عدد رقم 3 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نحلة تسكن تحت النخلة  


   «وَدَبُورَةُ امْرَأَةٌ نَبِيَّةٌ زَوْجَةُ لَفِيدُوتَ، هِيَ قَاضِيَةُ إِسْرَائِيلَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ.  وَهِيَ جَالِسَةٌ تَحْتَ نَخْلَةِ دَبُورَةَ بَيْنَ الرَّامَةِ وَبَيْتِ إِيلَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ.  وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَصْعَدُونَ إِلَيْهَا لِلْقَضَاء» (قض4 : 4، 5 ).


   إن الفترة التي يغطيها سفر القضاة قد ظهر فيها فشل الشعب وضعفه وميوله السريعة للزيغان عن الرب وفعل الشر في عينيه.  تلك الفترة التي بدأت بعثنيئيل (أول القضاة)، وخُتمت بصموئيل (آخر القضاة).  وفي الأول نرى قوة الله وفي الأخير نرى استجابة الصلاة.

   خلال هذا السفر يستعرض الروح القدس الرب في قوته ورحمته.  فالرب يدين شعبه وعلى عبيده يشفق.  قوته في إجراء القضاء والتأديب وأيضًا قوته المخلصة، رغم ضعف الأواني التي استخدمها، ورحمته التي تظهر في تجاوبه مع صراخ الشعب وتعاطفه مع ذُلهم، فيقيم لهم قاضيًا ليُخلصهم من يد مضايقيهم. 

   لقد استخدم  الرب الأعسر والأصغر، وصنع خلاصًا بمنساس بقر وقطعة حجر!  بدل الرمح والترس استخدم الأبواق والجرار! وبدل السيف لحي الحمار! استخدم الرب الضعفاء ومنحهم الشجاعة والحكمة في القضاء!  صنع خلاصه بالرجال وأيضًا بالنساء.

   وبنعمة الرب سنتناول شخصية دبورة النبية والقاضية وستنحصر تأملاتنا في ثلاث ثلاثيات كما يلي:

1- ثلاث ملاحظات على نخلة دبورة.

2- ثلاثة مبادئ في حياة دبورة.

3- ثلاثة مجالات في خدمة دبورة.


   أولاً: ثلاث ملاحظات على نخلة دبورة:

   «وَهِيَ جَالِسَةٌ تَحْتَ نَخْلَةِ دَبُورَةَ بَيْنَ الرَّامَةِ وَبَيْتِ إِيلَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ» (قض5:4).

   من (مز92: 12) يُشبَّه الصديق بالنخلة.  ونرى على الأقل ثلاثة أمور تتميَّز بها النخلة:

 1- طولها المتميز   2- استقامتها     3- ثمرها الحلو.

1-   الصديق كالنخلة: ”راقيــًا في أفكاره“ 

له ذهن مجتهد متفكر في أمور الله.  ( دبورة تعني نحلة)، أي نشاط واجتهاد، وأفكار المجتهد تؤول للخصب والثمر.

له ذهن بصير ومستنير بأقوال الله. (زوجة لفيدوت ومعناه "مصباح منير").  وحسن أن تقترن الغيرة والنشاط بالنور والفهم.  «قدموا ... وفي الفضيلة معرفة» (2بط 1 :5).  فالجهاد القانوني هو اجتهاد في أمور الله في نور أقوال الله.

له ذهن متزن ومستقر بسلام الله.  (وهي جالسة تحت نخلة دبورة).  فالنخلة ليست قصبة تحركها الريح بل ثابتة ورأسها مرفوعة نحو السماء.  الصديق له أن يتمتع بسلام الله الذي يحفظ الأفكار والقلوب وسط العواصف لأن له جذورًا عميقة كالنخلة. 


2-   الصديق كالنخلة: ”تقيـــًا في إصراره“ 

تقع نخلة دبورة بين بيت إيل (ما يخص مجد الرب)، والرامة (ما يخص شعب الرب المرتفع)

فالصديق يثابر ويصر من أجل إرضاء سيده وبركة إخوته.

ثباته بعزم القلب فيما يتعلق بمجد الرب وخير الشعب.

استقامته لا تثنيها الريح وعواصف الضيق والتجارب.

لا يخشى الحر والجفاء محتملاً المشقات كجندي محارب.


3- الصديق كالنخلة :  ”نقيــــًا في إثماره“ 

   تقع نخلة دبورة في جبل أفرايم (أفرايم : ثمر في أرض المذلة) 

الصديق ثمره حلو في عالم مُر (تك41: 52).

الصديق يصنع ثمرًا كثيرًا ومستمر (يو15: 16).

الصديق يثمر بعد أتعاب وصبر (لو15:8). 


   ثانيًا: ثلاثة مبادئ في حياة دبورة.


   دبورة كما يعني اسمها (نحلة)، تتضح لنا سماتها: فهي كالنحلة تجتهد أن تتواجد في الجنات والبساتين، وهي أيضًا شجاعة في مواجهة المعتدين، كما أنها تصنع العسل الثمين.  لذا تلمع المبادئ التالية في هذه النبية القاضية. 

 

1- الوجود في المقادس يولد غيرة واجتهاد في عمل الله. 

   تضايق الشعب من عدوهم يابين ملك كنعان (معناه : حكمة)، وسيسرا (معناه : مصطف للحرب) رئيس جيشه.  يابين (صورة للشيطان في دهاء الحية، وسيسرا صورة للشيطان في إرهاب الأسد)  

   أرسلت ودعت باراق (معناه : برق أو نور) بن أبينوعم (معناه أبو النعم)، من قادش (معناه : مقدس)، نفتالي (معناه: صراعات).  هنا نتعلَّم درسًا غاية في الأهمية أن الصراعات في المقادس هي التي ترسل نورًا وتعطي رؤية واضحة لما يريدنا الرب أن نعمله، والرب يجيب ويهب المعونة ليس كناتج طبيعي لصراعاتنا لكن من فيض نعمته فهو مصدر العطايا والمواهب والنعم.  لقد تمخضت صراعات نحميا في الصلاة والصوم لمدة أربعة أشهر برؤية محددة لعمل وصفه بأنه عملٌ عظيم، وأعطاه الرب نعمة في عيني الرجل ملك فارس.

   الوجود أمام الرب والخضوع لمشيئته هو منشأ الجهاد القانوني.  نحن غير مطالبين أن نخدم خدمة معينة فقط لأن لدينا المواهب والقدرات التي تؤهلنا لإنجاز هذه الخدمة أو تلك بل الأهم أن نطيع الرب وأن نكون في مشيئته حتى إن طلب منا أن نقوم بعمل صغير وبسيط فالطاعة أهم من البراعة، كما أن الكد والاجتهاد وحده لا يكفي حتى لو كان بنية صادقة لكن مهم أن يكون وفقًا للمبادئ الإلهية التي نتعلمها من وجودنا في المقادس. 

كانت (دبورة) النحلة النشيطة مقترنة ب( لفيدوت) السراج المنير.


2- النظر بعين الإيمان الذي يرى قدرات الله

 معروف أن النحل يختنق من الدخان.  والدخان يشير لروح الانهزامية والضعف.  لكننا نرى دبورة تمتلئ من الإيمان الذي يرى النصرة قد حسمت لحسابهم من قولها لِبَارَاقَ: " قُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي دَفَعَ فِيهِ الرَّبُّ سِيسَرَا لِيَدِكَ.  أَلَمْ يَخْرُجِ الرَّبُّ قُدَّامَكَ؟" (قض4 : 14).  رأت الرب قد خرج أمامهم إذًا حتمًا الانتصار من نصيبهم.  إن كان سيسرا الذي معنى اسمه "مصطف للحرب" يقينًا لن يقوى على السيد الرب، كذلك آسا الملك عندما علم بغزو زارح الكوشي الذي قام عليه ومعه جيش من مليون محارب، قال للرب في صلاته هذه الحقيقة المشجعة: «أيها الرب أنت إلهنا.  لا يقو عليك إنسان» (2أخ11:14).  نعم رأت دبورة بعين الإيمان أن الرب بطل الحرب قد خرج أمامهم وأن الرب قد دفع أعدائهم ليدهم.


3-    المديح والتسبيح والشهادة العلنية لمجد الله.

سمعت مرة من صديق لديه منحل أن "النحل الذي ينتج عسلاً ويأكله لا يستحق أن يعيش"،  فقلت كم من المرات التي فيها سلبنا الرب حقه أن يأخذ المجد وحده، لكنه في نعمته وطول أناته يعطينا فرصة جديدة لندرك أن الرب وحده الذي يستحق المديح ويستحق أن تتجه إليه الأنظار لأنه هو الذي صنع الانتصار.  شهد العسل في الكتاب يرمز إلى الكلام الحسن الذي نقوله للرب أو نشجع به الآخرين (أم16: 24)، (نش5 : 1، 11:4). 

الرب يستحق أن نغني له من قلوب تقدر عظمة شخصه وجود إحسانه ومعروفه. لقد ترنمت دبورة مع باراق بن أبينوعم، وشهدت: «اسمعوا أيها الملوك وأصغوا أيها العظماء»، وماذا يا ترى موضوع شهادتها سوى عظمة الرب الذي خرج من سعير وصعد من آدوم وأمام وجهه ارتعدت وتزلزلت الجبال (قض3:5 – 5).  

 ثالثاً : ثلاثة مجالات في خدمة دبورة.

      النبية التي تعلن أقوال الله (قض4:4) المواهب الشفهية ( كالتعليم والوعظ .. إلخ) 

     القاضية التي تدبر لشعب الله (قض4 :5) المواهب التدبيرية ( كالتدبير والأعوان .. إلخ)

     الأم التي ترعى بأحشاء الله (قض5: 7) المواهب الرعوية ( الراعي والراحم .. إلخ)


   ألا نرى في هذه المجالات الثلاثة صورة لأنواع الخدم التي يحتاج إليها شعب الرب. 

   تميزت تلك الشخصية بهذه التوجهات التي شملت ما يحتاج إليه قطيع الرب، فهي لم تكن قاضية فقط، ولكنها                       

  كانت أيضًا نبية وأماً حانية في إسرائيل.  ما أندر المواهب الراعوية بالقياس إلى المواهب الشفوية والتدبيرية.

  يا رب أقم بيننا رعاة يكون لهم ذات مشاعرك نحو شعبك، يحبونك ويرعون غنمك. 

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com