عدد رقم 2 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الكنيسة كبيت الله على الأرض  

«هل يسكن الله حقًا مع الإنسان على الأرض» (2أخ18:6)؟

   عندما بنى سليمان الهيكل بكل روعته وفخامته، كان يشعر برهبة شديدة أن يكون هذا هو المكان الذي يرتضي العلي أن يسكن فيه، وهو الذي يسكن في الموضع المرتفع المقدس.  فهوذا السماوات وسماء السماوات لا تسعه، فكم بالأقل هذا البيت!

   لكن الله في نعمته ومحبته أعلن منذ البدايات أنه يُسَر بأن يقترب من الإنسان ويرحب بالإنسان لكي يقترب منه.  ففي جنة عدن كان يذهب إلى آدم مع هبوب ريح النهار، ويُسعده بالشركة والتواصل والحديث معه في علاقة حميمة.  ولكن سرعان ما دخلت الخطية وعملت شرخًا في هذه العلاقة، ونجح الشيطان في أن يفصل الإنسان عن الله.  وفي أول زيارة بعد السقوط نرى الإنسان يهرب من محضر الله، ويختبئ خلف الأشجار خائفًا من نتائج الخطية، لكن الله استطاع أن يسترد العلاقة ويكفر عن الذنب على أساس الذبيحة (تك3).  وبعد سنوات نجد ذات الرغبة في قلب الله لا تزال موجودة وتُسر بالإنسان والقرب منه، فنرى الرب يذهب لزيارة إبراهيم خليله وهو ساكن في الخيمة في حبرون، ومعه الملائكة في صورة ثلاثة رجال (تك18).  وفي الحالتين لم يزد الأمر عن مجرد زيارة عابرة، ولا نقرأ عن سكنى مع الإنسان على الأرض.

   وبعد سنوات أيضًا نقرأ عن يعقوب التائه عن البيت في خلاء مستوحش خرب، يرى حُلمًا وإذا سُلَّمٌ منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها، وهوذا الرب واقف على رأس السلم يتكلم معه ويعطيه أغلى المواعيد.  وعندما استيقظ من نومه واستشعر أن الرب في هذا المكان، قال: «ما أرهب هذا المكان، ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء» (تك28).  وكانت هذه هي أول إشارة في الكتاب المقدس إلى بيت الله.  لكن هذا لم يكن سوى حُلم.  ولم يكن قد تأسس بيتٌ لله على الأرض في كل سفر التكوين. 

   ولكن بعد أن تم الفداء بخروف الفصح وعبرت الدينونة عن الشعب (خر12)، ثم عبروا هم من أرض العبودية إذ اجتازوا في البحر الأحمر كما في اليابسة، وغرق فرعون وأفضل جنوده ومركباته في البحر (خر14)، حينئذ رنم موسى وبنو إسرائيل أول وأعذب ترنيمة في الكتاب، إنها ترنيمة الفداء.  وفي هذه الترنيمة قالوا: «أرنم للرب فإنه قد تعظم ... هذا إلهي فأمجده (أي فأصنع له مسكنًا)» (خر15).  فبعد أن تم الفداء مباشرة أمكن لله أن يسكن وسط شعبه، وتلاقت رغبة الرب مع رغبة الشعب.  ولا يُختم سفر الخروج إلا ونرى مسكن الله قد تأسس على الأرض، عندما اكتملت خيمة الاجتماع حسب المثال الذي أُظهر لموسى في الجبل، وعندما عُمل كل شيء بمنتهى الدقة كما أمر الرب موسى، عندئذ غطت السحابة خيمة الاجتماع وملأ بهاء الرب المسكن (خر40).  

   ظل الرب يسكن وسط شعبه في خيمة الاجتماع حتى بنى سليمان الهيكل.  وما حدث يوم تدشين الخيمة حدث يوم تدشين الهيكل حيث ملأ مجد الرب البيت، ولم يستطع الكهنة أن يدخلوا بيت الرب لأن مجد الرب ملأ بيت الرب (2أخ1:6، 2).   
   واستمر الهيكل الذي بناه سليمان في أورشليم هو المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه، وفيه كانت تُقدَّم الذبائح، وليس في أي مكان آخر.  كان هذا هو المركز الوحيد الذي يعترف به الرب، وهناك الكهنة الذين يقومون بالخدمة في الأقداس الرمزية.  لهذا قيل إن «في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجَد فيه» (يو4).  ولكن بسبب شر الشعب جاء عليهم ملك بابل وسباهم وهدم الهيكل وأحرق أورشليم.
   وفي السبي كان دانيال يصلي وكواه مفتوحة نحو أورشليم، طبقًا لما قاله سليمان في صلاته يوم دشن الهيكل (2أخ6)، ولكنه لم يستطع لا هو ولا غيره أن يُقدم ذبيحة واحدة بعيدًا عن الهيكل.

   بعد 70 سنة رجعت بقية إلى أورشليم بقيادة زربابل ويهوشع الكاهن العظيم وأعادوا بناء الهيكل، والشعب فرح وهتف هتافًا عظيمًا إذ رأوا شيئًا حسنًا يُعمل لإله إسرائيل لأول مرة بعد سنوات السبي، أما الشيوخ الذين رأوا مجد البيت الأول فبكوا عندما رأوا هذا البيت وكان في أعينهم كلا شيء (عز3)، والرب شجع البقية بواسطة الأنبياء قائلاً: «اعملوا فإني معكم يقول رب الجنود ... وروحي قائم في وسطكم لا تخافوا» (حج4:2، 5).

   أخيرًا جاء الرب يسوع، وكان هو الهيكل الذي فيه سُر أن يحل كل الله، وسكن مع الإنسان على الأرض، لكن الناس رفضوه، وهو قال لهم «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه» (يو19:2)، وكان يقول عن هيكل جسده.  أما الهيكل الحرفي فكان قد دب فيه الخراب، وقد تحول إلى بيت تجارة، وأخيرًا صار إلى حال أردأ وأصبح مغارة لصوص.  كان الرب لا يزال يعترف به ودعاه «بيت أبي»، وأيضًا «بيتي»، لكنه أخيرًا قال لهم: «هوذا بيتكم يُترك لكم خرابًا» (مت38:23).  فقد رفض هذا البيت وقضى عليه بالخراب.  وهذا ما تم على يد تيطس الروماني سنة 70 م.

   ولكن بعد كل هذا هل تقوض المشروع الإلهي من جهة بيته ومكان سكناه على الأرض؟ كلا.  فبعد أن مات المسيح وقام وصعد وجلس في يمين العظمة في الأعالي أرسل الروح القدس وسكن في المؤمنين وكوَّن الكنيسة كبيت الله الروحي على الأرض.  وحيث أن الفداء الحقيقي بعمل الصليب قد تم، والمسيح تمجد في السماء، والله الروح القدس نزل إلى الأرض، والبيت الروحي الذي هو الكنيسة قد تكوَّن، لا من حجارة ميتة بل من حجارة حية هم المؤمنون، فإن الله سُر أن يسكن بروحه في هذا البيت.  «الذي فيه أنتم أيضًا مبنيون معًا، مسكنًا لله في الروح» (أف22:2)، وأيضًا «أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم» (1كو16:3)، كذلك يقول الرسول في العبرانيين: «وبيته نحن» (عب6:3).      

   ويسوغ السؤال: ما هو الغرض الذي من أجله أوجد الله له بيتًا على الأرض؟ وما هي الخصائص التي تميزه؟ ويمكننا أن نلخص ذلك فيما يلي:
          
1- ليكون مكانًا لسكناه وراحته (2أخ2:6)، (مز8:132 ،13، 14).  حيث لا يجد راحته في العالم الذي يرفضه.

2- ليستعرض الله في هذا المسكن أمجاد ابنه.  «في هيكله الكل قائل: مجد» (مز9:29)، ففي المسكن الرمزي كانت ألواح المسكن تُمثل المؤمنين المجتمعين حول الرب، وكل ما بداخل المسكن، وما يظلله يشير إلى أمجاد المسيح في صور متنوعة.  وأيضًا يقول بولس عن المسكن الروحي: «له المجد في الكنيسة في المسيح يسوع إلى جميع أجيال دهر الدهور» (أف21:3).

3- ليكون هو المكان الذي تُقدَّم فيه الذبائح وليس في أي مكان آخر.  وقد أكد الرب على ذلك 21 مرة في سفر التثنية أنه «المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه».  وكانت خطية يربعام بن ناباط، ملك إسرائيل بعد انقسام المملكة، عظيمة جدًا في نظر الله (1مل12)، وقد ذكر عنه 36 مرة أنه «جعل إسرائيل يُخطئ»، إذ حوَّل الشعب عن المكان الصحيح الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه إلى مركز آخر بعيدًا عن أورشليم، حيث جعل لهم مذبحًا في دان ومذبحًا في بيت إيل.  وفي العهد الجديد يقول بطرس للمؤمنين: «كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حية، بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسًا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح» (1بط5:2).  وفي أول إشارة رمزية إلى بيت الله، في حلم يعقوب، قال: «ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء» (تك28)، فهو المكان الذي من خلاله نتلامس مع السماء، وهو البوابة التي من خلالها نُقدِّم عبادتنا وذبائحنا الروحية ونرفع صلواتنا إلى السماء.

4- هو مركز الشهادة.  ففي المسكن الرمزي نقرأ عن خيمة الشهادة، ولوحي الشهادة، وتابوت الشهادة.  وفي الرمز الأول لبيت الله نقرأ عن عمود الشهادة، حيث أخذ يعقوب الحجر الذي كان تحت رأسه (وهو رمز للمسيح المرفوض)، وأقامه عمودًا (وهنا نرى قيامة المسيح)، وصب زيتًا على رأسه، ودعا المكان بيت إيل.  والزيت رمز للروح القدس، قوة الشهادة (وهذه هي العناصر الأساسية لكي يتكون البيت).  وفي الرسالة التي تتكلم عن بيت الله نقرأ عن «بيت الله، الذي هو كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته» (1تي15:3).  وكما تحدث بطرس عن الكهنوت المقدس لتقديم الذبائح الروحية في البيت، تحدث عن المؤمنين باعتبار أنهم «كهنوت ملوكي» ليخبروا بفضائل الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب (1بط9:2).  وهذا الإخبار يعني الشهادة للذين حولنا.  وهذا أيضًا دور الكنيسة الذي أكده بولس بقوله: «تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء» (1كو26:11).

5- استعلان سلطان الرب، واحترام ترتيبه، والخضوع له باعتباره الرأس.  إن الرب باعتباره «ابن على بيته» هو صاحب الحق والسلطان أن يرتب بيته كما يشاء.  وفي البيت الرمزي أعطى تعليمات مُحددة لموسى ليصنع الخيمة، وكل ما عُمل كان بحسب المثال الذي أُظهر لموسى في الجبل، وليس بحسب استحسان موسى أو الشعب.  وعندما اكتمل العمل نقرأ 9 مرات في خروج 40 أن كل ما عُمل كان «كما أمر الرب موسى».  وهكذا أيضًا في العهد الجديد أعطى الرب تعليمات محددة لترتيب البيت الروحي والعبادة والخدمة في الكنيسة، وإعطاء الرب مكانه كالرأس والرئيس، والخضوع لسلطانه، وقيادة الروح القدس للمؤمنين في العبادة والخدمة، وكهنوت جميع المؤمنين، ووضع المرأة ودورها في الكنيسة، وغطاء الرأس، ولباس الحشمة، وكيف أنها لا تُعلِّم في الكنيسة ولا تتسلط أو تقود، ووضع الرجل والدور القيادي في الصلاة والسجود والخدمة، والعبادة بالروح والحق في بساطة وتقوى، وليس بما يثير المشاعر النفسية والحسية كالموسيقى التي لا نقرأ عنها ولا مرة في العهد الجديد بالارتباط بالعبادة الكنسية.  كذلك خضوع الأحداث للشيوخ والعلاقة الحبية بينهم، ... الخ. (1كو11، 14؛ 1تي2، 1بط4،5).  هذا هو ترتيب الله وما يروق له ويُسر قلبه، ويجب أن نفهم أن هذا هو هدف العبادة، وليس أن نُعجب الناس ونُطرب مشاعرهم.

6- بيت الصلاة.  هكذا دُعي البيت في العهد القديم، وهذا ما أكده الرب يسوع وهو يُطهر الهيكل قائلاً: «بيتي بيت الصلاة يُدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص» (مت31:21).  وفي رسالة بيت الله قال بولس: «أطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس» (1تي1:2).  والصلاة هي التعبير عن روح الاتكال والاستناد على الرب وهذا ما يُميز بيت الله.

7- القداسة.  لأن الساكن هو القدوس، لهذا فإنه ببيته تليق القداسة إلى مدى الأيام (مز5:93).  وعندما استشعر يعقوب أن «الرب في هذا المكان» قال: «ما أرهب هذا المكان».  وفي العهد القديم كان يُسمَّى المَقْدِس، وقد حرَّض الرب شعبه قائلاً: «مقدسي تهابون» (لا30:19).

8- وجود نظار للرعاية الروحية (شيوخ وأساقفة)، وشمامسة للعناية بالاحتياجات المادية في الكنيسة (1تي1:3 – 13).     
ونلاحظ أن هذه الخصائص التي تُميِّز بيت الله هي عكس ما نراه في العالم من مبادئ فاسدة على خط مستقيم.
هذا هو بيت الله من المنظور الإلهي كما قصده الله لمجده دون أن تعبث به يد الإنسان.

                             ولحديثنا بقية إذا شاء الرب.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com