيسة الله، بل إننا مطالبون أن نفعل عكس ذلك تمامًا بالرجوع لما هو قديم: «اسألوا عن السُّبُل القديمة»، «إلى الشريعة وإلى الشهادة ...» (إر 6: 16 ؛ إش 8: 20).  لذا كان يجب علينا أن ننفصل عن مبادئ العالم نهائيًا حتى لا نكون عرضة للتأثر بالروح الثورية، لا في زهو صعودها على سلم النجاح، ولا في الآثار السلبية المترتبة على بعض الفشل.  لكن إلهنا هو إله كل نعمة، فهو سيقبل توبتنا في أي وقت، فلنذكر من أين سقطنا ولنتُبْ (رؤ2: 5).

  في النهاية أريد أن أوضح أن الذي كتب لكم هذه الكلمات البسيطة ليس شيخًا لكنه شابٌ مثلكم تمامًا يعرف ويشعر بنفس هذه النزعات الشبابية والحماس للتغيير، لكنه يراقب الأمور في ضوء «ماذا يقول الكتاب»؟

                                                                        


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com