عدد رقم 3 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الرئيس خلف القضبان!  


صدق أو لا تصدق

   من يستطيع أن يصدق أن نفس الرئيس الذي ظل متربعًا على عرش البلاد لمدة ثلاثة عقود متواصلة ينتقل من القصر الرئاسي إلى القفص ثم إلى السجن المؤبد؟

   من يستطيع أن يصدق أن ذاك الذي كان ينحني أمامه الجميع طالبين رضاه مقدمين له فروض الولاء والطاعة, يجيب هو بنفسه كمُتهم من داخل القفص على قاضيه: (أفندم).

   من يستطيع أن يصدق أن ذلك الرئيس الذي كان ينظر إليه الجميع هو وأولاده باعتبارهم رمزًا للعظمة والمجد والسلطان والغنى والشهرة والصيت, ينظرون إليه أيضًا هو وأولاده في هذا الوضع المخزي كمتهمين ومحبوسين خلف القضبان؟

   من يستطيع أن يصدق أن ذاك الذي كان معه الأمر والنهي والحكم والقضاء ينتظر داخل القفص الحكم عليه ملتمسًا وراجيًا الرحمة من قاضيه.

   من يصدق أن ذاك الذي كانت الأشعار والأناشيد تُكتب عنه والأغاني تُغنَّى له، يأتي اليوم الذي نسمع فيه أصعب الكلمات تُقال عنه وأقسى الإهانات توجه إليه وليس من يدافع.

................ من يصدق؟؟؟

   إذا لم نصدق فهذا دليل على أننا ما زلنا ننخدع بالعيان, ولم نتعلَّم أن نصدق المكتوب بالإيمان؛ فتعالوا لنتعلَّم من جديد من خلال هذه الأحداث في محضر ذاك الذي كل شهاداته صادقة، ما الذي سبقت كلمته وعلَّمته إيانا لعلنا نتعلَّم، عندما تقترن أمامنا الصورة الواقعية بالتعليم الكتابي الواضح، فلا نعود نُخدع بالعيان ونعرف أن كلامه هو حق:

1. زوال وبطلان المجد, الغنى, السلطان في هذا العالم:

   كم مرة سمعنا هذا الدرس: «كل جسدٍ كعشب، وكل مجد إنسانٍ كزهر عشب.  العشب يبس وزهره سقط» (1بط1: 24)، «لا تغر من الأشرار، ولا تحسد عمال الإثم، فإنهم مثل الحشيش سريعًا يُقطعون ومثل العشب الأخضر يذبلون» (مز1:37، 2)، «رأيت الشرير عاتيًا وارفًا مثل شجرة شارقة ناضرة.  عبر فإذا هو ليس بموجود، والتمسته فلم يوجد» (مز35:37، 36)، «العالم يمضي وشهوته» (1يو2: 17)، «هيئة هذا العالم تزول» (1كو7: 31).  لكننا لم نتعلَّم وظللنا نعتبر أن ما في هذا العالم من مقتنيات هي أشياء عظيمة ومجيدة وثابتة وجديرة بالامتلاك، حسدنا من يملكها، ورثينا لأنفسنا لأننا لا نمتلكها.  لكن ها الأيام تؤكد صدق كلمته وكذب تصوراتنا التي صورها لنا الشيطان والعالم، فالمجد قد زال والمال قد ولى والسمعة قد ضاعت والسلطان قد انتهى.  ولعلنا نتذكر ما حدث مع نبوخذنصر الذي زال عنه المُلك، وطُرد من بين الناس، وسكن مع حيوان البَر سبعة أزمنة عندما ارتفع قلبه (دا4). 

 

الكل   يمضي     ويزول لا شيء يبقى لا يحول

لا يبقى عشب في الحقول والزهر  أيضًا  للذبول

يا  رب   أنت     وحدك تبقى     وكلها     تبيد

لا  دوران   لا     تغيير فيك  يا  سيدي  المجيد


2. رياء ونفاق أهل هذا العالم:

   (خيانة الأصدقاء – الرياء ومحاولة تملق الرؤساء وأصحاب السلطة بحثًا عن منفعة من ورائهم أو اتقاءً لشرهم – السير مع التيار وموافقة الكبار رغم عدم مصداقيتهم في كل ما قالوه وفعلوه سابقًا).  أليست كل هذه ثوابت كتابية يصف الله بها الإنسان ليظهر فساده وشره، لكننا لا نلبث أن ننسى كل هذه التعاليم ونعود لنرجو الخير من الإنسان وننتظر وفاء الأصدقاء – وها الرب يعيد علينا الدرس مرة أخرى، من خلال ما يحدث أمامنا من مشاهد ليؤكد لنا أنه باطلٌ هو وفاء وإخلاص الإنسان, وأن نفس الناس المهللين قد ينقلبوا في لحظة ليصبحوا أعداء.  وهذا ما حدث مع السيد نفسه عندما استقبلته الجموع وهو داخل إلى أورشليم بالهتافات والترحاب، وبعد أيام قليلة هم أنفسهم صرخوا قائلين لبيلاطس: اصلبه .. اصلبه!

   يا ليتنا نكف عن محاولات إرضاء الناس ولنعلم أنه لن يكفينا في ظروف حياتنا المختلفة والمتقلبة غير الرب الذي سيبقى لنا الخل الوفي على مر الزمان. 

صديق يمضي و الجفاء                 يسود من بعد الوفاء

وفاؤه    بدا       وفاء                 الآن  صار  كالهباء

لكنك    رب     السماء                 أوفى من كل الأوفياء

ففي   يسوع     الألزق                 من إخوتي لي العزاء


3. القضاء على العمل الرديء لا يُجري سريعًا (جا8: 11) لكنه لا بد أن يأتي:

   مبدأ الزرع والحصاد, حكومة الله البارة، الرب الديان العادل الذي يجري العدل والقضاء لجميع المظلومين – هذه الحقائق الكتابية وغيرها كم تفقد قوتها وتأثيرها على حياتنا بسبب رؤية الأشرار ينجحون، بينما الكثير من المؤمنين يُعانون ويُظلَمون، وهذا قد ينشئ الشعور بعدم جدوى تقوى الرب والعيشة بالأمانة له، في ظل رؤية الأشرار يفترون وينجون من العقاب، بل ويتعظمون وهم مستريحون إلى الدهر يكثرون ثروة.  لقد حدث هذا مع آساف من قبلنا وهو خارج المقادس حيث اختل اتزانه وغار من الأشرار، لكنه أخيرًا عرف حقيقة نهايتهم وكيف صاروا للخراب بغتة (مز73).  وتبقى الحقيقة أنه مهما طال الزمان ومهما تعظم الأشرار, فلا بد أن يأتي الوقت الذي فيه يدين الله الشر بالعدل، ليحصد كل إنسان نتيجة ما زرعه؛ فلنعش بالأمانة منتظرين المدح والمكافأة من الرب وحده، وحتى إن لم يحدث هذا في الزمان فلا بد أن يحدث في المستقبل أمام كرسي المسيح.

4. سلطان الله الذي يتحكم في الأمور:

   دعونا نفكر في هذا لو أن الرئيس مات قبل الثورة بأسابيع قليلة، ماذا كان سيحدث؟ حتمًا كان سيُكرَّم أعظم تكريم، وتُعمل له جنازة ملكية على أرفع مستوى يحضرها كل الملوك والرؤساء والأصدقاء من كل العالم، وكان الناس سيبكون عليه ويقولون فيه كل الأشعار، وسيخلدون اسمه بطرق مختلفة.  لكن هذا لم يحدث.  ولو مات أثناء المحاكمات كان سيسقط عنه الحكم نهائيًا.  لكن هذا أيضًا لم يحدث.  كان بمقدوره الهروب أو اللجوء إلى إحدى الدول الصديقة في بداية أحداث الثورة، وقد جاءته عدة دعوات بذلك من أصدقاء ورؤساء كثيرين، وكان يمكن تبرير ذلك أنه سافر للعلاج.  وبالتأكيد كان هذا سيُجنبه كل المواقف الصعبة التي تعرض لها.  لكن هذا أيضًا لم يحدث.  والسؤال هو لماذا؟ الجواب بكل يقين أن الله صاحب السلطان قصد ذلك.  إنه عادل وبار ويعرف أكثر كثيرًا مما نعرف نحن، وقد قال: «حاشا لي! فإني أكرم الذين يكرمونني، والذين يحتقرونني يصغرون» (1صم30:2).  إنه يصبر على شر الإنسان طويلاً ولكن عندما يكتمل مكيال الإثم سيأتي القضاء ولا مخرج.  «هذه صنعتَ وسكتُّ، ظننتَ أني مثلك.  أوبخك وأصف خطاياك أمام عينيك.  افهموا هذا يا أيها الناسون الله لئلا أفترسكم ولا منقذ» (مز21:50 ،22).

5. أدلة الإثبات في القضية:

   تستند المحكمة في حكمها على الأدلة الثابتة التي تقنع ضمير القضاة بصحة الأحداث والجرائم المنسوبة للمتهمين.  وفي قضية الرئيس ونجليه ومعاونيه ضاعت الوثائق والمستندات والتسجيلات وأمكن إخفاء الحقائق في كثير من البنود والتهم.  والمحكمة لا تأخذ بالأقوال الشفوية والانفعالات العاطفية بل بالأوراق الرسمية.  وحيث لم تتوفر الإثباتات الرسمية فقد حكمت المحكمة بالبراءة في بعض التهم لعدم توفر الأدلة.  لكن هذا لا يحدث في محكمة العدل الإلهية، حيث أن الله بنفسه هو الشاهد والمسجل لكل الوقائع وهو الذي سيحضر كل عمل إلى الدينونة، وسيدين المسكونة بالعدل.  سيدين سرائر الناس وكل ما عُمل في الخفاء.  وسيعاقب جميع الفجار على جميع أعمال فجورهم وعلى جميع الكلمات الصعبة التي نطق بها عليه خطاة فجار.  

6. الحسنات لا تذهبن السيئات:

   قال شهود العيان أن الرئيس بكى عندما علم أنه سيذهب إلى مستشفى السجن في طُرة، وأن من معه بكوا متعاطفين معه، وأنه استعرض كل الخير الذي عمله لهذا البلد في الحرب والسلم، وكل الإنجازات التي حققها لمصر، فكيف تكون هذه هي المجازاة، وكيف لم تشفع له كل الحسنات التي عملها لتمحوا السيئات والمخالفات التي ارتكبها؟ قد يكون هذا منطقيًا ومقبولاً عند الناس، ولكن أمام القانون لا جدوى له على الإطلاق.  فمن خالف القانون يستوجب الإدانة.  ويا له من درس للجميع! إن كانت المحكمة الأرضية لم تقبل هذا فكيف يمكن أن الله البار يقبله؟! إن «أجرة الخطية هي موت» (رو24:6) والحسنات لا تكفر عن الذنوب والسيئات.

7. الحُكم الإلهي لا يسقط بالتقادم:

   في حيثيات الحُكم بالبراءة للمتهمين في بعض التُّهم المنسوبة إليهم، مع أن التُّهم ثابتة عليهم بالأدلة، إلا أنها سقطت بالتقادم بمرور عدد من السنين طبقًا لنصٍ في القانون.  لكن هذا غير وارد مُطلقًا في القوانين الإلهية، فالسنين لا تُسقط العقوبة.  فنقرأ عن مشهد دينونة الأشرار الأموات أمام العرش العظيم الأبيض هذا القول: «وانفتحت أسفار ... ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم» (رؤ12:20).  ونفس الشيء عن دينونة الأحياء نقرأ القول: «وفُتحتْ الأسفار» (دا10:7).  إنها حقيقة مؤكدة يجب أن يعرفها كل إنسان أن الله لا ينسى، وأنه يُسجل ويُحصي كل الخطايا، ولا شيء يُمحَى مما كتبه الله، وأمام الديان سيستد كل فم.  لكنها حقيقة أيضًا مؤكدة أن الله الذي سجل هو نفسه الذي يستطيع أن يمحو ويعفو متغاضيًا عن أزمنة الجهل إذا تاب الإنسان الآن ورجع إليه بالإيمان واثقًا في كفاية دم المسيح الذي يطهر من كل خطية.  


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com