عدد رقم 3 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أتسألونني عن حبيبي؟ «هذا حبيبي وهذا خليلي» (نش5: 16)  
  
   «حبيبي» .. ما أعذبها كلمة!  إنها مُشبَّعة بالمشاعر، نابعة من قلب صادق فائض بالحب الشديد، فتنساب على الشفتين كالشهد النقي ويكون وقعها على الأذن حلوًا ورقيقًا.
   ما أحلى هذه الكلمة وهي تخرج من فم المؤمن عندما يكون الرب يسوع مالكًا على عرش القلب وحده، مستأسرًا للفكر والوجدان.  والمؤمن الذي تعلقت نفسه بالرب لا يمكن أن تبقى محبته للرب حبيسة بين جدران قلبه، فهي لا تطيق الاختباء بل تُسر أن تنطلق وتتدفق نحو الحبيب.  المؤمن المحب حين يعبد الرب يشدو بل يجثو له بابتهاج وامتنان وفيض الحب، وحين يشهد عنه للبعيد والقريب، فهو يفعل ذلك بدافع الحب النقي الذي يلاحظه الصديق والغريب.  ذلك النوع الراقي من الحب الخالص والشديد يجعله يبذل النفس والنفيس بطيب خاطر لأجل الرب الحبيب، وحينما يضنيه المسير وتحنيه أثقال الطريق لا يجد معينًا سوى رفيق رحلته في البرية فيعبرها مستندًا علي حبيبه.

   يرى الذين حوله دلائل محبته، ويسمعونه يردد بفخر وابتهاج قائلاً: «هذا حبيبي وهذا خليلي»، فيسألونه: ما حبيبك من حبيب؟  فيجيب من يسأله لا بإيحاءات من نسج الخيال بل بالحقيقة التي  اختبرها وعاشها.  فيناجي نفسه قائلاً: أتسألونني عن حبيبي؟! يا لها من فرصة تقت لها وطالما انتظرتها؛ أن أخبركم عن حبيبي، فحديثي عنه مثل النهر الصافي الذي يرويني، ومثل الطيب الزكي الذي يملأ عطره صدري، فيزيدني تعلقًا به ويضاعف أشواقي وحنيني له.  «حبيبي أبيض وأحمر معلم بين ربوة» (نش5: 10).  فما له بين الورى أو في السماوات نظير.
    لا تسألونني عن صحتي ومتاعبي، ولا عن خدمتي أو مواهبي بل اسألوني عن حبيبي... اسألوني عن يسوع.
        «هذا حبيبي وهذا خليلي».

1.    حبيبي جليل في مقامه.

   إنه الرب المجيد السرمدي؛ الكائن من الأزل وإلى الأبد.  وهو بهاء مجد الله ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته.  سيدي وحبيبي عظيم جدًا وليس لعظمته استقصاء، وقد جعل جلاله فوق السماوات، تسبحه وتسجد له أجناد السماء وتهاب اسمه شعوب الأرض.  يلبس النور كثوب ويتنطق بالعز والبهاء.  سيدي هو ملك الملوك ورب الأرباب وهو مستحق للمجد والإكرام والإجلال ولا يعلو فوق اسمه اسم آخر، ولا ينافسه في مركزه السامي كائن من كان.  عن قريب ستجثو باسمه كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أنه ربٌ لمجد الله الآب.

2.    حبيبي جميل في أوصافه

   حبيبي فتى كأرز لبنان، أبرع جمالاً من بني البشر.  ليس له نظير في جمال صفاته وكمال تصرفاته.  ما أحلى نظراته الممتلئة بالوداعة والرقة واللطف، وما أرق لمساته الحانية والشافية، حلقه حلاوة وكله مشتهيات .. اجتمعت فيه كل الفضائل وأسمى الخصال.  «ها أنت جميل يا حبيبي وحلو وسريرنا أخضر» (نش1: 16).  يحلو للمؤمن أن يرعى في مراعيه الخضراء، ويشبع بمحياه البهي وطعامه الشهي، فيقول ما قاله المرنم: ‎«‎واحدة سألت من الرب وإياها التمس. أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي أنظر إلى جمال الرب وأتفرس في هيكله» (مز27: 4).

من مثلُك جميــلٌ يستأسرُ القـلوب       من مثلُك خليلٌ في الكرب والخطوب
يا كلَّ جندِ الربِّ من مثلُ ذا المسيح       من مثلُه في الحبِّ من مثلُه يريــح

3.    حبيبي عظيم في محبته
   بحر محبته لا يُحَدُّ، فاض حبه نحونا وغمرنا رغم  شرنا وضعفنا وبؤسنا.  كلَّفته المحبة أن يبذل نفسه الثمينة عوضًا عنا فمات المسيح من أجلنا.  إنه حبٌ سيبقى .. أبد الدهر يكون، ليس حبٌ مثل هذا صادقًا دومًا حنون.  وبذات الحب الشديد يرعانا ويهتم بنا، وبقلبه العافي الكبير يرد نفوسنا إلى سبل البر من أجل اسمه.  ما أحلى العشرة معه فنبع حبه الصافي يلذذ نفوسنا ويروينا عندما نجلس تحت ظله، فنجد راحتنا عند قدميه.

4.    حبيبي كريم في عطائه
   أي كلمات نرى فيها عظمة الجود الإلهي واستمراره مثل هذه: «الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء» (رو8 : 32).  والرب يسوع قال عن نفسه: « ليس لأحد حبٌ أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» (يو15: 13).  أعطانا نفسه ومعه نلنا كل البركات.  وفي رحلة الزمان لم يزل يجود بالخير والإحسان، يده لم تكف عن العطاء أبدًا.  يهب الصحة ويصونها، ويجدد قوانا، يقوتنا ويعولنا ويرعانا بنفسه ويسدد أعوازنا حسب غناه.  أعطانا الحياة  نفسها وبارك الحياة بكل مستلزماته.  لقد وهبنا عطايا روحية متعددة وهو الذي يشغِّلها كي نخدمه ونعبده بها، وغمرنا بعطايا زمنية، ويلذ لنا أن نكرمه أيضًا بها.  نعم .. ما أجمله وما أجوده!.

5.    حبيبي رقيق في كلامه
   ما أعذب صوت حبيبي!  النفس القريبة منه تُميِّز صوته عن أصوات الغرباء، وعندما تسمع صوته الرقيق لا بد أن تتحرك المشاعر ويلتهب القلب.  «شفتاه سوسن تقطران مُرًا مائعًا».  «انسكبت النعمة على شفتيه».  إن النفس التي تحب المسيح تعتز جدًا بكل كلمة تخرج من فمه الكريم، وتتلذذ بكل قطرة من "المُر القاطر" المنسكب من شفتيه.  «لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى».  حبيبي رقيق في تشجيعه ومترفق في توبيخه.  يغيث المعيي بكلمة، وبصوته الحلو طمأن المساكين وشفى منكسري القلوب.  ما أعذب صوته وهو يقول للمفلوج: «ثق يا بُني مغفورة لك خطاياك»، ولنازفة الدم: « ثقي يا ابنة. إيمانك قد شفاكِ».  وبصوته الحنون يواسي الأرملة قائلا: «لا تبكي».  صوت حبيبي يبدد الخوف المريع حين تعصف الرياح وتأتي بالموج العنيف في الليل الحالك الكئيب.

  6- حبيبي قدير في أفعاله
    حبيبي «يداه حلقتان من ذهب مرصعتان بالزبرجد».  فهو مُقتدر وصاحب سلطان، لأن «الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده» (يو3: 35)، وكل أعماله القديرة مرصعة ومطعمة بفضائله السامية، «جلال وبهاء عمله وعدله قائم إلى الأبد ... أعمال يديه أمانة وحق» (مز111: 2، 3، 7).  حبيبي هو سيد الكون «الفاعل عظائم لا تفحص وعجائب لا تُعَد».  هو الذي يدير خليقته بحكمته وقوته، وكل ما يحسمه ويقرره من عرشه، ينفَّذ بسلطان وبإتقان تام على الأرض.  حبيبي هو الذي يتنطق بالعز، له ذراع القدرة مرتفعة يمينه.  يحرسنا بقوته ويحفظنا غير عاثرين وفي اليوم الشرير يظللنا بجناحيه إلى أن تعبر المصائب.

  7- حبيبي قريب في مجيئه
 عن قريب سنرى ربنا يسوع الحبيب كما وعدنا أنه سيأتينا سريعًا، ويقينًا سيفي بوعده.  يوم وراء يوم نعيش بقوة هذا الرجاء المبارك إلى أن يتحقق قريبًا.  لن يطول غيابه عنا، وهو يعلم أن قلوبنا تاقت لرؤياه ونفوسنا حنََّت واشتاقت جدًا أن تكون معه.  ويحلو لنا أن نقول مع عروس سفر النشيد: « اُهْرُبْ يَا حَبِيبِي، وَكُنْ كَالظَّبْيِ أَوْ كَغُفْرِ الأَيَائِلِ عَلَى جِبَالِ الأَطْيَابِ» (نش8: 14).  ونزداد حنينًا للرجاء كلما تردد على مسامعنا صدى آخر عبارة نطق بها الحبيب من المجد والتي نقرأها في آخر صفحات الوحي المقدس: «نعم. أنا آتي سريعا».  ونحن بملء الشوق والحنين نجيبه من القلب: «آمين. تعال أيها الرب يسوع» (رؤ22: 20). 




© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com