عدد رقم 5 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
موسى كخادم 3- الخادم ومعركة الذهن  
   من البديهي أن لا يقف العدو مكتوف الأيدي إزاء إعداد الله للخادم وإدراك الخادم لحقيقة وأهمية إرساليته، بل إنه يشن حربًا شرسة على مثل هؤلاء الذين قرروا تلبية الدعوة للخدمة ويكون الذهن هو أرض المعركة حيث تصارع أفكار الشيطان ومبادئ العالم بل وحتى ما يفرضه المنطق الطبيعى - كل هذا – يصارع ما يعلنه الله لخادمه.  فمن ناحية إن كان الشيطان يحارب كل أولاد الله إلا أنه يكثف الحرب على من يريد خدمة السيد ومن الناحية الأخرى إن كانت حرب الشيطان على كافة الأصعدة النفسية والعاطفية بل وحتى الظروف المادية إلا أنه يركز الهجوم على دائرة الذهن ويوجه أفكاره كسهام ملتهبة عسى أن ينجح فى يُفشِّل الخادم ويثنيه عن أداء المهمة العظمى.  أ فليس هذا عين ما فعله مع شخص ربنا يسوع كالخادم المثالي إذ جُرِّب أربعين يومًا في البرية، فيها كثف الشيطان حربه التى كانت في جوهرها حربًا ذهنية قبيل خروج الرب يسوع للخدمة، مستخدمًا كافة الأساليب من ترغيب وتشكيك ومساومة، ويقينًا هذا ما فعله الشيطان مع موسى بل ومع كل خدام الله الأمناء.  "ولكن شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته فى كل مكان" (2كو14:2).
  فقد رأينا كيف تواردت لذهن موسى أفكار متضاربة بشأن نفسه وبشأن شعبه وبشأن الله أيضًا، وسمعنا تشجيعات الله له وإزالة الريبة والشك والحيرة من ذهنه.  هذا من جهة ما أعلنه موسى أمام الله من خواطر مفزعة، ولكن الله فى أمانته لم يجب فقط على ما أعلنه موسى من مخاوف، ولكن لأنه يعرف خفايا القلوب ويكشف السرائر، أجاب موسى لا فيما أظهره فقط من مخاوف بل وما لم يعلنه أيضًا.  إذ من يعرف ما يدور فى أعماقنا حتى دون أن نتكلم إلا ذاك الذى يفهم أفكارنا من بعيد، لأنه ليس كلمة فى ألسنتنا إلا وقد عرفها كلها.  وها نحن نستعرض بعض من الأفكار التى راودت موسى لتُثنيه عن إتمام مشيئة الله، كما نرى كيف أغاث الرب موسى وأزال جبالاَ من الشكوك بكلمة وأنقذه من سهام إبليس الملتهبة.  وإليك بعض الأمثلة لهذه السهام. 

 1- السهم الأول: من الطبيعى أن تدور فى ذهن موسى أفكار متعلقة بسنه وهو الآن متقدم فى الأيام يناهز الثمانين من العمر. ولهذا العمر تحديدًا مدلول عميق في نظر موسى الذي يقر بلسانه قائلاً: "أيام سنينا هى سبعون سنة وإن كانت مع القوة فثمانون سنة وأفخرها تعب وبلية، لأنها تُقرض سريعًا فنطير" (مز 10:90).  هذه هي نظرة موسى الطبيعية للحياة التي هي الآن قاب قوسين أو أدنى من نهايتها.  وهنا في هذا التوقيت يدعوه الله لا لخدمة بسيطة تناسب أيام الشيخوخة بل لقيادة الشعب فى البرية.  وها أنا أستشعر موسى يضحك في باطنه كسارة ولسان حاله أبعد فنائي يكون لي تنعم، وهل أصلح لقيادة الشعب.  لقد انقرضت الأيام سريعًا وضاع العمر هباءً وفنيت القوة تمامًا، أنا لا أصلح لهذه المهمة.
  وهنا تأتي اللحظة المناسبة للشيطان ليلقي بسهمه المحموم قائلاً له: إن كنت فشلت وأنت في ريعان الشباب، أ تنجح وأنت شيخ هرم؟ لقد كانت خزائن مصر تحت إمرتك، والآن أنت لا تملك من حطام الدنيا إلا عصا تتوكأ عليها.  من الأشرف لك يا موسى أن تتنحى تمامًا ونهائيًا فأنت لن تتحمل الانكسار مرة أخرى.

   صديقي .. ربما لم يتحدث موسى بشفتيه عن مسألة سنه المتقدم لكن من المؤكد أن الله يعرف ما يدور في أذهاننا دون أن نتكلم، وحتمًا لن يتركنا لظنون إبليس تنهش أذهاننا، بل يجهز أسلحة محاربتنا لتكون قادرة بالله على هدم حصون هادمين ظنونًا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله، ومستأسرين كل فكر لطاعة المسيح.  ولعل أول وأهم هذه الأسلحة هو كلمة الله، ولكن من العجيب بحق هو كم كلمة نحتاجها لتزيل هذا الكم من الشكوك وعدم الإيمان.  ربما آلاف المواعيد البشرية لا تجدى نفعًا، ويظل كلام الإنسان مجرد كلام لا يشفي ولكن كلمة واحدة تخرج من فم الله تحيي.  لقد أجاب الله موسى دون أن يسأله قائلاً له: "أنا إله إبراهيم" فيا لعظم قدرة الله الذى يستطيع أن يغيث المعيي بكلمة، ويا لها من كلمة شافية كافية وافية حيث أن الله لا يعتريه تغيير ولا ظل دوران.  وإن كان إبراهيم شيخًا متقدمًا في الأيام إلا أن هذا لم يقف حائلاً أمام تنفيذ الله لمواعيده بل كان يريد الله أن يؤكد لإبراهيم ولموسى ولكل منا أن نهايات الإنسان هي بدايات الله.

 2-السهم الثاني: ربما فكر موسى ولو للحظات في فرعون والمصريين الذين يطالبه الله الآن بمواجهتهم والوقوف أمامهم حيث يأمره الله قائلاً: "فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبى بنى إسرائيل من مصر" (خر10:3).  وهنا يتذكر موسى فرعون بقساوته وجبروته، بعظمته وسلطانه فيا للهول! وكيف سيقف موسى أمامه لا ليعتذر عن خروجه هاربًا بل ليحدثه عن خروج الشعب بأكمله، فهل هذا من الحكمة؟!!

   وهنا تسنح الفرصة مرة أخرى للشيطان ليرمي سهمًا آخر قائلاً: يا موسى أين صوت العقل أ تقف أمام دبابات بشرية، يجب أن تتروَّى وتتأنى، بالتأكيد أنت لن تقوى على مواجهتهم، وربما يقتلونك، فلا تندفع.  ولكن في اللحظة المناسبة تمامًا تأتي كلمة الله: "أنا إله إسحاق" وكما عظَّمت إسحاق في أعين الفلسطينيين أعظمك يا موسى في أعين المصريين.  وكما انحنى أبيمالك وأحزات وفيكول أمامه سينحني فرعون وأتباعه أمامك.  بحق "إن كان الله معنا فمن علينا". 

 3-السهم الثالث: مازالت معركة الذهن مستمرة وحين يفكر موسى فى تلبية الدعوة يطارده شبح الماضي فيتراجع حين يتذكر اندفاعه الخاطئ قبل أربعين سنة وتسرعه في قتل المصري وفراره من أرض مصر وهو يجر أذيال الخيبة.  وهل من فرصة مواتية للشيطان كهذه تترك فيقول له: أنت كما أنت يا موسى لن تتغير أراك بنفس العيوب القاتلة.  أين ستذهب؟! هل لتخدم الله وأنت حاد الطباع ومتسرع؟ أفلا ترى أنك مندفع وسريع الانفعال؟ يمكنك الآن أن تعتذر عن إتمام هذه المأمورية.  لكننا نرى مرة أخرى كلمة الله المشجعة حين يقول: "أنا إله يعقوب"، وهل هناك إناء أصعب من يعقوب؟ أم نسيت أننى الفخاري العظيم؟ أنا لا أطرح الإناء حين يفسد بل أعود وأعمله وعاء آخر.  أنا من غيرت يعقوب إلى إسرائيل وما زلت أغير وأشكل.  لن تكون مندفعًا يا موسى فيما بعد بل ستتحرك في التوقيت المناسب، ولن تكون حاد الطباع سريع الإنفعال بل حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه كل الأرض.  ومازال الله يشكل فى أونينا، أفلا نخضع ليده الحكيمة .

   صديقي: سيظل الشيطان يحاربنا وسيظل الذهن أرضًا مناسبة لهذه الحرب فلا تسقط أمام ما يرميه إبليس من سهامه، بل بكلمة الله ومواعيده جدد ذهنك لتختبر مشيئته ولتسمع صوته الواضح حين ظهر لتلاميذه: "فقال لهم ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم"؟ (لو38:24).  فلنتمتع بسلام الله الذي يفوق كل عقل حافظًا قلوبنا وأفكارنا في المسيح يسوع.                                                                         

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com