عدد رقم 3 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أليشع وبنو الأنبياء  
   تكونت مدرسة بني الأنبياء في أيام إيليا، واستمرت بعده في أيام أليشع، وهم مجموعة من الشباب المتحمس للتلمذة والتدريب، من خلال رفقتهم لإيليا وأليشع، وإلى حد بعيد استفادوا من هذه المواهب الخاصة.  وهو درس لشبابنا اليوم لكي يستفيدوا، بأكبر قدر، من المواهب الروحية المُعطاة في كنيسة الله.  وما يلفت النظر هو الاهتمام والوقت الذي أعطاه كل منهما لهؤلاء الشباب، فقد شعرا بأهمية هذا الاستثمار.

   وهؤلاء الشباب- نظير باقي الشباب- كانت لهم أخطاء، وظهر فيهم الاندفاع والحماس والاعتماد على القوة الجسدية في بعض المواقف، كذلك تميَّزوا بالبلادة وبطء الفهم وعدم الإيمان في البعض الآخر.  كانت لهم نزعات استقلالية، ومرات كانوا خائفين ومترددين وجنحوا إلى الاعتمادية.  كانت عندهم معلومات، لكنها لم تؤثر فيهم وتغيرهم.  وبالرغم من كل ما ظهر منهم من نقائص وعيوب وأخطاء، لكنهم وجدوا في رجل الله أليشع خادمًا له قلب الراعي، الذي يرعى ويهتم، يفتقد ويطعم، يرافق ويصاحب، يحتمل ويعالج.

   ونحن كم نحتاج إلى رجال أفاضل نظير أليشع، وإلى مَن يهتمون بالشباب لئلا يفشلوا، وكم نحتاج إلى خدام لهم رؤيا تجاه هؤلاء الشباب الذين يُرجى منهم خيرًا جزيلاً، وفي نفس الوقت هم مستهدفون من الشيطان بشكل خاص في هذه الأيام.

   ومن خلال مواقف أليشع المختلفة مع بني الأنبياء وكيف كان يتصرف معهم، يمكن أن نتعلم كيف نتصرف نحن أيضًا مع شبابنا، فهو:

1-    سمعهم وقبلهم: بعد إصعاد إيليا إلى السماء ( 2مل2)، جاء بنو الأنبياء إلى أليشع وطلبوا منه أن يرسلوا خمسين رجلاً للتفتيش عن إيليا لئلا يكون روح الرب قد طرحه على أحد الجبال أو في أحد الأودية، فقال أليشع: «لا ترسلوا»، لكنه تحت إلحاحهم، قال: «أرسلوا»، بالرغم من يقينه من إصعاد إيليا للسماء.

  ولنا هنا درس هام، فرغم قلة معرفة بني الأنبياء ومحدوديتها، لكن أليشع اتصف بالمرونة وهو يتعامل مع من هم أقل منه في الإدراك والخبرة الروحية.  فلنحذر من أن نحتقر إخوتنا الشباب لقلة معرفتهم وإدراكهم الروحي، ولنقبلهم بكل محبة كما هم في الرب (في2: 29)، ونقبلهم لا لمحاكمة الأفكار، بل كما قبلنا المسيح لمجد الله (رو14: 1؛ 15: 7)، وجيد أن نستمع إلى مقترحاتهم، ولنكن مرنين معهم، طالما الموقف لا يتعلق بأمور جوهرية تخص الله ومجده والحقائق الكنسية.

2-    اعتنى بهم وساعدهم: في 2مل4 نقرأ عن أرملة واحد من بني الأنبياء كانت مديونة، وفي ضنك شديد، وأتى المرابي ليأخذ ولديها له عبدين، فعندما ذهبت إلى أليشع صارخة، لم يتجاهلها، بل اشترك معها في ضيقتها وحل مشكلتها.  وهنا أقول: إن الخادم الحقيقي لا يُقدِّم فقط التعليم الروحي للشباب، لكنه أيضًا يهتم بأحوالهم الزمنية، ويشاركهم ظروفهم، أفراحهم وأتراحهم، يسندهم ويعضدهم، يفتقدهم ويزورهم.  نعم يقول الكتاب: «معرفة اعرف حال غنمك واجعل قلبك إلى قطعانك» (أم 27: 23).  كذلك عندما سقط الحديد في الماء من واحد من بني الأنبياء، وكانت عارية (مستعارة)، لم يتركه أليشع في ضيقته، بل تدخل وأنقذه من ورطته (2مل6).  ليتنا نكون قريبين من شبابنا، فنمد لهم يد المعونة وقت الاحتياج. 

3-     علَّمهم وأطعمهم: «كان جوع في الأرض، وكان بنو الأنبياء جلوسًا أمامه .. فقال أليشع ضعوا القدر الكبيرة على النار» (2مل4: 38).  كان أليشع يهتم بهم ويعمل لهم ما يشبه المؤتمرات، يتجمع أمامه عدد كبير منهم، لكي يتتلمذوا على يديه، فيُقدِّم لهم التعاليم التي تبنيهم، وهم بدورهم كانت لهم الأشواق الروحية للتعلُّم، كذلك كان يهتم بإطعامهم جسديًا.  أحبائي الخدام: دعونا لا نكف عن تقديم الحق والتعليم للشباب ولا نفشل، فسنحصد الثمار في أوانها إن كنا لا نكل. 
        
4-     احتواهم وعالجهم: «وخرج واحد إلى الحقل ... فوجد يقطينًا بريًا فالتقط منه قثاءً بريًا ... وفيما هم يأكلون صرخوا وقالوا في القدر موت يا رجل الله» (2مل4: 39، 40).  إن أليشع هنا في هذا الموقف، لم يسأل من الذي فعل هذا، وبالتأكيد كان يعرفه، لكنه لم يوبخه أويعنفه بكلمة.  لقد احتوى الخطأ والمخطئ ولم يُندد به ولا شَهَّر به أمام إخوته، بل تدخل وعالج الموقف بطريقة صحيحة، إذ ألقى الدقيق (الذي هو صورة للمسيح الإنسان الكامل)، وشفى القدر من المرار والموت.  فإن حدث خطأ من شاب، أو تصرف بشكل غير صحيح: زلة ما، قصور في التعليم، اندفاع وعدم تمييز؛ دعونا لا نزجر هذا الشاب وننتهره، فهذا سيعثره ويفشله وربما نخسره، لكن بكل محبة ووداعة وبتواضع كما يقول الرسول: «أيها الإخوة إن انسبق إنسان فأُخذ في زلة ما فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظرًا إلى نفسك لئلا تُجرَّب أنت أيضًا» (غلا6: 1).

5-     رافقهم وصاحبهم: أظهر بنو الأنبياء أشواقًًا روحية مقدسة، وطلبوا أن يعملوا موضعًا أكبر يتسع لهم، طالما زاد العدد وضاق المكان (2مل6).  وأليشع قد وضعهم تحت الامتحان، فقال: اذهبوا، لكن واحدًا منهم طلب رفقته قائلاً: «اقبل واذهب مع عبيدك»، فقال: «إني أذهب»، لقد أقام أليشع معهم ورافقهم وعمل لصالحهم.  ومن هذا نتعلم أن رفقتنا لشبابنا ومشاركتنا لهم في اهتماماتهم، وإحساسنا بهم، هذا ينشئ علاقة وثيقة بيننا وبينهم، ويبني جسورًا من المحبة وزيادة الثقة نحونا، فيسرون برفقتنا بدلاً من النفور والبعد عنا وتحاشي التواجد معنا.  إخوتي الأحباء: اقتربوا من الشباب، مدوا جسور المحبة والتعاون بينكم وبينهم، واهدموا سدودًا بناها إبليس ليباعد بينكم وبينهم.

6-     كلفهم وائتمنهم: رغب أليشع أن يدرب الجيل الثاني بعده على تحمل المسؤوليات، و«جيد للرجل أن يحمل النير في صباه».  فنجده يكلف غلامًا من بني الأنبياء بمهمة مسح ياهو بن نمشي ( 2مل9)، وهي الخدمة التي أخذها هو نفسه من إيليا.  نعم وثق فيهم أليشع، لذلك كلفهم بمهام معينة.  وهذا ما فعله بولس الرسول مع شباب نظير تيموثاوس وتيطس وآخرين.

دعونا لا نخشى من تكليف الشباب بمهام معينة داخل الكنيسة، لنكلفهم ونحن ننظرهم ونتابعهم، ولو احتاج الأمر إلى نصح وتوجيه وتحذير، فلا نهمل.  فعندما أرسل أليشع الغلام لمسح ياهو، أوصاه وحذره: «افتح الباب واهرب ولا تنتظر»، أي لا تكن في شركة في الموضع المُدنس.
إخوتي الأحباء: كان أليشع يتميز بقلب الراعي الذي يعرف أحوال إخوته ويشاركهم ظروفهم، بل كان خادمًا ناجحًا استطاع أن يدرب جيلاً بعده يتحمل المسؤوليات، فماذا عنا نحن؟  هل شعرنا بعظم المسؤولية تجاه إخوتنا الشباب؟  هل نقوم ونمد يد المعونة لهم؟  ألا نذهب لنسترد المطرود، ونطلب الضال منهم؟  لنتضرع إلى إلهنا أن يستخدمنا بركة لشبابنا.


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com