عدد رقم 2 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
حياة جدعون  

مشجعات إلهية
إزاء تحديات حقيقية

«وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: قم انزل إلى المحلة لأني قد دفعتها إلى يدك ... وتسمع ما يتكلمون به ... فإذا رجل يخبر صاحبه بحلم ويقول: ... إذا رغيف خبز شعير يتدحرج في محلة المديانيين، وجاء إلى الخيمة وضربها فسقطت ... ليس ذلك إلا سيف جدعون بن يوآش رجل إسرائيل، قد دفع الله إلى يده المديانيين وكل الجيش ... وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ جِدْعُونُ خَبَرَ الْحُلْمِ وَتَفْسِيرَهُ، أَنَّهُ سَجَدَ وَرَجَعَ إِلَى مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: قُومُوا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَفَعَ إِلَى يَدِكُمْ جَيْشَ الْمِدْيَانِيِّينَ» (قض7: 9-15).

لا شك أن التحديات الحقيقية كانت واضحة أمام جدعون و الثلاث مئة «الرجل» الذين معه.  ويمكننا أن نوجزها فيما يلي: 

 

طول زمان العبودية: والذي وصل إلى نحو 7سنوات كاملة (قض6: 1)، وهي فترة ليست هينة لا في حياة الأفراد، ولا في حياة الشعوب.

العدد القليل: جدعون ومعه 300 رجل فقط بإزاء المديانيين المتجبرين، والعمالقة، وبني المشرق (6: 33) والذين كانوا كالجراد في الكثرة وجمالهم لا عدد لها كالرمل الذي على شاطئ البحر في الكثرة (7: 12).  ويقولون-إنسانيًا- إن الكثرة تغلب الشجاعة.

عدم وجود خبرة سابقة على حرب كهذه:  فجدعون نفسه لم يكن إلا شخصًا صغيرًا في عيني نفسه، كما رأينا من قبل، ولم نقرأ قبل ذلك قط عن أي نشاط حربي له، لقد كان يُهرّب حنطة لشعب الله من المديانيين ليس إلا (ص6)، على أن ثمة مشجعات إلهية عظيمة فاقت التحديات الموجودة.  والواقع أنها دائمًا الحقيقة إزاء كل عمل وراءه الرب، لا بد وأن المشجعات الإلهية تسمو على التحديات البشرية.

ويمكننا أن نوجز هذه المشجعات في الآتي:

الإرسالية الإلهية الواضحة: 
«وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: «قُمِ انْزِلْ إِلَى الْمَحَلَّةِ» (7: 9)، وعندما يتأكد المرء بشكل واضح من إرسالية الرب الواضحة والمحددة بهذا الشكل، فهذا أعظم تشجيع ولا شك، مهما تكن التحديات.  إن هذا يعني أن الحركة ستكون بناء على «أمر الرب»، وبالتالي فالرب يقينًا سيتكفل ليس فقط بالنتائج الإيجابية، ولكن أيضًا بكل تفاصيل المسار والمسيرة كذلك.

سبق الحسم من جانب الرب: 
«قُمِ انْزِلْ إِلَى الْمَحَلَّةِ، لأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهَا إِلَى يَدِكَ» (ع9).  نلاحظ أن الرب يتحدث هنا عن نتيجة المعركة من قبل أن تبدأ وذلك في لغة التأكيد القاطع «الماضي التام» فيقول «قَدْ دَفَعْتُهَا إِلَى يَدِكَ».  هل هناك تشجيع أكبر أو أعظم من ذلك؟ إن المسألة محسومة تمامًا.  والرب هنا يعلم النهاية من البداية «مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ، وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ، قَائِلاً: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي» (إش46: 10) وذلك لأن «صَانِعَ قَوْلِهِ قَوِيٌّ» (يؤ 2: 11) والمؤكد أن الرب له المجد ليس فقط أفكاره عظيمة من نحو شعبه، وليس فقط هو «العليم»، لكنه أيضًا هو «الآخر» الذي له الكلمة الأخيرة، وكلمته هي القول الفصل والنهاية في المسألة، وفي كل مسألة.

الحلم المُذاع: 
الرب يعرف طبيعتنا الإنسانية الهشة، وأنه في بعض الأحيان، وبالأخص أمام الأمور الكبيرة، لا يكفينا تشجيع واحد أو اثنين أو حتى ثلاثة مشجعات، فها هو الرب يشجعه مرة أخرى بنفسه بصورة تصل إلى أعماق نفس جدعون قائلاً له «وَإِنْ كُنْتَ خَائِفًا مِنَ النُّزُولِ، فَانْزِلْ أَنْتَ وَفُورَةُ غُلاَمُكَ إِلَى الْمَحَلَّةِ..... » (ع10-14).
نلاحظ هنا أن سلطان الله هو على الأبرار، وعلى الأشرار كذلك.  على الأحلام وعلى الكلام أيضًا! فمن الذي أعطى الحلم للرجل المدياني؟ ومن الذي أعطى هذا التفسير لصاحبه؟ ومن الذي قاد جدعون إلى هذا المكان وهذه الخيمة بالذات وسط آلاف الخيام ليسمع الحلم وتفسيره؟ لقد تأكد جدعون أن الرب سيحقق لشعبه انتصارًا عظيمًا بواسطته هو والرجال الذين معه، ولو كانوا مجرد «رغِيفُ خُبْزِ شَعِيرٍ يَتَدَحْرَجُ» (7: 11) في محلة المديانيين المكتظة.
لقد أوقع الرب رعبه على أولئك المديانيين تمهيدًا لنصرة جدعون الساحقة.

أحبائي الشباب...
ليس مهمًا كم أو حجم التحديات التي تواجهنا في سبيل إتمام مشيئة الرب وخدمته في أيام صعبة، ذلك لأن الأهم هو:

هل هناك إرسالية واضحة ومحددة لنا كأفراد من الرب مباشرة؟

وهل تأكدنا من معية الرب وتأييده لنا وذلك بشتى الطرق؟
إن الرب عندئذٍ لن يبخل علينا بمشجعاته التي ستأتينا في وقتها تمامًا، ذلك طالما كانت لنا الأذن الراغبة والمصغية في السمع له وفي طاعة صوته.
بقي أن نقول: إن التشجيع الإلهي هو تشجيع متوازن ليحفظ المؤمن في حالة الاتضاع، فهو ليس أكثر من رغيف شعير يتدحرج في محلة المديانيين، ليكون فضل القوة لله لا منا.  


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com