عدد رقم 3 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جدعون  


رضى الرب أم الناس؟

«فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ، لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لِلْمَسِيحِ» (غل1: 10)

«وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ الَّذِي لأَبِيكَ، وَاقْطَعِ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ،... فَأَخَذَ جِدْعُونُ عَشْرَةَ رِجَال مِنْ عَبِيدِهِ وَعَمِلَ كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ» (قض6: 25، 27)

واحد من أكبر التحديات التي تواجهنا في طريق التبعية الأمينة للمسيح هي السؤال الفاحص: من الذي نبغي رضاه؟ الرب أم الناس؟ وهذا التحدي يمتد في الواقع ليشمل كل أنشطتنا: الروحية والزمنية، كل أفكارنا وأقوالنا وأعمالنا.  إن اليوم الذي نعيش فيه هو «يوم بشر» (1كو4: 3) أي الذي يسود فيه بمبادئه واستحساناته هو «البشر»، في مقابل يوم قادم عن قريب وعن يقين هو «يوم الرب» أي اليوم الذي يسود فيه الرب بشخصه وبأحكامه.

والواقع أنه في «يوم البشر» ما أصعب أن تسعى لترضي الرب.  فهذا أمرٌ مكلفٌ، ولكنه أمرٌ جوهري.

هذا التحدي كان هو التحدي الأول الذي واجه جدعون عند تلقيه أول إرسالية من ملاك الرب – الذي هو الرب نفسه كما فهمنا قبلاً - في أمر قاطع لا يحتمل التأويل أو الالتباس، «وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ الَّذِي لأَبِيكَ».  يقينًا إن تقوَى جدعون ما كانت لترضى «بمَذْبَحَ للْبَعْلِ» وسط شعب الرب، ولكن أن يكون مذبح البعل هذا هو «لأَبِيه»، وعلى مرأى ومسمع من الجميع الذين معظمهم موالين «للبعل» فهذا هو التحدي الحقيقي!

لقد واجه جدعون في هذا التحدي أمرين غاية في الصعوبة – إنسانيًا...

الأمر الأول: مواجهة الأحباء المقربين، أهل البيت أنفسهم ومعارضتهم، ليس فقط فكريًا، ولا حتى بالكلام واللسان، بل بالعمل والحق، وبالتصرف المباشر «وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ».

الأمر الثاني: مواجهة الأعداء البعيدين، سواء كانوا عبدة البعل، من خارج شعب الله، أو حتى من داخله بكل أسف.  الأمر الذي لتخوف جدعون الإنساني منه، جعله يأخذ له «عَشْرَةَ رِجَال مِنْ عَبِيدِهِ».  صحيح أن هدم مذبح سيحتاج قوة رجال أشداء جسمانيًا، لكن العدد الذي يتحدث عن المسئولية التي وقعت على عاتق جدعون، يوحي بأن جدعون كان، على نحو ما، خائفًا إنسانيًا، وهذا ما يؤكده الوحي نفسه «وَإِذْ كَانَ يَخَافُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَعْمَلَ ذلِكَ نَهَارًا، فَعَمِلَهُ لَيْلاً.» (ع27).

ونحن بدورنا، إن أردنا إرضاء الرب في المقام الأول والأخير، لن يكون طريقنا سهلاً، ولكن المؤكد أنه سيكون مباركًا جدًا نظير جدعون.

نعم قد نواجَه برفض الأحباء ومن أقرب الناس إلينا ومعارضتهم لنا، وهنا الصلاة والحكمة مطلوبتان وبشدة.  فعلينا أن نحسب قرارنا جيدًا، ونذكر كيف أنه على مر التاريخ المقدس وتاريخ الشهادة، كم من مرة تسببت القرابة الجسدية في تعطيل أو تفشيل شهادة خادم واعد، بدءًا من أبي المؤمنين نفسه، إبراهيم، الذي عطله أبوه تارح عن استكمال رحلة خروجه من أور إلى كنعان، طاعة لأمر الرب، وتحقيقًا لمشيئته.

إن «حاران» علامة تحذير فارقة تحتاج إلى تكريس لاوي للرب «الَّذِي قَالَ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ: لَمْ أَرَهُمَا، وَبِإِخْوَتِهِ لَمْ يَعْتَرِفْ، وَأَوْلاَدَهُ لَمْ يَعْرِفْ، بَلْ حَفِظُوا كَلاَمَكَ وَصَانُوا عَهْدَكَ.  يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ، وَإِسْرَائِيلَ نَامُوسَكَ. يَضَعُونَ بَخُورًا فِي أَنْفِكَ، وَمُحْرَقَاتٍ عَلَى مَذْبَحِكَ. بَارِكْ يَارَبُّ قُوَّتَهُ، وَارْتَضِ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. احْطِمْ مُتُونَ مُقَاوِمِيهِ وَمُبْغِضِيهِ حَتَّى لاَ يَقُومُوا». (تث33: 8-11).

ليس معنى هذا بالقطع عدم محبة أو تقدير للأسرة أو العائلة، بل على العكس تمامًا – كما رأينا في الحلقة السابقة.  إن طاعتنا للرب وإن لم تمثل استحسانًا من البعض، فإنها يقينًا تحمل لهم بركة؛ أدركوا ذلك في حينها أو لم يدركوه.

وما ينصرف على العلاقة بالأب ينصرف على العلاقات الأسرية كلها، وفي كل الأحوال «ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس»، حتى لو كانوا أعز الناس، بل دعنا نقول: ينبغي أن نطيع الرب لأنهم - المخالفين لنا - أعز الناس، وقد نتأثر عاطفيًا بهم!

ودعنا نراجع أنفسنا: هل في سبيل إرضاء الأقارب نضحي بالعبادة الصحيحة أو قرار الارتباط الصائب أو العمل الزمني المشوب بالشبهات... وغيرها الكثير والكثير؟ ماذا سينفعنا رضى الأهل، إن كان الرب غير راضٍ؟ إننا حتمًا سنخسر، وهم كذلك يخسرون!!

ويقينًا إن ابتغينا إرضاء سيدنا، فإن البعيدين لن يسرهم ذلك بحال من الأحوال «وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ» (2تي3: 12).  ربما تمتد مقاومتهم لنا من الجانب المعنوي والفكري إلى الكلام اللفظي والإعلامي – بلغة يومنا الحاضر - وقد تمتد كذلك إلى المواجهة المباشرة بالأفعال نظير ما واجهه نحميا في زمانه من مكايد الأعداء المعنوية والمادية على السواء، لكن يقيننا بأن الناس ورضاهم لا يفيدنا بشيء عندما نخسر قيمة حياتنا وتأثيرها، ونفقد بركة رضى الرب علينا وعلى ما نقول ونعمل بكل ما تحمله من بركات متنوعة هنا، وفي الأبدية.

نعم قد نبدو أمام الناس منغلقين فكريًا، أو متخلفين عصريًا، أو محافظين دينيًا، وغير ذلك الكثير، لكن المؤكد أن قرارًا صحيحًا في جانب الرب نتخذه، لاسيما في مطلع شبابنا، سيكون له مردوده المؤكَّد، وتأثيره المُحقَّق على باقي مسار حياتنا.

أحبائي الشباب:

دعونا لا نقبل مطلقًا أن نسلم حياتنا – التي هي أعز وأغلى ما نملك - لأفكار البشر واستحساناتهم حتى ولو كانوا أقرب الناس إلينا.  ولنعلم أن بداية البناء الصحيح هي هدم كل ما هو غير صحيح، ولنثق في أن وجود الرب في صفنا يمنحنا كل ما يلزمنا للمضي في الطريق الصحيح وسط كل المتاهات المضللة، سواء من خارج شعب الله، أو حتى من داخله بكل أسف.


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com