عدد رقم 2 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
دروس روحية من الثورة المصرية  
لا شك أن الأحداث التي مرَّت بها مصر هي جديدة من نوعها، ومن ورائها يستطيع المؤمن سماع صوت الرب، حيث أنه يتكلَّم بوضوح من خلال هذه الأحداث؛ لهذا فإننا في هذا المقال سنلقي نظرة تحليلية لما حدث لنستخرج بعض الدروس الروحية النافعة.
وسنركز مقالنا في ثلاثة محاور:
الأول: دروس من أيام الرعب.
الثاني: دروس تحذيرية من سقوط النظام.
الثالث: عبارات تم تداولها ذات مدلول روحي.

الدرس الأول: دروس من أيام الرعب
   مرَّت البلاد بأيام عصيبة من الفوضى والانفلات الأمني، ونتج عن ذلك سلب ونهب وعمليات بلطجة.  الأمر الذي لسببه اضطر المسؤولون عن البلاد لفرض حالة حظر تجوال لجزء من ساعات اليوم، ولسبب الحالة الأمنية المضطربة توقفت الاجتماعات الروحية، وتعذَّر على الكثيرين الذهاب لأعمالهم؛ لكن وسط كلهذا نتعلَّم دروسًا هامة، منها:

1- كل ما على الأرض متزعزع: السلطات، المراكز، الوظائف، الثروات والممتلكات.  فهناك كثيرون كانت لهم متاجر أو محال مستقرة، وضعوا فيها كل رأس مالهم قد دُمِّرت في لحظات.  هذا جعلني أفكر بجدية فيما ينتظرنا من ميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل، محفوظ في السماوات لأجلنا (1بط 1: 4).  لهذا قال الكتاب:  "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون" (مت 6: 19).
2- ما حدث هو لمحة بسيطة لما سيحدث بعد اختطاف الكنيسة: خوفًا من المجاعة، هرع كثيرون إلى المتاجر وارتفعت الأسعار واختفت السلع.  خلاف المخاطر من قُطّاع الطرق والخارجين عن القانون ومثيري الشغب.  هذا ذكَّرني بما سيحدث بعد الاختطاف: حيث ستكون هناك مجاعات (رؤ6: 6)، وحروب أهلية"، وفي تلك الأيام سيطلب الناس الموت ولا يجدونه" (رؤ9: 6)، و"ويل للساكنين على الأرض" (رؤ8: 13)، لكن شكرًا لله أننا لن نكون على الأرض في فترة الضيقة، إذ أننا ننتظر مخلصنا من السماء، يسوع، الذي سينقذنا من الغضب الآتي (1تس 1: 10)، ويحفظنا من ساعة التجربة العتيدة أن تأتي على العالم كله لتجرب الساكنين على الأرض (رؤ 3: 10).
3- معاملات التجريد الإلهي: لكل منا برنامج مزدحم كل يوم، وهذا قادنا لإهمال الشركة مع الرب، وكنا نهتم ونضطرب لأجل أمور كثيرة (لو 10: 41)، فكم كنا نهدِر الساعات على شبكة الإنترنت أو الفضائيات أو التليفونات، أو غيرها من الأعمال والأنشطة .. كل هذا توقف في أيام حظر التجوال.  وقد شعرنا بالاحتياج لا إلى حظر تجوال جديد، بل إلى أوقات فيها نفرض حظرًا على أنفسنا لكي ندخل مخادعنا ونختلي بالرب.  فكم تعلَّمنا أن حياتنا لا تعتمد على الكثير من الأمور التي كنا نظنها أولويات في الحياة.  كما أننا اختبرنا فاعلية اجتماعات الصلاة.

الدرس الثاني: دروس من وراء سقوط النظام

      بداية نذكر أن ما حدث لم يكن أحد يتوقع حدوثه ولا حتى مَنْ قاموا بالثورة، ولا نشك لحظة أن يد الرب كانت هي العاملة، فالأمر تقرَّر من قِبَل الله، والله أسرع ليعمله.  والصلوات التي رُفعت إلى الرب لأجل البلاد كانت وراء ما حدث؛ فالتظاهرات والاحتجاجات يستحيل أن تُغيِّر الخريطة السياسية في بلد كبير كبلدنا.  إنما صاحب اليد القوية والذراع القديرة هو الذي حرَّك الأحداث: "بي تترأس الرؤساء ... كل قضاة الأرض" (أم 8: 16)، فهو العلي المتسلط في مملكة الناس، وهو يعطيها لمن يشاء (دا4: 29).  وهو الذي يعزل ملوكًا ويُنصِّب ملوكًا (دا 2 : 21).
وقد كتب أحد الكُتَّاب قائلاً: إن الشخص المسيحي لا ينبغي أن يُشارك في التظاهرات فهو يعرف أين يمكنه أن يقول كلمته ويرفع صوته حيث يصغي مَنْ يُمسك بزمام الأمور، ومَنْ بيُمناه القرار.  لكن هذا لا يعني أن نكون سلبيين، فالمشاركة الفعالة واجبة ولا سيما فيما يخص الأمور المصيرية.  فكوننا مؤمنين لا ينفي عنا صفتنا كمواطنين، ووجودنا في هذا المكان ليس من قبيل الصدفة.  والكتاب أوصانا أن نصلي من أجل الحكام وكل مَنْ في منصب، ومن أجل سلام البلاد لأنه بسلامها يكون لنا سلام.
إن ما حدث من فضح للفاسدين يعطينا الكثير من العِبَر:

1- مكيال الشر عندما يكمل: كم انتابتنا حالة من الصدمة بسبب ما أُعلن عن الفساد فيمن كنا نظنهم شرفاء، لكن ما عرفناه أخيرًا كان معروفًا عند الرب من البداية، وكم تأنى الرب عليهم، لكن لما كمل مكيال شرهم أتت نهاية أناة الله وصبره بالنسبة لهم.  وهذا درس لمن يتقسُّون ولا يستفيدون من أناة الله، "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة؟" (رو 2: 4).  
2- محبة المال أصل لكل الشرور: ما تم اكتشافه من قضايا فساد جسيمة سببه هو الطمع ومحبة المال، فهؤلاء لم يكونوا بحاجة لكل هذا الكم من المليارات، فإن مليارًا واحدًا يكفيك أن تنفق عشرة آلاف جنيه يوميًا لمدة 270 سنة!! لكن هذا ما قاله الكتاب بلغة التحذير: "لأن محبة المال أصلٌ لكل الشرور، الذي إذِ ابتغاه قومٌ ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1تي 6: 10).  والكتاب يقول: "الصيت أفضل من الغنى"، لكن هؤلاء قد ضحَّوا بالصيت من أجل الغنى، فسرقوا واختلسوا وكسبوا بطرق غير مشروعة.  وفي هذا تحذير للجميع.
3- القرار البطيء قد يكون متأخرًا: أجمع المحللون على أن التعامل مع الأزمة كان بطيئًا جدًا؛ لهذا لم تكن التنازلات التي تُقدَّم والحلول تلقى قبولاً، فلو أن ما قدموه في الأخير كان قد تم في أول أيام الثورة، لكانت قد انتهت في مهدها؛ لكن لسبب البطء في اتخاذ القرارات، لم تلق تلك القرارات صدىً في مسامع الناس.  أليس  هذا درسًا للمتباطئين؟ قد لا ترفض المسيح تمامًا، لكنك قد تؤجل الرجوع إليه.  احذر! لأنه لن يكون لقرارك المستقبلي صدى عند الرب، فاليوم هو يقرع باب قلبك وأنت تؤجل القبول، غدًا أنت ستقرع وستسمع الصوت من الداخل: "أقول لكم لا أعرفكم من أين أنتم! تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم!" (لو 13: 27).  وقد تستمر في التأجيل، فتفقد كلمة الله تأثيرها عليك ويتقسَّى قلبك، وقد لا يعود روح الله يُكلِّمك، وقد تؤجِّل ويأتيك الموت أو يأتي الرب لاختطاف المؤمنين، وعندها لن تكون لديك فرصة أخرى.  ليتك تغتنم الفرصة مصغيًا لقول الكتاب: "لذلك كما يقول الروح القدس: اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب 3: 7).
4- فقدان المصداقية: ما تم تقديمه للناس من تنازلات كان حُلمًا بكل المقاييس، لكن لو سألت أحدهم وقتها: لماذا لا ترجعون لبيوتكم بعدما سمعتم كل هذه الوعود؟ لكان الرد: مَنْ يضمن لنا التنفيذ؟ فما أكثر المرات التي سمعنا فيها وعودًا فقط .. إلى هذه الدرجة لم يكن المسؤولون يحظون بمصداقية! والسبب الرئيسي هو تناقض كلامهم مع تصرفاتهم .. وماذا عنا؟ هل نحظى بالمصداقية عند مَنْ حولنا؟ هل يثقون في أقوالنا؟ ليتنا نقول ونفعل. 
5- ليس خفيٌ إلاّ ويُعرَف: "لأنه ليس خفي لا يُظهر ولا مكتوم لا يُعلَم ويُعلَن" (لو 8: 17).  ارتكب البعض جرائم يقشعر لها البدن واهتز لأجلها الكل، وأتقن الجاني إخفاء معالم جريمته ولم يترك أي أثر وكادت تُسجَل ضد مجهول؛ لكن يا لَلعجب! لقد كُشف المستور قُدّام الكل وبطريقة تفوق الوصف، والله سيحضر كل عمل إلى الدينونة.
6- عالم بلا مبادئ: مَنْ تابع وسائل الإعلام قبل الثورة وأثنائها وبعدها سيندهش من التحول من النقيض إلى نقيضه في المواقف والآراء، وسيصرخ لضياع القيم أو لعدم وجودها من الأصل في هذا العالم الذي يتميَّز بالرياء والنفاق.  

الدرس الثالث: كلمات لها مدلول روحي من وحي الثورة: 

   بداية يجب ألا نكون من الحالمين بنتائج عظيمة للثورة، فالعالم يسير من رديء لأردإ، ولن ننعم بالسلام والأمان الكامل إلا في البيت الأبدي، ولن يكون سلام على الأرض إلا عندما يملك رئيس السلام.
1- جمعة الغضب: امتلأ هذا اليوم بغضب الثوار وغضب القائمين على الأمن، هو يوم التدمير والتخريب للممتلكات.  ذكَّرَتني هذه العبارة بجمعة غضب أخرى، فيها لم يقولوا: ارحل، بل قالوا: اصلبه، اصلبه، دمه علينا وعلى أولادنا.  في ذلك اليوم تحمَّل رب المجد كل الغضب ليس من الناس فقط بل من العدل الإلهي الرهيب، لنتمتع نحن الذين آمنَّا به وبعمل صليبه بالرضى الإلهي.  لكن الغضب وكل الغضب ينتظر الرافضين للمسيح الذي سيأتي ليدين العالم، وإذا جاء يوم غضبه العظيم من يستطيع الوقوف؟! (رؤ6: 16).
2- شهداء الثورة: مَنْ ماتوا بيد الشرطة أو حتى مِن رجال الشرطة، أُطلق عليهم شهداء!! وهذا جعلني أتساءل: إن كان شباب قد ضحوا بشبابهم وحياتهم في سبيل مطالب عاديَّة، ألا يستحق الرب تضحية أكثر؟! ألا تهون علينا التضحيات لأجل مَنْ ضحى لأجلنا بحياته الكريمة؟ ألا توجد قضية أسمى تستحق التضحية؟ إن الشهيد الحقيقي هو الذي عاش يشهد للمسيح ومات من أجل المسيح، هذا يستحق إكليل الحياة. 
3- محاربة الفساد: قامت حملة كبيرة لتطهير البلاد لدرجة أن أحد أيام الثورة سُميت "جمعة التطهير"، وكانت الهتافات فيها "الشعب يريد تطهير البلاد"، وغاب عن الكثيرين أن الأرض كلها تحتاج إلى التطهير، وأن هناك أرضًا أخرى كذلك تحتاج للتطهير وهي قلوبنا.  فكم من الشرور زحفت على حياتنا، وكم من أمور لا نعتبرها خطايا ولكنها كذلك، وفي الوقت الذي ننشغل فيه بعيوب الناس نتغافل عن عيوبنا، مع أن كلمة الله تحملنا مسؤولية تطهير أنفسنا: "إن طهَّر أحد نفسه ... " (2تي2: 21).  وفي كلمة الله نجد دعوة لطهارة الفكر (في4: 8 )، وطهارة القلب ( 1بط1: 22)، وطهارة الضمير (2تي1: 3 )، وطهارة اليدين (مز18: 20 ).  
4- الكرامة الإنسانية: من الهتافات التي تم ترديدها: "عيش حرية .. كرامة إنسانية" وإن كنا لا ننكر أهمية هذه العيشة، إلا أننا نُذكِّر القارئ بأن هذه الرغبة المقدسة ستتحقق بكيفية رائعة في العلاقة الصحيحة مع الرب الذي قال: "عندي الغنى والكرامة قنية فاخرة وحظ " (أم 8: 18).
5- الحرية: كل نفس تحت سلطان إبليس هي مستعبدة للخطية حيث أن كل مَنْ يعمل الخطية هو عبد للخطية (يو8: 34)، وأن "ما انغلب منه أحد فهو له مُستعبد".  وهناك دعوة حقيقية للتحرير ليست من ميدان التحرير، بل من عند صليب المسيح: "فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو 8: 36). 
   في الختام ليتنا نتعلَّق أكثر بالرجاء، فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنَّا (رو 13: 11).                                                                                                                                                                                          

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com