عدد رقم 3 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كن ناضجًا  


تكلمت كلمة الله عن أمور كثيرة كاملة مثل المحبة الكاملة (1يو4: 18)، والفرح الكامل (يو17: 13)، إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رو12: 2)، الأعمال الكاملة (رؤ3: 2 )، والذهن الكامل (1كو14: 20).  وكل هذه الأمثلة وغيرها في الكتاب نفهم منها أن الكمال يعني النضج وعدم النقص، كذلك تكلمت عن الإنسان الكامل أي الناضج.  فبالرغم من أن هذا النضج يأتي تدريجيًا لكنه من الممكن الوصول إليه.  والله من جانبه أعد الوسائل التي بها نستطيع أن نفرحه بنضج حقيقي يشمل جوانب الحياة المختلفة.  ومرحلة النضوج أكبر من مرحلة الإثمار، فالثمر قد يوجد في مؤمن دون أن يصل إلى الإدراك الناضج، فبعمل الروح القدس يستطيع حتى المولود من الله حديثًا أن يثمر، لكن قد لا يكون هذا الشخص في حالة النضج التي تتطلب الكثير من المعاملات الإلهية.  وطريق النضوج لا نهاية له فبولس رغم كل ما وصل إليه من خبرة روحية وشركة مع الرب قال عن نفسه: "ليس أني قد نلت أو صرت كاملاً، ولكني أسعى لعلي أدرك الذي لأجله أدركني أيضًا المسيح يسوع" (في 3:  12).  بالنضوج نصل لحالة نتشبه فيها بالرب وهذا من أهم أنواع الثمر في حياة المؤمن.  "فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت 5: 48)، "ليس التلميذ أفضل من معلمه بل كل من صار كاملاً يكون مثل معلمه" (لو 6: 40).  "إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح" (أف 4:  13).  والنضوج يشمل حياة الإنسان مكتملة نفسيًا وروحيًا وجسديًا، فالنضوج الجسدي يحدث بإكتمال نمو الإنسان جسميًا دون خلل فيستطيع الإنسان حينئذِ أن يقوم بالدور الموكل له دون إعاقة.  ونضج الإنسان نفسيًا يكون عندما يسمو الإنسان في عواطفه من ناحية مسببات أفراحه أو أحزانه، فالطفل يفرح أو يحزن لأقل سبب أما الناضج فليس كذلك.  والنضج النفسي أيضًا يظهر في الإستقرار الداخلي وعدم التزعزع وهذا يتضح في مواقف الحياة المختلفه.  أما النضج الروحي وهو موضوع المقال فيتميز بنمو المؤمن في معرفة الرب والدخول في عمق الشركة معه والتشبه به.

 مجالات النضوج الروحي:

1- نضج في الكلام: "لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا.  إن كان أحد لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل، قادر أن يلجم كل الجسد أيضًا" (يع 3 : 2).  فالشخص الناضج، كلامه من الناحية السلبية لا يسبب عثرة لأحد، لكنه من الناحية الإيجابية يبني الآخرين إذ هو مُصلحٌ بملح.  "ليكن كلامكم كل حين بنعمة مصلحًا بملح لتعلموا كيف يجب أن تجاوبوا كل واحد" (كو4 : 6). فالشخص الناضج يعرف متى يتكلم ومتى يصمت؟ وماذا يقول إذا تكلم؟ إنه الضابط شفتيه.

2- نضج في الذهن: "أيها الإخوة لا تكونوا أولادًا في أذهانكم بل كونوا أولادًا في الشر و أما في الأذهان فكونوا كاملين" (1كو14: 20).  والذهن الكامل هو الذي يستوعب أمور الله ويفهمها ويطبقها في الأمور الحياتية. 

3- نضج في فهم  فكر الله ومشيئته: وهذا الأمر تطلَّب صلاة بلجاجة من أبفراس لأجل إخوة كولوسي إذ قيل عنه: "يسلم عليكم أبفراس الذي هو منكم عبدٌ للمسيح مجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات لكي تثبتوا كاملين وممتلئين في كل مشيئة الله" (كو 4: 12).  فإخوة كولوسي كانوا ناضجين لكن الأمر كان يتطلب الثبات في حالة النضج، والامتلاء من معرفة واختبار مشيئة الله.  فالشخص الممتلئ من فكر الله لا يحتاج أن يُكثر الأسئلة أمام كل قرار يتخذه، ولا يطيل الانتظار في تردد من جهة الإقدام على أمر هو يعرف فيه فكر الله جيدًا.

4- نضج في الفكر والقناعات: "فليفتكر هذا جميع الكاملين منا، وإن افتكرتم شيئًا بخلافه فالله سيعلن لكم هذا أيضًا (في 3 :15).  رسالة فيلبي تتكلم كثيرًا عن الفكر وهو أمر هام لأن كل ما نفكر فيه يخرج في صورة تصرفات وسلوك وكلمات، لذلك من المفيد أن يلاحظ المؤمن أفكاره فهي وإن كانت لا تُرى أمام الناس لكنها تُرى عند إله يفهم الفكر من بعيد "(مز139: 2).  والنضج في الفكر يأتي عندما يخرج الإنسان من التمركز حول ذاته فينتهي عندئذٍ الصراع الداخلي الناتج من تحليل الأمور من منطلق ماذا سيعود للذات من وراء كل أمر من مكسب أو خسارة.  والقناعات الصحيحة تأتي من كلمة الله.

5- النضج في العاطفة: يتحقق عندما يحب الإنسان حبًا حقيقيًا بعواطف مقدسة، وليس مجرد انجذاب أو إعجاب واستلطاف.  والمثال على ذلك يعقوب عندما تقابل مع راحيل وأحبها وانجذب لها بعواطف إنسانية بغض النظر هل هذه العواطف بحسب فكر الرب أم لا.  لكن بعدما نضج يعقوب كوعاء في يدي الفخاري كانت عواطفه تتحرك بحسب فكر الرب، واتضح هذا عندما رفض توجيه يوسف له في موقف بركة منسى وأفرايم، فمع أنه كان يحب يوسف إلاّ أنه لم يخضع لتوجيهه، لأنه في هذا الموقف لم يكن بحسب فكر الرب.

6- النضج في الإرادة: كان يعقوب في مراحل عدم النضج يفعل إرادته الذاتية، فعندما أراد البكورية أخذها بروح انتهازية من أخيه، وعندما أراد البركة أخذها بخداع أبيه، وعندما أراد أن يرتبط براحيل أصر على ذلك حتى لو تطلب الأمر دفع فاتورة مضاعفة، فهو لم يتعلم أن يؤجل رغبته وأن يكبح جماح إرادته.  لكنه عندما نضج روحيًا تعلّم أن يُخضع إرادته لإرادة الرب، وكأنه يقول: "لتكن لا إرادتي بل إرادتك".  فعندما أتى إليه خبر أن يوسف حيٌّ في مصر كنا نتوقع أن يسرع في النزول إليه، لكننا نتعجب عندما نراه يتوقف عند بئر سبع، ويقدم ذبائح، والرب يقول له: "لا تخف من النزول إلى مصر".  وبالتأكيد أن الله رأى المخاوف والتساؤلات التي في قلب يعقوب: هل أنزل إلى مصر أم لا؟ هل نزولي بحسب فكر الرب أم بحسب ميولى الإنسانية؟ هل أنزل لأن يوسف أرسل لي أم أنزل لأن الرب يشجعني ويصادق على ذلك؟ والرب لم يتركه في وسط مخاوفه وطمأنه بالقول: "لا تخف من النزول لمصر"، ومن هنا يتضح نضج يعقوب وهو يتخذ هذا القرار، فالنضج في الإرادة يتحقق عندما نُخضع إرادتنا لإرادة الرب ونتريث في القرارات ولا نصر على رغباتنا بل نترك الرب يقودنا كيفما يريد واثقين أن إرادته صالحة مرضية كاملة.

   رأينا في السمات الثلاث الأخيرة النضج في الجوانب الثلاثة الفكر والعاطفة والإرادة وهم مكونات شخصية الإنسان، وبهذا تكون شخصيته ناضجة ومتكاملة.

 مقومات النضج : 

1-الشبع بكلمة الله: "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهبا لكل عمل صالح" (2تي 3: 16، 17).  فعندما نقرأ كلمة الرب بغرض البحث عن فكره وسماع صوته لا لغرض إرضاء الضمير أو لكي نعظ بها، عندئذٍ تصوغ كلمة الله أذهاننا ونُصبح أشخاصًا كاملين عندنا المؤهل لأن يستخدمنا الله في عمله.

2- الاستفادة من المواهب: أعطى الله المواهب للكنيسة لبنيان ونضج القديسين.  "لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح" (أف 4: 12).  وهذا الغرض شرحه بولس وهو يكتب لإخوة كولوسي بالقول: "الذي ننادي به منذرين كل إنسان، ومعلمين كل إنسان بكل حكمة لكي نُحضر كل إنسان كاملاً في المسيح يسوع" (كو 1: 28).  لذلك يجب علينا أن نقدر الرب الذي أعطانا هذه المواهب ونقدرها كهدايا من الرب لنا ونستفيد منها بدلاً من أن نجعل من أنفسنا حكامًا نصدر أحكامًا على مواهب الخدام، هذا يخدم بالروح وذاك بالجسد، هذا مؤيَّد وذاك غير مؤيَّد، هذا يخدم لأجل الرب وذاك لأجل نفسه، هذا يخدم وخدمته بها بعض الأخطاء وذاك عنده معرفة كتابية  جيدة.  وفي وسط هذه التحليلات ضاعت الفوائد التي كان الرب يقصدها لنا من وراء استخدام مواهبهم.

3- التجارب المتنوعة: التجارب غير مستحبة لدينا لكنها ضرورية لكي ننضج.  لهذا قد يستلزم الأمر أن نُحزَن بتجارب متنوعة من يد الله.  والله الحكيم يعرف كيف يتعامل مع الآنية بكل ما فيها من ضعفات ونقائص لكي يحقق النضوج المطلوب.  "احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة... وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء" (يع 1: 2- 4).  وطبقًا لتجاوبنا واستفادتنا من هذه التجارب يحقق الله قصده فينا ويُغيرنا ويُشكل في أوانينا لنصبح مشابهين صورة ابنه ونحن هنا على الأرض، وإلا فلن نجني من وراء هذه التجارب سوى نيرانها، ولن يُحقق الله غرضه من ورائها.  فلهذا لا نتعجب عندما يكرر الله معنا ذات الدروس وجرعات الألم مرة ومرات.  لهذا يجب علينا عندما لا نفهم الغرض من وراء التجارب أن نطلب حكمة من الرب الذي سيعطيها لنا بسخاء لنفهم الغرض المبارك من وراء كل ألم، فنتجاوب عندئذ مع يدي الفخاري ويتحقق قصده من ورائها.

4- حمل النير مبكرًا: "جيد للرجل أن يحمل النير في صباه" (مرا 3: 27) تَحمُّل المسئوليات مبكرًا لا يحنينا بل يصنع منا رجالاً قادرين بنعمة الله أن يتحملوا مسئوليات أكبر، فلا يجب أن نهرب من التحديات بل نواجهها بثقة مكتسبة من الخبرة الحياتية في الماضي.                                                                             


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com