عدد رقم 2 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
آفات الضعف الروحي  

«لماذا يا ابن الملك أنت ضعيفٌ هكذا من صباح إلى صباح؟». هكذا سأل يوناداب أمنون، إذ لاحظ الضعف يتسرَّب إلى كيانه، وإن كان يوناداب بحكمته الجسدية أشار على أمنون بمشورة دمَّرته، ووضعته في مصاف السفهاء وهو ابن الملك (2صم13)، إلا أن السؤال ذاته يظل له صدى لدينا كشباب في هذه الأيام: فما أكثر الأوقات التي نشعر فيها بالضعف المتزايد من يومٍ إلى آخر، ولا نلاحظ سوى مظاهر الهزال والوهن، وقد نتساءل بتعجب أين ذهبت طاقتنا وقوتنا؟ أين حماسنا ونشاطنا؟ أين عزيمتنا وإصرارنا؟ وما بنا نرى الشيب قد غطى رؤوسنا؟ وما هي الأسباب التي تجعلنا في هذه الصورة المحزنة؟

 يمكننا أن نركز الإجابة في ثلاث أفكار رئيسية:

1- لقد فقدنا قوتنا لأننا فقدنا طهارتنا، وهذا ما نراه في شمشون (قض16).

2- وفقدنا نضارتنا لأننا فقدنا تمييزنا، وهذا ما نراه في أفرايم (هو7: 9).

3- وفقدنا حماسنا لأننا فقدنا عزيمتنا، وهذا ما نراه في رجال يهوذا (قض15: 11).

أولاً: فقدنا قوتنا، لأننا فقدنا طهارتنا 

كم نتعجب كثيرًا ونحن نرى شمشون صاحب القوة الخارقة يضعف ويصير كواحد من الناس! وإذ يحاول أن ينتفض كعادته لا يعلم أن الرب قد فارقه، وبالتالي القوة قد فارقته! كيف حدث له ذلك؟ إنه لم يكن حادث عرضي أدى به إلى ذلك، بل كان سلسلة من الأحداث المؤسفة أوصلته إلى فقدان قوته، ويمكن أن نلخصها في كلمة واحدة: لقد فقد طهارته.  ودعونا نرى معًا كيف صار ذلك؟
بدأ شمشون بداءة حسنة، إذ نقرأ: «فكبر الصبي، وباركه الرب، وابتدأ روح الرب يحركه في محلة دان، بين صرعة وأشتأول» (قض13: 24).  ما أجمل الثلاثية التي أمامنا: 
لقد نما شمشون وكبر، وترك طور الصبا، 

        لقد حظي شمشون بمباركة الرب نفسه، 

            لقد تميَّز شمشون بتأييد روح الرب الذي كان يحركه!! 

إنها ثلاثية رائعة تتناسب مع من هو نذير للرب من بطن أمه.  لكن كم نتعجب من الذي فعله هذا النذير المميَّز، إذ نقرأ: «ونزل شمشون إلى تمنة ورأى امرأة من بنات الفلسطينيين ... وقال: ... خذاها لي امرأة!!» (14: 1، 2).  لقد فعل أيضًا ثلاثة أمور:  

فقد ترك مكانه إذ نزل إلى تمنة، 

    وتحول عن هدفه إذ رأى امرأة من بنات الفلسطينيين، 

        وتجاهل وصية الرب، إذ رغب أن يتزوج بها مخالفًا لتعليمات الناموس (تث7: 3)! 

ما بالك يا جبار زمانك تترك محلة شعب الرب ”دان“، وتنزل إلى ”تمنة“ حيث محلة الفلسطينيين الغلف؟ ما بالك بدلاً من أن يحركك روح الرب تحركك عيناك إذ نجدك تترك لها العنان لتتطلع على بنات الفلسطينيين؟ ما بالك وأنت النذير والذي عليك أن تحرص في كل تعاملاتك (عد6: 3-9)، نراك تتجاهل وصية صريحة من الرب، وترغب في أن تتزوج من بنات الغلف؟!
ألا تعلم يا ”شمس“ (وهذا معنى اسم شمشون) أن إشراقك يرتبط بوجودك في أرض شعب الرب، وليس في أرض الفلسطينيين، وأن دوام إشراقك يرتبط بتطلعك الدائم إلى النور الإلهي؛ الله في قداسته وبره، لا على بنات الفلسطينيين، وأن شمسك حتمًا ستغرب إن تجاهلت نواميس الله الثابتة؛ وصاياه الكاملة غير المتغيرة، واتجهت في ”مسارك الخاص“ لترتبط بامرأة ليست من شعب الرب؟! لكن بكل أسف هذا ما فعلته، وصار لنا أن نرثيك بكلمات داود: «كيف سقط الجبابرة؟!». 
وإن توقفنا أمام هذا الانحدار الذي انجرف فيه شمشون، وتأملنا قليلاً في تلك الدرجات الثلاث التي نزل فيها نذيرنا المتهاون، نجده بلا شك انحدارًا محفوفًا بالمخاطر، وبتعبير الرب لبلعام «الطريق ورطة»، ولكننا نسمعه وهو يطمئن نفسه قائلاً: وإن كان ما فعلته انزلاقًا فيمكنني تداركه، أو انحدارًا فيمكنني الصعود منه، فالزمام قط لم يفلت من يدي، فأنا صاحب القوة التي لا تُقهر، وشمسي لن تغيب أبدً!  لكن هل حقًّا كان كذلك؟
 لقد كان خطأ من شمشون الذي اعتاد التحرك في أرض شعب الرب أن يذهب إلى أرض الفلسطينيين؟ والذي اعتاد عدم الأكل من العنب بكل صوره، أو لمس ميت حتى لأقرب الناس إليه، أن ينظر إلى بنات الفلسطينيين؟ والذي اعتاد أن يرخي شعره (علامة الخضوع للرب وتنفيذ شريعة النذير)، أن يتزوج زواجًا حتى ولو شرعيًّا، من امرأة ليست من شعب الرب؟ نعم لقد كان خطأ من شمشون أن يتورط في كل هذا، ولكن لم تقف الأمور عند هذا الحد.  لقد كان انحداره زلقًا أكثر مما كان يتخيل، وقد وصل إلى درجات سحيقة ما كان يتوقعها:

أولاً لم يصبح نزوله تمنة نزولاً عابرًا، فالذي كان روح الرب يحركه في محلة دان لا نعد نراه فقط في تمنة، بل أيضًا في ”غزة“، وفي ”وادي سورق“ (16: 1، 4)! والذي عليه أن لا يأكل العنب في كل صوره، منفصلاً تمامًا عن كل مباهج العالم وأفراحه، نراه يولِم وليمة للفلسطينيين (14: 10، 11)! والذي عليه أن يحرص من عدم ملامسة أي شيء نجس نجده لا يتورع من ملامسة جثة أسد ولحي حمار (14: 9؛ 15: 15)؟! والذي عليه أن يحترم ويقدر وصية الرب بعدم الزواج من أممية، نجده ليس فقط يشرع في الزواج من أممية، بل ينحدر إلى ما هو أبشع أن يمارس الزنى مع الفلسطينيات، ليس مرة بل مرَّات (16: 1، 4)! 

أخي الشاب .. هل تشعر أن قوتك تتسرَّب منك؟ هل تشعر بالهزال والضعف الروحي؟ دعني أكون صريحًا معك قليلاً وأسألك: ما هي الأماكن المستحبة لك، والتي تتردَّد عليها الآن كثيرًا؟ أيَّة جلسات تسعى إليها وتبتغيها من قلبك؟ لقد كان شمشون في يومه يتحرك في أرض دان، إلا أنه لم يستمر كذلك وابتغى التغيير وأصبح لا يستهويه سوى الأماكن الذي يكثر فيها الفلسطينيون! وأنت ما الذي يستهويك؟ وما مدى تأثير ذلك عليك؟ ويكفي أن أضع أمامك كلمات المزمور الأول: «طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ».
ما هي أخبار نظراتك؟ لقد نظر شمشون إلى بنات الفلسطينيين، وانتهى به الأمر وقد فقد عينيه، وخرجت دينة في يومها لتنظر بنات الأرض، فلحق بها العار ليوم مماتها (تك34)! فاعلم جيدًا أيها الشاب أن مهما رأت عيناك فلن تكتفي على الإطلاق، وهذا ما أكَّده الحكيم: «كُلُّ الأَنْهَارِ تَجْرِي إِلَى الْبَحْرِ وَالْبَحْرُ لَيْسَ بِمَلآنَ ... الْعَيْنُ لاَ تَشْبَعُ مِنَ النَّظَرِ وَالأُذُنُ لاَ تَمْتَلِئُ مِنَ السَّمْع» (جا1: 7، 8)، واعلم أيضًا أنه مهما تركت لعينيك العنان فلن تسعد وقط لن يدخل السرور إلى قلبك، وهذا أيضًا ما اختبره الحكيم، إذ يقول: «مهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما»، لكنه سريعًا ما يقول: «فإذ الكل باطل وقبض الريح، ولا منفعة تحت الشمس» (جا2: 10، 11). واعلم أخيرًا أنه كم من تأثير خطير بل ومدمِّر سيلحقك إن تركت لعينيك العنان.  استمع معي لكلمات الرب: «سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا» (مت6: 22، 23).
وأخيرًا أسألك، ما مدي تقديرك لوصية الرب، وما مدى سلطانها عليك؟ هل تحترمها وتوقرها، فتحظى بهذا التطويب: «طُوبَى لِلْكَامِلِينَ طَرِيقًا السَّالِكِينَ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ. طُوبَى لِحَافِظِي شَهَادَاتِهِ. مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ يَطْلُبُونَهُ. أَيْضًا لاَ يَرْتَكِبُونَ إِثْمًا. فِي طُرُقِهِ يَسْلُكُونَ» (مز119: 1-3).

ودعني أخيرًا أهمس في أذنك: أن تفقد قوتك هذا أسهل ما يكون.  يكفي أن تترك نفسك على سجيتك فستتسرَّب قوتك وتضعف، وتصير كواحد من الناس! ولكن أن تحتفظ بقوتك، بل وتجعلها تزداد هذا يتطلب الكثير من الحرص والانتباه والثبات. ولتكن كلمات إشعياء نبراسًا وتشجيعًا لك: «اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ» (إش40: 30، 31).
                                                                                يتبع

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com