عدد رقم 2 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الخطية وماذا فعلت  

تابع ما قبله

س7: أرجو أن تحدثني أولاً عن تركيبة الإنسان في حالة البراءة، ثم بعدها نعرف ما هو التغيير الذي جعله خاطئًا؟

ج7: أريد أن أوضح أولاً أن الله خلق الإنسان لغرض في فكره.  فهو لم يخلقه ليكمل به الخليقة، بل هو خلق كل الخليقة أولاً من أجله لكي يعدها لاستقباله.  فمن ناحية، الإنسان هو المخلوق الذي يجد الله لذَّته فيه، ليكون في شركة معه، «ولذاتي مع بني آدم» (أم 31:8).  ومن ناحية أخرى، هو المخلوق الذي عمله ليكون سيِّدًا ومتسلطًا على كل الخليقة (تك 26:1)، ولذلك قال الرب الإله قبل خلقه: «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا». فلكي يحقق هذا المخلوق هذه المقاصد كان لا بد أن يكون فيه شيء من الله، ترى ما هو هذا وما هي تركيبته عندما خُلق، هذا ما نراه في كلمة الله.
في 1 تسالونيكي 23:5 نقرأ «... ولتُحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم».  إذًا الإنسان يتكون من روح ونفس وجسد، وبالعودة لسفر التكوين 7:2 نجد هذه التركيبة الثلاثية التي خلقه الله بها.  ونقرأ عن كل منها في أماكن كثيرة في الكتاب، وهي كالآتي:

1- الجسد: «وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض».  هذه هي القشرة الخارجية للإنسان.  الغلاف المادي الحسي الذي يحيط بكيان الإنسان المعنوي.  هو الذي يعطيه شكله وملامحه وطوله ولونه، وتميزه عن الآخرين خارجيًا.  ويحوي أيضًا كل الأعضاء الداخلية والأجهزة ’’هي الخيمة الأرضية التي يسكن فيها الإنسان‘‘ (2كو 1:5).  وهي مصنوعة من تراب الأرض (1كو 47:15).  وتتكون من لحم ودم (1كو 5:15).  كان هذا الجسد أو الجسم قبل السقوط سليمًا غير قابل للتعب أو المرض أو الموت.

2- الروح: «ونفخ في أنفه نسمة حياة».  هي الجزء الذي يشبه الله في الإنسان لأن «الله روح» (يو 24:4) وهي التي منحها له الله عندما نفخ  فيه نسمة حياة متميزة بوجود الروح.  هي مركز الإدراك في الإنسان «ولكن في الناس روحًا، ونسمة القدير تعقلهم (تعطيهم فهمًا)» (أي 8:32).  وكذلك «مَنْ من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه» (1كو 11:2).  فبها أدرك صلاح الله الذي خلقه ووضعه في جنة وكان يزوره.  وأدرك المركز الذي ميزه به عندما سلَّطه على كل الخليقة.  وبها أدرك الوصية التي أوصاه بها، والتحذير الذي فيها.  كما أن الروح هي الجزء الذي به يتلامس الإنسان مع الله «مَنْ التصق بالرب فهو روح واحد» (1كو 17:6).   

3- النفس: «فصار آدم نفسًا حية».  هذا ما صاره الكيان الإنساني عندما وضع الله الروح داخل الجسد.  أي أن النفس هي الجزء المعبِّر عن الإنسان.  هي التعبير عن الحياة التي في داخل الإنسان والتي بها يتفاعل مع ما هو محيط به من خلال جسده، وبناء على إدراك روحه.  فالجسد بدون نفس هو تمثال له ملامح غير معبرة.  وأيضًا حياة الروح في الداخل لا يمكن إدراكها دون التعبير عن نفسها من خلال النفس.  هي التي يحدث فيها التعبير عن الفرح، والسلام، والحزن والانفعال.  هي التي تخرج الإنسان من السكون إلى دائرة الانفعال والتفاعل.  وأهم مكونات النفس: (أ) الغرائز والتي بها يشبع الإنسان احتياجاته المختلفة مثل الأكل والشرب والجنس.  (ب) العواطف وهي التي بها يتذوق حلاوة الأشياء ويفرح بها.  يتذوق حلاوة المعاني في الروح ويعيش بموجبها.  ويتذوق حلاوة ما يرى، وما يسمع، وما يأكل، وما يلمس بالجسد.  هي التي تعطي طعمًا للحياة.
وفي تكوين 2 نقرأ أن الرب وضع في الجنة «كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل» فالعين ترى جمال الجنة وأشجارها وفي جزء من الجسد والعواطف تشتهي هذه المناظر وتسعد بها.  وكذلك الفم يتذوق الطعام والعواطف تستمع بهذا التذوق.
في حالة البراءة، قبل السقوط، كانت تعمل هذه المكونات في انسجام تام، وتقوم بوظائفها على أكمل وجه كما خلقها الله.  وكان الإدراك الواعي في الروح هو المتحكم فيما يفعله الإنسان.  وكان يدرك أن التحذير الإلهي لعدم الأكل من الشجرة فيه بركة مثل التحريض على الأكل من جميع شجر الجنة، لكنه يدرك أن الله صالح.  وكانت الإرادة تسير جنبًا إلى جنب مع الإدراك.  كما كانت النفس تستمتع بكل ما تدرك الروح أنه صحيح، فكان الإنسان يطيع روحًا ونفسًا وجسدًا.  وباختصار كان الإنسان مدركًا أن الله هو مركز الكون، وأن الإنسان هو تابع يدور في فلك هذا الإله العظيم الذي يجذبه إليه بسرور في مدار معيَّن حدَّده له.  وكان الإنسان يجد سعادته في استمرار تواجده في هذا المدار المحدد له.  

س8: أريد أن أعرف المزيد عن فكرة المركز والتابع هذه؟

ج8: هذه فكرة وضعها الله بكثرة في أغلب المخلوقات وكان الله يريد أن يذكرنا بها كثيرًا ليؤكد لنا مكاننا في علاقتنا معه.  فمثلاً أصغر الأشياء في الكون هي الذرة، وهي التي تعتبر وحدة تكوين المادة.  تتكون من نواة في الوسط، ومدارات من حولها تدور فيها الكترونات في هذه المدارات الثابتة حول النواة التي تجذبها إليها وتحفظها في مكانها.  وكذلك في أكبر الأشياء المعروفة، في الأجرام السماوية تتكون من مجموعات كل مجموعة لها مركز وحوله توابع.  فالمجموعة الشمسية التي تتبعها الأرض مركزها هو الشمس.  وتدور حولها كواكب، الأرض واحد منها، في مدارات ثابتة.  والأرض في دورانها تشرق عليها الشمس بكيفية متعاقبة وتزودها بالحياة والضوء والحرارة.  وإذا خرجت الأرض خارج مدارها أو تحركت لمسافات بسيطة قربًا أو بعدًا عن الشمس ستنتهي الحياة عن وجه الأرض، وسوف تتجمَّد أو تحترق.  لأن دوام الحياة فيها مرتبط باستمرارها في مدارها.

س9: هكذا الإنسان في علاقته مع الله كما ذكرت لي.  لكن أريد أن أعرف شيئًا عما ذكرته في كلامك عن الإرادة الإنسانية، وما هو موقعها في هذا كله وأين مكانها في التركيبة التي أشرت إليها؟

    ج9: هذه التركيبة الثلاثية، روح ونفس وجسد، هي التي تُحدد نشاط الإنسان وتفاعلاته وردود أفعاله، لكن هناك مكونات أخرى لها علاقة بهذه التركيبة، ومؤثر كبير على النشاط الإنساني، تحدث عنها الكتاب المقدس أيضًا باستفاضة وهي القلب والإرادة والضمير.  الضمير دخل الإنسان بدخول الخطية، ولا يوجد دليل أنه كان موجودًا في آدم منذ خلقه.  أما القلب والإرادة فجزء من التركيبة الإنسانية في حالة البراءة.  ودعني أذكر لك شيئًا عن كل منهما.
القلب: ما هو؟ وما هو عمله؟
يقينًا القلب الذي يتكلَّم عنه الكتاب ليس هو العضلة اللحمية الموجودة في القفص الصدري، والتي تضخ الدم إلى أجزاء الجسم المختلفة فتعطيه حياة.  لكنه جزء آخر معنوي وربما سُمِّي بالقلب لأنه يشبه في عمله القلب اللحمي الحرفي، في أنه يضخ الحياة إلى كيان الإنسان الداخلي، فهو يضخ الحياة والرغبات الموجودة فيه، ومحتواه الداخلي الروح والنفس «فوق كل تحفُّظٍ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة» (أم 23:4). 
كما أنه يشبه القلب الحرفي في أنه عميق جدًا، فهو أعمق شيء في كيان الإنسان «لأنه من الداخل، من قلوب الناس ...» (مر 21:7).  كما أن كلمة ’’قَلْب الشيء‘‘ نفسها تعني عمق الشيء، مثلاً «قلب البحر» (أم 34:23) تعني عمق البحر.
هو الصندوق الداخلي العميق في الإنسان الذي يحوي الرغبات والميول الداخلية، أو هو الإناء الكبير الذي يحتوي على كل ما هو الإنسان، ويخرج هذا المحتوى الداخلي إلى بقية الكيان ليحركه «والإنسان الصالح من كنز قلبه يُخرج الصلاح» (لو 45:6).  وبالتالي هو المحرك الرئيسي، أو الموتور الداخلي الذي يحرك الكيان الإنساني كله: روح ونفس وجسد.
وهو المؤثر الأكبر على الإرادة، فهو يخرج رغباته الداخلية إلى الإرادة: «وأما من أقام راسخًا في قلبه، وليس له اضطرارٌ، بل له سلطانٌ على إرادته ...» (1كو 37:7).  «كل واحد كما ينوي (الإرادة) بقلبه» (2كو 7:9). 
قبل السقوط، في حالة البراءة، كان كل ما بداخل قلب الإنسان هو بذار البراءة، ولم يحتوِ هذا القلب على الخطية أو العصيان أو التمرد أو الاستقلال عن الله، لم يكن يعرف الخطية، ولم يدخل فيه شيء منها، لكن كان له كنز القلب الصالح.  وظهر هذا في علاقته بالله وطاعته له وحالة الاكتفاء الداخلي والسعادة التي كان فيها.

س10: إذًا فالقلب شيء هام جدًا في تركيبة الإنسان ... لم أكن أتصور أنه بهذه الأهمية!

ج10: بل هو أهم شيء على الإطلاق، فهو المحرك الرئيسي الذي يُحدد نشاط بقية مكونات الإنسان: الروح والنفس والجسد، فهو يرتبط بهم، ويؤثر عليهم، ويدفع الحياة فيهم، فمثلاً:

رغبات القلب تصل إلى الذهن وتصبح أفكارًا، والذهن يخدم هذه الرغبات بطاقته الفكرية، لذلك نقرأ عن «أفكار القلب ونيَّاته» (عب 12:4).  وهكذا يؤثر على الروح.

كما أن الجسد أيضًا يتأثر بالقلب «القلب الفرحان يطيب الجسم» (أم 22:17)، و«الغم في قلب الرجل يُحنيه» (أم 25:12).

كذلك القلب يؤثر على العواطف وبقية مكونات النفس، فنقرأ أن الحب الحقيقي هو من القلب «تحب الرب إلهك من كل قلبك ...» (لو 27:10).  وكذلك الفرح الحقيقي لا يكون مجرد نشوة عاطفية، لكن من القلب «جعلت سرورًا في قلبي أعظم من سرورهم ...» (مز 7:4).

والقلب في عملية تفاعل مستمر مع الروح والنفس والجسد، وجميع أنشطة الإنسان الحقيقية الروحية والنفسية هي التي تخرج من قلبه، فالحكمة مثلاً لا تكون فقط من الذهن بل ليمتلئ بها القلب «إذا دخلت الحكمة قلبك» (أم 10:2)، وحفظ وصايا الرب هو في القلب «ليحفظ قلبك وصاياي» (أم 1:3)، وكذلك التوكل على الرب المفروض أنه من كل القلب «توكل على الرب بكل قلبك» (أم 5:3).

والشيء الذي يحتل القلب يقينًا سيحتل الكيان الإنساني كله، ويكون له التأثير الأكبر على بقية أنشطته.  لذلك فإن ما يطلبه الرب من الإنسان هو القلب «يا ابني أعطني قلبك» (أم 26:23).

وللحديث بقية إذا تأنى الرب
   

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com