عدد رقم 2 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
قيم مسيحية: الطاعة  

«هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة، والإصغاء أفضل من شحم الكباش» 
(1صم22:15)
   بلا شك أن المعيار الحقيقي لمحبتنا للرب واحترامنا له لا يتمثَّل في كم من الخدمة خدمناها ولا كم من الكتب قرأناها ولا كم من الأنشطة الروحية شاركنا فيها، لكن المقياس الفعلي لمحبتنا للرب هو طاعتنا له، كما قال السيد: «إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي ... إن أحبني أحد يحفظ كلامي» (يو14: 15،23).

   ومن العجيب عندما نطالع سفر يونان أننا نجد الريح والبحر والحوت واليقطينة والدودة والشمس اللافحة وكل الخليقة تطيع خالقها ما عدا الإنسان.  والأعجب أنه لم يكن إنسانًا خاطئًا بل كان نبيَّ الله.  فأين نحن من طاعتنا لشخصه الكريم المبارك؟ انظر ماذا يقول قائد المئة لرب المجد «لأني أنا أيضًا إنسانٌ تحت سلطان، لي جندٌ تحت يدي، أقول لهذا: اذهب فيذهب، ولآخر: ايتِ فيأتي، ولعبدي افعل هذا فيفعل» (مت 8 : 9).  ألا تتفق معي أن الله يحتاج لأناس من هذه النوعية يذهبون إلى حيث يريد، ويأتون إلى حيث يوجد، ويفعلون ما يأمر به بكل سرور.  

   الله عندما يدعونا للطاعة فهو يتوقع منا طاعة كاملة، وفي كثير من الأحيان عندما نسير وراء قلوبنا الخادعة نظن أننا نطيع، ولكن عندما نُكشَف في محضر الله وأمام نور كلمته سنُدرك أننا‎‏ مخدوعون، وأننا نعمل فقط إرادتنا الذاتية.  وإليك يا صديقي طريقين للخداع: الطريق الأول أن يأخذ العصيان أحد أشكال الطاعة، والطريق الثاني أن نجد مُبررات للعصيان.

أولاً: أن يأخذ العصيان أحد أشكال الطاعة
1 - الطاعة المقلقلة:

   يقول الكتاب: «رجلٌ ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه» (يع 1 : 8)، وهذا الشخص عندما يسمع وصية الله ينفذها مرة ويكسرها في المرة الأخرى.  لكن الله يطلب طاعة على طول الخط.  أو تجد شخصًا آخر يحفظ وصية ويُهمل الأخرى.  لكن الله يستحق أن نطيعه طاعة كاملة فلا نكون مُتذبذبين، بل كما يقول الكتاب: «ذو الرأي المُمَكَّن تحفظه سالمًا سالمًا لأنه عليك متوكل» (إش 26 : 3).  لقد هلكت عُرفة رغم نُبل مشاعرها ودموعها لأنها كانت ذات رأيين.
2 - الطاعة المؤجلة:

  ويا لها من خدعة! فأنت لا تقول لا، لكنك تقول "ليس الآن"، وتنسى أو تتناسى أن هذا أيضًا هو عصيان.  كثيرون من سكان الهاوية كان السبب الرئيسي في هلاكهم هو التأجيل.  فكم من شخص يقول: "سأتوب .. حتمًا سأتوب ولكن ليس الآن".  وكم من مؤمنيين خسروا ويخسرون، وفي مجيء الرب سيخجلون بسبب هذه الكلمة "ليس الآن".  عندما امتحن الله إبراهيم قائلاً: خذ ابنك وحيدك الذى تحبه إسحاق واذهب إلى أرض المُريا وأصعده هناك محرقة، لم يؤجل ولم يتوانَ، لكن الكتاب يقول: «فبكَّر إبراهيم صباحًا» (تك 22 : 3).
3 - الطاعة المُعدَّلة:

   كما القلقلة والتأجيل، هكذا التعديل قاد الكثيرين للهلاك، وأولهم قايين الذي أراد أن يقترب إلي الله مُتوهمًا أنه يطيع ويُقدِّم القربان وإنما بطريقته الخاصة، غير مبالٍ أن الله هو الذي يُحدد طريقة وطريق الوصول إليه والقبول لديه.  فهل تُقر بحقه وتطيعه طاعة كاملة وتقترب إليه من خلال شخص المسيح وإيمانك بذبيحته الكفارية، أم تعمل ما يحسن في عينيك؟ 

   هذا مع ملاحظة أن فخ الطاعة المُعدَّلة قد ينزلق إليه المؤمنون أيضًا، فعندما دعا الله إبراهيم  ليخرج من أرضه ويذهب إلى كنعان، خرج من أرضه فعلاً ولكنه أتى إلى حاران.  إن طاعة بنسبة 50 % هي عصيان بنسبة 50 %، وعصيان بنسبة 50 % هو عصيان، فليتنا نحكم علي أنفسنا.


ثانيًا: مُبررات تبدو مُقنعة للعصيان
   هذا هو الطريق الثاني للخداع، وهذه هي عادة الإنسان دائمًا كما أشار السيد عن الناموسي الذي «أراد أن يُبرر نفسه» (لو10: 29).  وإليك بعض الحجج والأعذار التي نلتمسها لأنفسنا تبريرًا لعصياننا:
1 - سلوك ورأي الأغلبية:

   يجد الإنسان أمانه في الأكثرية، ويطمئن حينما لا يشذ عن الآخرين بل ويختار أن يكون في صف الأغلبية على أن يكون وحده في الطريق الصحيح.  ولكن متى كان رأي الأغلبية هو الرأي السليم؟ وهل ننسى أن رأي العشرة جواسيس قد أذاب قلوب الشعب، وكان رأي يشوع بن نون وكالب بن يفنة فقط هو الصواب؟ بل اسمع ما يقوله الرب للكتبة والفريسيين: «أما أنتم فتقولون من قال لأبيه أو أمه: قربان هو الذي تنتفع به مني فلا يكرم أباه أو أمه.  فقد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم» (مت 15 : 5 , 6).  نعم بسبب التقليد يكسر غالبية الناس وصايا الله، تابعين رأي رجال الدين.  وكم من أناس سيهلكون بسبب انسياقهم الأعمى وراء الأغلبية. 
2 - الدوافع النقية:

   قطعًا من المهم أن تكون دوافعنا لعمل أي شيء نقية، ولكن هل تبرر الدوافع النقية عدم طاعتنا لله؟ كلا.  ومن منا يشكك في دوافع بولس الرسول وهو يريد أن يخدم الرب ويذهب لأورشليم.  كان رأي الرب واضحًا حيث نقرأ القول: «وإذ وجدنا التلاميذ مكثنا هناك سبعة أيام وكانوا يقولون لبولس بالروح أن لا يصعد إلى أورشليم» (أع 21 : 4). وعندما يقول الروح القدس ينبغي للجميع، بما فيهم بولس، أن يذعنوا.  لكن بولس بدوافع نقية قال: «إني مستعد ليس أن أُربَط فقط بل أن أموت أيضًا في أورشليم لأجل اسم الرب يسوع» (أع21 : 13).  نعم هي مشاعر رائعة وقلب ملتهب وخدمة باذلة، لكن كل هذه الدوافع لا تبرر مخالفة بولس لفكر الله وذهابه لأورشليم، ولذلك كانت العواقب وخيمة والأرباح صفر، بل وكاد بولس أن يوجه أعظم إهانة لشخص المسيح وكفارته بتقديم ذبيحة حيوانية في الهيكل، لولا تدخل الرب بنفسه، وهذه هي نتيجة العصيان برغم نقاء الدوافع.
3 - النتائج المرضية:

   النتائج السليمة دليل على تطبيق قوانين سليمة، هذا أمر طبيعي بالنسبة للرياضيات والفزياء، ولكنه ليس شرطًا بالنسبة للأمور الروحية.  فقد لا تُعبِّر النتائج المرضية عن قرارات سليمة.  فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد خطأً واضحًا لشمشون نذير الله عندما، بإرادته الذاتية وعناده، أراد الارتباط بامرأة من بنات الفلسطينين في تمنة، لأنها حسنت في عينيه، ويا له من سبب تافه.  نعم استخدم الرب هذا الخطأ لإيجاد علة على أعداء شعب الله، وكانت يد الله تُخرج من الآكل أكلاً، ولكن الخطأ خطأٌ والعصيان عصيانٌ بغض النظر عن النتائج.  فإلهنا لا ينظر إلى نتيجة ما نصنع، ولكن يُقدر طاعتنا له.  فكرازة نوح لم تحقق نتيجة تُذكَر، لكنه أطاع وعمل حسب قول الرب.  وكرازة يونان حقَّقت أفضل نتيجة مُمكنة لكنه أظهر مُنتهى العصيان، فلمن ستكون المجازاة ؟ صديقي الله يتوقع منك أن تطيع في كل ما يأمرك به ويرشدك إليه بلا قلقلة ... بلا تأجيل ... بلا تعديل.  فقل لا للمبررات، سأطيع بغض النظر عن الأغلبية .. عن الدوافع .. عن النتائج.
وليكن المثال المُحتذى هو ذاك الذي أطاع حتى الموت موت الصليب.
                                                                                                                                         

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com