عدد رقم 3 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
حياة جدعون قيادة مؤثرة...وصراخ بلا توبة  

«وَذَلَّ مِدْيَانُ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَعُودُوا يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ.  وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أَيَّامِ جِدْعُونَ» (قض8: 28)

في هذا العدد الواحد القصير والهام يُلخص الوحي إجمالاً الفترة التي خدم خلالها جدعون الرب قاضيًا لشعب إسرائيل.  تلك الفترة التي امتدت أربعين سنة؛ أي نحو جيل كامل.
ونريد هنا أن نتوقف أمام فكرتين تمثلان لنا قيمة روحية وأدبية هامة، وهما:
•    خطورة تأثير القادة
•    عدم توبة الشعب
أولاً خطورة تأثير القادة:

كان جدعون إجمالاً بركة حقيقية لشعب الله.  فلم يكن أمرًا هينًا بعد أن أذلهم المديانيون نحو سبع سنين، أن يتبدَّل الحال إلى النقيض التام في أيام جدعون.  «وَذَلَّ مِدْيَانُ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَعُودُوا يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ».  وفي المقابل يمكننا القول إن شعب الله الذي أذله مديان قبلاً، هم الذين رفعوا رؤوسهم حاليًا.
وبعد صراع ومعارك، ليس هينًا أن نقرأ «وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً».  ولا يُقدِّر قيمة راحة الأرض من الحروب والمعارك، وما يُخلِّفه ذلك من استقرار نفسي وتقدُّم مادي وازدهار عام، قدر من عايش وعاين آثار تلك الحروب ونتائجها النفسية والمادية المدمرة والممتدة لسنوات طويلة.

على أن الوحي يلحق هذا كله بجملة قصيرة بليغة وهي: «فِي أَيَّامِ جِدْعُونَ».  صحيح أن الرب هو صاحب هذه النصرة، وكل نصرة، ولكن المؤكد أن جدعون كان هو الآنية البشرية التي سلمت إرادتها بالتمام بين يدي الرب، فاستخدمها الرب لمجده ولبركة شعبه استخدامًا رائعًا «سَيْفٌ لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ» (قض7: 20).  وهنا نتوقف أمام التأثير الخطير الذي يكون للقادة عمومًا وسط شعب الله؛ سواء إيجابيًا (كجدعون هنا وسائر القضاة) أو سلبًيا (مثلما حدث في أيام حكم الملوك الأشرار نظير آخاب وإيزابل).

أحبائي: يقينًا لكل منا دور ومجال تأثير مهم، بل وللبعض بيننا تأثير قيادي على مجموعة أو مجموعات لا بأس بها.  تُرى: هل نحن مدركون لخطورة مسؤولياتنا؟  وهل نُعلِّمَ ونعيش على قدر هذه المسؤولية؟  يقولون عادة: ”إن إيمان المخدومين هو من نفس نوع إيمان من يقوم بخدمتهم“، وهذا صحيح إلى حد بعيد.  فعندما يكون من هو في مركز قيادي مؤثر بين شعب الله متضعًا (مثلاً)، نجد أن السمة الغالبة بين المتأثرين بخدمته هي الاتضاع، ... وهكذا في أغلب الصفات.

صحيح أن الإنسان مسؤول مسؤولية مباشرة أمام الله، وهذا ينطبق بالتأكيد على شعب الله أيضًا.  ولكننا ليس بإمكاننا إغفال خطورة تأثير القادة: تعليمًا وسلوكًا على أذهان وسلوكيات من يتأثرون بهم.
من أجل ذلك، فمن المهم للقادة أن يتقبلوا الملاحظات والنصائح التي توجه إليهم من إخوتهم بروح المحبة والاتضاع؛ تصحيحًا لأفكار أو حتى سلوكيات، في تقدير لأهمية دورهم، وشدة تأثيرهم على المحيطين بهم.

ثانيًا: عدم توبة الشعب:

يقول الكتاب: «وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أَيَّامِ جِدْعُونَ».  وكنا نتوقع أن يُقال "واستراحت الأرض ابتداءً من أيام جدعون فصاعدًا"، على أن هذا الافتراض المثالي الجميل لم يتحقق بكل أسف لسبب عدم توبة الشعب توبة حقيقية لا رجوع عنها أمام الرب.  ولذلك تكرر هذا القرار الأسيف في سفر القضاة «وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب»!  وبعد جدعون تحديدًا نقرأ: «وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ جِدْعُونَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجَعُوا وَزَنَوْا وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ، وَجَعَلُوا لَهُمْ بَعَلَ بَرِيثَ إِلهًا» (قض8: 33).  وليس بعد جدعون فحسب، بل بالأسف بعد كل انتصار تحقق لشعب الله نتيجة تدخل الرب كصدى لصراخهم، وأقام لهم قضاة ليخلصوهم من مضايقيهم.  نعم كان هناك صراخ إلى الرب من الحالة...ولكن لم تكن هناك توبة!  وهذا ما يجعل ”البركة“ شكلية ومؤقتة، وتتوقف على وجود ”جدعون“ وأمثاله في المشهد.  أما حين يغيبون فهنا تقع الكارثة!!  لماذا؟  لأنه لا توجد توبة!  هل هناك صراخ إلى الرب؟  نعم (مثلما حدث في البداية عند ذلهم من المديانيين).  هل هناك ربما شكوى وتذمر من الحالة السيئة؟ غالبًا، لكن بلا توبة!  فمن أين تأتي البركة إذًا؟؟

أحبائي: هل هذا الذي نتحدث عنه يبدو بعيدًا عن حالتنا الآن: أفرادًا، وبيوتًا، وكنائس محلية؟  ألسنا كثيرًا ما نتألم لما وصل إليه حالنا، وربما نصرخ إلى الرب فعلاً، ولكننا لا نتوب (نحن أنفسنا) عما نحن فيه، وعما فعلناه، مما جعل يد الرب تمتد إلينا بهذا الشكل؟ وألسنا كثيرًا ما "نُستر" في وجود أمثال "جدعون" بيننا سترًا مؤقتًا، فتسير الأمور (ظاهريًا) في وجودهم بيننا على ما يرام، وعندما يغيبون لسبب أو لآخر تظهر الحالة على حقيقتها بمرارتها؟
لا حل سوى التوبة: وعندئذٍ فقط لن تكون البركة مقصورة على وجود شخص أو أشخاص بعينهم، أو غيابهم، لأنها ستكون وقتها بركة حقيقية من عند الرب، ممتدة ومستمرة بين كل أفراد شعب الله، وُجد "جدعون" أو غاب عن المشهد.  كم نحن بحاجة إلى أن نكون حقًا وصدقًا مرضيين عند الرب!
ربما لسنا كلنا "جدعون" في قيادته، وانتصاراته، وخدمته.  ولكن بوسعنا، بل والمفروض علينا، أن نكون جميعًا مثله في إخلاصه، وتقواه، وطاعته.
                                                            


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com