عدد رقم 2 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كم رقيق حشاك !  

فَقَالَ لَهَا:  »يا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اذْهَبِي بِسَلاَمٍ وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ« ( مر 5 : 34)

في الأصحاح الخامس من إنجيل مرقس نجد شخصين كلاهما في احتياج شديد للرب، كلاً منهما  لديه مبرر قوي للمعونة العاجلة.
رجل متألم بسبب مرض ابنته التي تبلغ من العمر 12 سنة، ويخشى أن تموت، وامرأة نازفة دم منذ 12سنة وتخشى أن فرصتها في الشفاء تفوت.
  التمس يايرس من الرب العون علنًا، وخر عند قدمي السيد متوسلاً، على مرأى ومسمع من الجمع الواقف، أما الأخرى فجاءت عند قدميه من ورائه، لكنها التمست العون سرًا، دون أن يدري بها أحد من الجموع سوى ربنا الحبيب يسوع، رجاؤها الوحيد وموضوع إيمانها الوطيد  .  
وفي هذا المشهد المؤثر من خدمة ربنا المعبود يكشف لنا الروح القدس عن الأحشاء الرقيقة لابن الله الحبيب.  

    ثلاثة أمور نراها في موقف الرب تجاه المساكين 
يُظهر الرب للمتألمين أحشاء الرأفة الأبوية.
يُعطي الرب للمحتقرين والمنبوذين أولوية.
يبشر الرب المساكين ببشارة سلام ويقين وتعزية .

أولاً: يُظهر الرب للمتألمين أحشاء الرأفة الأبوية.
انكسر قلب يايرس على صغيرته الوحيدة  فجاء عند قدمي السيد متوسلاً، وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا قَائِلاً: "ابْنَتِي الصَّغِيرَةُ عَلَى آخِرِ نَسَمَةٍ.  لَيْتَكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا لِتُشْفَى فَتَحْيَا”.  كلمة ابنتي لا تعرفنا اسمها لكنها تعرفنا مكانتها بالنسبة لأبيها.  
" ليتك تأتي" .. صرخة خرجت من قلب متألم كسير ترتجي العون السريع. 

وماذا عنك أيتها المرأة المسكينة ؟.. هل لك أب يأتي ويتوسَّل من أجل شفائك ويقول "ابنتي"؟
هل لك أب رقيق يعلم أوجاعك ويتألم لآلامك ويسعى لإراحتك؟ 

التفت إليها ربنا الكريم الذي أظهر للمتألمين رأفة الآب الرحيم، وقال لها ذات الكلمة التي قالها يايرس عن صغيرته: يا ابنة.  لم يقل لها يا امرأة لكنه قال لها "يا ابنة".  ذات الكلمة التي خرجت من قلب أب يفيض بالحب والحنان.  وياله من تعبير غمر تلك المرأة المسكينة بالحنان الأبوي الرقيق!

نعم لك أب في السماء ! لك أب رؤوف حنون، يرق لك يرعاك يريد شفاءك، يعتني بك ويدبر عوناً لك في حينه!
 لك أب في السماء يعلم كل أوجاعك حتى إن اختفيت عن أنظار الجموع، وفي لهفة وخوف بدا الأمل مقطوع، 
فهو يراك بل أنت في قلبه بين الضلوع، منه فاض كل الحنان في يسوع، من جاء ليبرئ الداء ويمسح من عينيك الدموع.

كلما أخذت  بين  ذراعي  أطفالي                وكل منهم، مثل قرة العين غالي
فأدفعهم  لصدري من فرط حناني                 مثلما يبيت فوق مقلتي أجفاني
يتردد في جنبات قلبي ســـؤالي
إن كان الضنا هكذا سبى الوجدان           كم رقيق حشاك! كم أنت حانٍ؟
سيدي الرحيم   بل يا أبا الرأفات            أتوق أن تغمر بذي الحنان حياتي
فتتجدد بذي الألطاف آمـــالي

 ثانيًا:  يعطي الرب للمحتقرين والمنبوذين أولوية.

   وفقًا للمعطيات الظاهرية ووجهة النظر المنطقية، يايرس يستحق أن يأخذ الأولوية . 
   توسل يايرس إلى الرب علنًا أمام الجمع، وتعاطف الناس معه بسبب حزنه الذي أضنى حشاه ولهفته على شفاء ابنته. تحيروا بل احتدوا عندما رأوا الرب يتوقف ويسأل: من لمسني ؟!  كما لو كان غير مبالٍ بحالة هذا الرجل المتألم.  كلا. حاشا للرب الرقيق المشاعر، الذي جاء ليعكس محبة الآب الرحيم أن يغلق أحشاءه تجاه إنسان قد  قصده ووضع فيه رجاءه.  إن هدف خدمته هو شفاء مُنكسري القلوب.  نعم، توقف الرب ليس لأن مشاعره تجمدت بل لكونها فاضت وتدفقت نحو سقيمة معذبة، معاناتها قد طالت وتعمقت، وبمرور السنين تعقدت.  
   جاءت سرًا من ورائه، بعيدًا عن أنظار الناس، بين أقدامهم تسللت وعند قدميه ارتمت.  لم تتجاسر أن تفكر في لمس قدميه بل كانت أقصى أمانيها، لمس هُدب ثوبه.  لا يعرف الناس تفاصيل قصتها إنما السيد يعلم كل حيثيات قضيتها التي أثارت مشاعره وحركت قلبه الرقيق.  فتوقف ليحسم أمرها ويضع حدًا لآلامها بل ويرفع وجهها ويشجع نفسها. 

 إن تأملنا جيدًا سنكتشف أن الفرق بين تلك المرأة نازفة الدم وبين يايرس رئيس المجمع، فرقٌ شاسع البيان.
   يايرس رجل له اسم، صاحب مركز ديني واجتماعي رفيع ( يذكر 4 مرات أنه رئيس المجمع ).  وله شعبية كبيرة ويحيط به أحباءٌ كثيرون، بيته ممتلئ بالمقربين والمجاملين.  
   بينما هذه المرأة التي لا نعرف اسمها ولا هويتها، مُفلسة ماليًا وذهنيًا، مُستنزَفَة جسديًا ونفسيًا، منبوذة دينيًا واجتماعيًا. حسب الشريعة في (لا 15: 25) « َإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً .... إِنَّهَا نَجِسَةٌ ... وَكُلُّ الأَمْتِعَةِ الَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُنَّ يَكُونُ نَجِسًا، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ».  
   نعم، يايرس كان متألمًا، والرب له خطة من خلالها سيشفي لوعته ويحيي ابنته، وسيُحصِّل لله مجدًا عظيمًًا، وهو الحكيم الذي رأى أنه قد حان الوقت ليرفع المنبوذ والمحتقر وعلى يايرس أن ينتظر. 
إن أحشاء المسيح تعطي المحتقرين والمنبوذين من الناس أولوية 
المخذولين من الناس لهم في قلبه الكبير أهمية 

  ثالثًا:  يبشر الرب المساكين ببشارة سلام ويقين وتعزية. 

يوجد من يعرفون أن الرب يقدر على الشفاء بلمسة ولا يذهبون إليه.
يوجد من يلمسون الرب دون أن ينتفعوا شيئًا من حضوره أو قدرته.  
يوجد من ينالون من الرب العطية ولا يعترفون أمام الناس بما فعله.

   إن هذه المرأة التي تسللت في الخفاء بخوف وارتعاد كي لا يراها أحد، وعاشت 12 سنة حريصة ألا يلمسها أحد، قد قصد الرب أن يضعها تحت الأضواء، ويتكلَّم إليها أمام الجمع، لعدة أسباب:- 
 حتى تشهد أمام الجميع وتقول الحق كله فيستعرض أمام الجميع مقدار عنائها، بل روعة إيمانها وتمام شفائها. 
ليؤكد للجموع أن الاحتياج الشديد عندما يمتزج بالإيمان الواثق يمكن أن يخرج القوة من الرب.
كي يتعلَّم من ينال العطية والشفاء أن يشهد عن أفضال نعمة الله ويخبر كم صنع به الرب ورحمه.
 ليكافئ من يشهد عنه علنًا أمام الناس بأن يتمتع بكلمات فمه النقية الشافية والمعزية.
   قال لها أربع كلمات تفيض بالحب الشديد ليُعزي قلبها ويملأه بالسلام واليقين والتعزية. 
        يا ابنة .... .........  ( تمتعي  بالمركز السامي والمقام المجيد )
إيمانك قد شفاك ...... ( على أساس الإيمان، وليس مجرد لمس الثوب، تيقني من الشفاء والخلاص الأكيد)
        اذهبي بسلام ..............  ( وداعًا للخوف والشك وهنيئًا بالسلام الوطيد ) 
        كوني صحيحة من دائك .... ( انس عار ماضيك فالكل صار جديد )

سيدي الحبيب ما أوسع قلبك، ما أرق مشاعرك وما أعذب أقوالك!

يا راعي حياتي سيدي بل وصديقي         يا نور عمري، وسندي في الطريق
قبلات فاك مُنايا، بل جل مرادي         وطيب أنفاسك صار لي الماء والزاد 
ألا تشُدُّ بذا الوداد أوصالي؟ 
       





© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com