عدد رقم 2 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
اثبتوا  


الثبات يعني الرسوخ وعدم التقهقر والتراجع أو التزعزع نتيجة العواصف والرياح المختلفة، كما يقول الرسول: "كونوا راسخين غير متزعزعين" (1كو15: 58)، ويعني أيضًا الاستمرارية على المدى الطويل.  ومن كلمة الله نفهم أن الثبات الروحي له مجالات متعددة نذكر منها:

1-   الثبات في المسيح:
قال الرب يسوع: "اثبتوا فيَّ" (يو15: 4)، ويجب أن نفرق بين الوجود فى المسيح والثبات عمليًا فيه، فكل المؤمنين هم "في المسيح"، "إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17)، لكننا نحتاج إلى الثبات فيه من المنظور العملي، لذا يأتى هذا التحريض من الرب نفسه "اثبتوا فىّ".  لقد قال المسيح: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو56:6).  وكان يقصد الإيمان به والتوحد معه، أي أن يحيا المسيح فينا ولا ننفصل عنه.  وهذا حدث يوم ارتبطنا به.  لقد صرنا أغصانًا حقيقية في الكرمة، وحياة الكرمة تسري فينا. 
والثبات في المسيح من الناحية العملية يعني الوجود فى الشركة معه، المشغولية المستمرة به، التفكر فيه وفي أموره، الحديث اليومي المستمر معه، مراجعة النفس في محضره والاعتراف بالأخطاء، البحث عن رضاه في أدق تفاصيل الحياة، والاعتماد الكلى عليه، والثقة فيه.  السير بقربه والشعور بحضوره والتواصل معه.  كما يعني أننا لا نقدر أن نعيش بالاستقلال عنه، كما قال الرب: "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو15: 5)، وهذا يؤكد أنه مصدر كل إثمار وخدمة صحيحة، وسلوك مستقيم في حياتنا.   

2- الثبات في التعليم:
يقول بولس لتيموثاوس: "اثبت على ما تعلمت وأيقنت، عارفًا ممن تعلمت" (2تي14:3)، ويُحرِّض المؤمنين في أفسس لكي لا يكونوا فيما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم (أف14:4).  وذات الفكر نجده في كولوسي: "إن ثبتم على الإيمان متأسسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل" (كو23:1).  ويقول الرسول يوحنا: "ما سمعتموه من البدء فليثبت إذًا فيكم" (1يو24:2).  فهناك خطر على الأطفال في المسيح أن ينخدعوا بالتعاليم المضلة ويتحولوا عن الحق وينحرفوا إلى الخرافات فيسقطوا من ثباتهم.  وفي رسالة يهوذا يؤكد الروح القدس نفس الفكرة ويطالب المؤمنين أن يجتهدوا لأجل الإيمان المُسلَّم مرة للقديسين (الحق المسيحي)، وأن يبنوا أنفسهم على الإيمان الأقدس (يه20،3).  

3-  الثبات في الإيمان: كان برنابا وبولس "يشددان أنفس التلاميذ ويعظانهم أن يثبُتوا في الإيمان، وأنه بضيقاتٍ كثيرةٍ ينبغي أن ندخلَ ملكوت الله" (أع14: 22).  لأن بعضًا من الذين آمنوا بالرب كانوا عُرضة للتزعزع لسبب الاضطهاد الواقع عليهم جراء إيمانهم بالرب يسوع، ولنفس السبب أرسل الرسول بولس تيموثاوس إلى تسالونيكي "كى لا يتزعزع أحد فى هذه الضيقات" (1تس3: 3).  وكذلك حرض المؤمنين في كورنثوس وسط التجارب قائلاً: "كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين" (1كو58:15)، وأيضًا: "اثبتوا في الإيمان، كونوا رجالاً، تقووا" (1كو13:16).  فإيمان الثقة يجب أن لا يتزعزع بسبب الظروف المُعاكسة، "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله" (رو28:8). والمؤمن المُرتاب يُشبِّهه يعقوب بموج البحر الذى تخبطه الريح وتدفعه في كل اتجاه (يع6:1). 

4 -  ثبات كلمته فينا: "إن ثبتُّم فيّ وثبت كلامي فيكم  تطلبون ما تريدون فيكون لكم" (يو15: 7)، كلمة الله هي التى تُقوِّم وترشد وتنقي، وثبوت كلامه فينا معناه سكنى كلامه بغنى فى قلوبنا، يقول يعقوب: «اقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تخلص نفوسكم» (يع 21:1)، ليس فقط أن نقرأ أو نسمع بل أن نطيع ونعمل بهذه الكلمة، فتتوافق أفكارنا مع أفكاره ونختبر ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رو12: 2).
إن ثباتنا فيه وثبات كلمته فينا هما الشرطان اللازمان لاستجابة الصلاة 
 
 5 -  الثبات في محبة الرب: "اثبُتوا في محبتي" (يو15: 9).  والثبات فى محبته هو التمتع والشعور والتلذُّذ بها وسط الضيقات والتجارب والآلام، وأعظم برهان على محبته هو موته على الصليب لأجلنا، "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو15: 13).  ونحن نثبت فى محبته بتأملنا المستمر فيها عندما نبقى طويلاً قرب الصليب، وأيضًا بحفظنا لوصاياه كما قال لتلاميذه: "إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي، كما أني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته" (يو10:15).
 
 6-  الثبات في الفرح: "كلَّمتكم بهذا لكي يثبُت فرحي فيكم ويُكْمَلَ فرحُكُمْ" (يو11:15)، ما يُميِّز المؤمنين هو فرح الرب الذي فيهم، والفرح هنا هو فرح المسيح الذي فاض نتيجة الشَّركة المستمرة والتمتع بمحبة الآب، وهو فرح في كل الظروف لأنه يرتبط بالآب وفعل مشيئته.  لقد تهلل بالروح حتى عندما رُفض وقال: «أيها الآب أحمدك ... نعم أيها الآب لأن هكذا صارت المسرة أمامك» (مت 25:11، 26).  يقول بولس: "افرحوا فى الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا" (فى4: 4)،  وحتى لو لم يزهر التين ولا كان حمل في الكروم ... قال حبقوق: "فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي" (حب18:3). 

7 – الثبات في التجارب: "كونوا راسخين، غير متزعزعين" (1كو58:15)، "طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه" (يع1: 12)، قيل عن يوسف بعد رحلة الألم والتجارب إنه "ثبتت بمتانة قوسه، وتشددت سواعد يديه من يدي عزيز يعقوب" (تك24:49).  واحتمال التجارب يأتي بالثقة في الرب وفي صلاحه ومحبته الكاملة وحكمته التي لا تخطئ أبدًا، والثبات هو العزيمة والإصرار وعدم الكلل والخوار، وعدم طرح الثقة في الله، واليقين بأن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله (رو8: 28).

8- الثبات في الحرب الروحية: يقول بولس: "البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس ... وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا.  فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق ..." (أف11:6 – 14).  ويقول بطرس: "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو.  فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط8:5، 9).  

   كذلك يجب أن نثبت ونصمد ضد تيار العالم بشهواته وإغراءاته وجاذبياته حيث جرف كثيرين مثل لوط وديماس.  ونثبت ونصمد ضد رغبات الجسد التي فينا حيث حطم كثيرين مثل شمشون النذير الأول الذي لم يتعلم قمع الجسد.  إن الحرب الروحية طويلة وممتدة وتحتاج إلى الثبات المستمر، فإن الانتصار في موقعة لا يعني الانتصار في كل موقعة، لهذا علينا أن نسهر ونثابر في الميدان حتى ينتهي الجهاد، ولما تنتهي الحرب نُكلل.
  

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com