عدد رقم 5 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أَبْشَالُوم والثورة ... ودروس هامة (2صم15-18)  
خامسًا: حذار من الطلاء الديني الخادع ... ومن الكاريزما الشخصية المُزيفة ..
(2صم15: 1-12)
ذكرنا فيما سبق إهمال داود لممارسة التأديب في بيته، وتعدِّيه لوصايا الله في القصاص من المُخطئ بحسب ناموس الله (2صم13، 14).  لقد أهمل عقاب أَمْنُون الذي خدعه، واغتصب أخته ثامار، وصار واحدًا من السفهاء في إسرائيل! وأيضًا عفا عن أَبْشَالُوم – القاتل غير التائب – الذي قتل أَمْنُون (2صم13).

وفي 2صموئيل 15 نرى كيف يُدبِّر أَبْشَالُوم القاتل أن يقتل الملك! فهكذا خطط أَبْشَالُوم الشرير بعناية، يومًا بعد يوم، تلك الثورة على دَاوُد.  «وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ أَبْشَالُومَ اتَّخَذَ مَرْكَبَةً وَخَيْلاً وَخَمْسِينَ رَجُلاً يَجْرُونَ قُدَّامَهُ» (2صم15: 1)، متغاضيًا عن وصية الرب للملك أن «لا يُكَثِّرْ لهُ الخَيْل» (تث17: 16؛ 1صم8: 11، 12؛ 1مل1: 5).  ولكن أَبْشَالُوم لا تعنيه وصايا الرب.  ومما لا شك فيه أن منظر المركبة والخيل وخمسين رجلاً يركضون أمامه، قد جعله يكتسب إعجاب الشعب.

وكان أَبْشَالُومُ يُبكر ويقف عند باب المدينة؛ مكان فض المنازعات واتخاذ القرارات والأحكام (2صم15: 2؛ تك19: 1؛ 23: 10، 18؛ 34: 20؛ را4: 1)، ليُقابل كل واحد له دعوى يُريد الحكم فيها.  فكان يُرحب به، ويُقَبِّلُهُ، ثم يسأله عن الأمر الذي دعاه للحضور إلى أورشليم، ومن ثم يُعرّفه أن أباه ليس أهلاً لإنصافه، لكن لو كانت السلطة في يده لكان قد أنصف كل مَنْ له خصومة ودعوى (2صم15: 2-6).  وما أظهره أَبْشَالُوم من اهتمام شخصي بمصالح الناس، ورغبة في حل مشاكلهم، وتظاهره بالعطف عليهم، إذ كان يُرحب بهم ويُقَبِّلُهُم كلما جاءوا إليه طالبين مشورته، كل ذلك جعله مُقرَّبًا للشعب، وصار محبوبًا لرجال إسرائيل.  ويا له مِن سياسي بارع!

ولاحظ الطريقة التي كان أَبْشَالُومُ يعمل بها لمدة أربع سنوات (2صم15: 7)؛ إنه يستثير كراهية وعداوة الشعب ضد داود مسيح الرب، ويشتكي ضده.  وبدأ يخلق احتياج في قلوب رجال إسرائيل «وَكَانَ أَبْشَالُومُ يُبَكِّرُ وَيَقِفُ بِجَانِبِ طَرِيقِ الْبَابِ، وَكُلُّ صَاحِبِ دَعْوَى آتٍ إِلَى الْمَلِكِ لأَجْلِ الْحُكْمِ، كَانَ أَبْشَالُومُ يَدْعُوهُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: مِنْ أَيَّةِ مَدِينَةٍ أَنْتَ؟ ... انْظُرْ.  أُمُورُكَ صَالِحَةٌ وَمُسْتَقِيمَةٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ مَنْ يَسْمَعُ لَكَ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ.  ثُمَّ يَقُولُ أَبْشَالُومُ: مَنْ يَجْعَلُنِي قَاضِيًا فِي الأَرْضِ فَيَأْتِيَ إِلَيَّ كُلُّ إِنْسَانٍ لَهُ خُصُومَةٌ وَدَعْوَى فَأُنْصِفَهُ؟  وَكَانَ إِذَا تَقَدَّمَ أَحَدٌ لِيَسْجُدَ لَهُ، يَمُدُّ يَدَهُ وَيُمْسِكُهُ وَيُقَبِّلُهُ ... فَاسْتَرَقَ أَبْشَالُومُ قُلُوبَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ» (2صم15: 2-6). 

فأسلوب العدو هو أن يخلق أولاً الاحتياج، ويُنشئ فراغًا، ثم يُتابع ملئه بشيء ما، أو بشخص ما، من تدبيره هو.  ولكن أولئك الذين كانت قلوبهم مكتفية وشبعانة بداود، لم يكن لديهم مكانًا لأَبْشَالُوم.

وإن هذا المبدأ يصلح تطبيقه على قلوبنا مِن نحو المسيح؛ فإذا كنا ممتلئين بشخصه، فلن نجد مكانًا لأي شيء آخر بجواره.  لكن فقط عندما ينجح الشيطان في خلق احتياج في قلوبنا، يتمكن من تقديم شيء من أموره.  ولكن إذا استطعنا أن نقول بصدق «نَصِيبِي هُوَ الرَّبُّ» (مرا3: 24)، عندها نكون في مأمن من التأثر بشباك الشيطان الجذابة، مهما بدت معاملات الله معنا غير مفهومة، ومهما تأنى علينا في استجابة صلواتنا، وحلّ مشكلاتنا.

ونلاحظ أن أَبْشَالُوم كان شخصًا جميلاً جدًا، قادرًا على اجتذاب الجموع، «وَلَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ جَمِيلٌ وَمَمْدُوحٌ جِدًّا كَأَبْشَالُومَ، مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ حَتَّى هَامَتِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ» (2صم14: 25)، ولكنه استمر يُمارس مكر الحية وخداعها في مملكة أبيه، ففي حقيقته هو ابن ذَاكَ الذي كَانَ كَذَّابًا وقَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ (يو8: 44).  لقد استمر في استخدام أسلوب المداهنة والإطراء، والرياء والنفاق.  واستمر يلبس مظهر البر والنزاهة (2صم15: 3، 4)، ويُظهر التواضع الكاذب، والعطف والمحبة (ع5).  وعرف ذلك الشرير بأساليب المكر والدهاء أن يسرق قلوب رجال إسرائيل (ع6)، وليحتل مكان داود الملك في أفكارهم وعواطفهم.

إنه لم يربح قلوب الشعب بخدمته التاعبة لهم، ولا بسلوكه التقوي الحكيم، ولكنه ”سرق“ قلوبهم بالتملق والكذب والخداع والآمال الواهية، وبأكاذيبه الرديئة حول داود مسيح الرب!

وأَ لا يوجد في أيامنا هذه أشخاص أو أغراض، تسرق قلوبنا بعيدًا عن داودنا الحقيقي؛ الرب يسوع المسيح؟! يجب أن نتذكر جميعنا أن قلوبنا هي ملك الرب يسوع المسيح، فقد دفع ثمنًا غاليًا لتكون له بأكملها.  ثم دعونا نحذر من ”الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الشِّقَاقَاتِ وَالْعَثَرَاتِ، خِلاَفًا لِلتَّعْلِيمِ الَّذِي تَعَلَّمْناه وَنعْرِضُ عَنْهُمْ.  لأَنَّ مِثْلَ هَؤُلاَءِ لاَ يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ بَلْ بُطُونَهُمْ، وَبِالْكَلاَمِ الطَّيِّبِ وَالأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ“ (رو16: 17، 18).

والأعداد من 7-9 من 2صموئيل 15 تُرينا أَبْشَالُوم يضع طلاءً دينيًا زائفًا على مؤامرته الدنيئة، كما نراه يعمل حسابًا لكل شيء، إلا الله، لكي يضمن لنفسه الوصول إلى العرش.  فها هو يُغطي عصيانه تحت ثوب السجود وإيفاء النذور، وعبادة الرب وتقديم الذبائح له «وَفِي نِهَايَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً (أربع سنوات) قَالَ أَبْشَالُومُ لِلْمَلِكِ: دَعْنِي فَأَذْهَبَ وَأُوفِيَ نَذْرِي الَّذِي نَذَرْتُهُ لِلرَّبِّ فِي حَبْرُونَ، لأَنَّ عَبْدَكَ نَذَرَ نَذْرًا عِنْدَ سُكْنَايَ فِي جَشُورَ فِي أَرَامَ قَائِلاً: إِنْ أَرْجَعَنِي الرَّبُّ إِلَى أُورُشَلِيمَ فَإِنِّي أَعْبُدُ الرَّبَّ.  فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: اذْهَبْ بِسَلاَمٍ.  فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى حَبْرُونَ» (ع7-9؛ تث23: 21-23).  وهكذا نراه يلبس عباءة التدين والتقوى، ليصل إلى الحُكم والمُلك، وليمسك بزمام المملكة؛ فهو يكره أباه، ويكره كل شخص ما عدا نفسه.  وفي الحقيقة إنه لا يخاف الله ولا يهاب أبيه.
  وأخيرًا أرسل أَبْشَالُوم جواسيس من حبرون في جميع أسباط إسرائيل لكي يُشهروه في الأرض (2صم15: 10)، وهكذا أصبح الكل مستعدًا لقبوله، ولذلك «كَانَتِ الْفِتْنَةُ شَدِيدَةً وَكَانَ الشَّعْبُ لاَ يَزَالُ يَتَزَايَدُ مَعَ أَبْشَالُومَ» (ع12).

ولكل أَبْشَالُوم على مر العصور مُشيريه الأشرار! وها هو أَبْشَالُوم يوحِّد نفسه مع «أَخِيتُوفَلَ الْجِيلُونِيِّ مُشِيرِ دَاوُدَ» (2صم15: 12)؛ ذلك الرجل صاحب الشهرة في عيني الشعب.  إنه كنبي في مشورته «وَكَانَتْ مَشُورَةُ أَخِيتُوفَلَ الَّتِي كَانَ يُشِيرُ بِهَا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ كَمَنْ يَسْأَلُ بِكَلاَمِ اللَّهِ.  هَكَذَا كُلُّ مَشُورَةِ أَخِيتُوفَلَ عَلَى دَاوُدَ وَعَلَى أَبْشَالُومَ جَمِيعًا» (2صم16: 23).  ويا له من اتحاد بين آكل خبز داود الذي كان يأخذ منه المشورة السديدة والحلوة، وبين الابن المارد والمعاند والعاق! وللأسف كلاهما الآن يقفان ضد داود! إن الشهوة المحمومة للسلطة والمُلك تقْبَل أي تحالفات!

ولقد انطلق مع أَبْشَالُوم مئتا رجل من أورشليم، يقول عنهم الوحي: «قَدْ دُعُوا وَذَهَبُوا بِبَسَاطَةٍ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ شَيْئًا» (2صم15: 11).  وهؤلاء الذين ذهبوا ببساطة، يُمثلون أولئك الذين يُصدقون كل ما يُقال لهم.  وحقًا قال الحكيم: «اَلْغَبِيُّ يُصَدِّقُ كُلَّ كَلِمَةٍ، وَالذَّكِيُّ يَنْتَبِهُ إِلَى خَطَوَاتِهِ» (أم14: 15).  ويؤسفنا أن نقول إن عددًا كبيرًا من الانقسامات في المسيحية حدثت بينما الكثير من الأتباع لا يعلمون شيئًا.  والرسول بولس لا يمتدح حالة كهذه، فقد قال: «أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لاَ تَكُونُوا أَوْلاَدًا فِي أَذْهَانِكُمْ، بَلْ كُونُوا أَوْلاَدًا فِي آلشَّرِّ، وَأَمَّا فِي آلأَذْهَانِ فَكُونُوا كَامِلِينَ» (1كو14: 20).

وفي يومنا هذا، ما أكثر الذين يتبعون القادة بغير تفكير! وما أكثر الذين ينجذبون إلى شخصيات جذابة، لها كارزما عالية وتأثير قوي، وقدرة على البلاغة والإثارة مُميَّزة، ونزعة إلى التسلط واضحة! حتى أنهم يقبلون ويفعلون كل ما يقوله هؤلاء القادة، بغير أن يفكروا برؤوسهم هم.  على نقيض هذا تمامًا كان أهل بِيرِيَّة الشرفاء، الذين «قَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الأُمُورُ هَكَذَا؟» (أع17: 11).

عزيزي: حذار من الكلمات المعسولة ... من جمال الصورة الخارجية ... من الطلاء الديني الخادع ... من الكاريزما الشخصية الزائفة ... من القبلات الغاشة ... ومن الوعود الكاذبة.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com