عدد رقم 5 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جدعون  
إله يحارب لمصلحة شعبه
وآلهة يقاتل الناس لأجلها!
(قض6: 28-40)
بعد أن هدم جدعون مذبح البعل الذي لأبيه، ثم بنى مذبحًا للرب الإله على رأس الحصن «بترتيب» صرنا إزاء مواجهة مزدوجة في هذا الإصحاح: بين الآلهة الوثنية التي يقاتل الناس لأجلها ولأجل الدفاع عن وجودها، وبين الإله الحي الحقيقي الذي يحامي ويحارب لمصلحة شعبه.  ولأن هذه الصورة المتناقضة ممتدة عبر التاريخ البشري، ونراها بوضوح شديد اليوم، وجب علينا التوقف إزاءها.

آلهة تحتاج إلى المدافعين عن بقائها!
«فبكر أهل المدينة في الغد..... فَدَعَاهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ «يَرُبَّعْلَ» قَائِلاً: «لِيُقَاتِلْهُ الْبَعْلُ لأَنَّهُ قَدْ هَدَمَ مَذْبَحَهُ». (ع28-32) أي إله ذلك الذي يُهدَم مذبحه وتُقطَع ساريته ولا يملك من أمره شيئًا؟ أليس عجيبًا أن يكون بحاجة إلى أن يتشدد له المتدينون إلى الدرجة التي يبحثون فيها عن من قام بهذا العمل لا ليسألوه بالحسنى أو ليقاضوه بالقانون، بل «ليقتلوه»؟! هذا عين ديانة الشيطان، ديانة قايين، أول متدين في التاريخ، وأول قاتل كذلك.  نفس الأمر تكرر على مر التاريخ حتى وصل إلى القمة – أعني ارتباط التدين الخاطئ بالقتل- في جريمة صلب المسيح، فالذين هتفوا أمام الحاكم الروماني «اصلبه اصلبه .. دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا» (مت 27: 25) كانوا هم اليهود المتدينين! وإنني بالحق لأندهش لدهشة كثير من المؤمنين اليوم مما يروه من ارتباط واضح بين التدين الخاطئ، وبين القسوة المؤدية إلى القتل النفسي أو الجسدي أو كليهما.  فالأمر في الحقيقة ليس فيه أي جديد! فالبعل دائمًا يحتاج إلى مدافعين عن وجوده، ومذبحه وساريته وعبادته وشريعته....الخ.

وكان منطق يوآش – والد جدعون- قويًا عندما قال لهم «أَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ لِلْبَعْلِ، أَمْ أَنْتُمْ تُخَلِّصُونَهُ؟ مَنْ يُقَاتِلْ لَهُ يُقْتَلْ فِي هذَا الصَّبَاحِ.  إِنْ كَانَ إِلهًا فَلْيُقَاتِلْ لِنَفْسِهِ لأَنَّ مَذْبَحَهُ قَدْ هُدِمَ» (ع31).

إله يحارب لمصلحة شعبه:
وما أبعد المفارقة هنا بين «البعل» الذي يحتاج إلى من يحارب عنه ويخلصه، وبين الرب الإله الذي منذ القديم عرفناه «الرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ» (خر14:14) «للرب الخلاص» (يون2: 9) «وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (مت1: 21).

لقد «اجْتَمَعَ جَمِيعُ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةِ وَبَنِي الْمَشْرِقِ مَعًا وَعَبَرُوا وَنَزَلُوا فِي وَادِي يِزْرَعِيلَ» (ع33، 35) لكن جدعون هنا لم يلجأ لأعدائه لكي يقاتل عن الرب أو يحامي عنه، حاشا وكلا، بل لجأ إلى الرب مباشرة الذي منه الخلاص وعنده الحماية ولديه الاستجابة في كل مثل هذه الأحوال.

وجاءت إجابة الرب على تساؤلات جدعون مزدوجة تأكيدًا على أن الرب سيخلص إسرائيل بيد جدعون (وليس أن جدعون سيخلص الرب بيد إسرائيل كما يحدث في جميع الحالات المرتبطة بالآلهة المزيفة).

فكان الطل على الجزة وحدها، وحولها جفاف على كل الأرض «وَكَانَ كَذلِكَ» (ع38) في المرة الأولى.  

أما في المرة الثانية فكان جفاف على الجزة وحدها وعلى كل الأرض ليكن طل «فَفَعَلَ الله كَذلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ.» (ع40).

والصورة على كلا الجانبين تحمل رمزًا جميلاً لتجسد ربنا يسوع المسيح وموته الكفاري على الصليب بالتتابع وبالترتيب.

فبالتجسد رأينا المسيح «الجزة» وحدها عليها طل، وعلى كل الأرض جفاف.  وهذا أمر طبيعي ومتوقع «كان كذلك».  أما في الصليب، وتحديدًا في ساعات الكفارة والظلمة المعجزية، فكان الجفاف على الجزة وحدها، ليمكن أن يأتي الطل على كل الأرض.  وهذا بالحق أمر عجيب، لكن الله فعله «ففعل الله كذلك».  ليخلص الإنسان، ويبرر الديان، وينهزم الشيطان في موقعة الدهور كلها؛ في الجلجثة.

أحبائي الشباب:
سيظل الصليب، والصليب وحده هو الذي يكشف حقيقة كل شيء وكل شخص، ويعلن لنا من هو الله.  وهذا هو الدرس الروحي العميق والأبدي، أما الدرس الآخر العاجل والعملي هو:
دعونا لا نندهش مطلقًا لا من صورة المدافعين المتشنجين عن آلهتهم التي لا تملك قدرة الدفاع عن نفسها من الجانب الواحد، ولا نندهش من تدخل الله المعجزي مستخدمًا الأضعف والأصغر والأقل والأكثر تشككًا نظير جدعون ليصنع به الرب خلاصًا عظيمًا لبركة أتقيائه وخير شعبه.  فهاتان الصورتان المتناقضتان معًا سيستمران في المواجهة حتى الوقت القريب والسعيد عندما تكون مشيئة الله كما في السماء، كذلك على الأرض، يوم يملك المسيح.
                                                   له كل المجد

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com