عدد رقم 2 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الصراع بين الأشرار والأبرار (2)  

   نخطئ كثيرًا لو توقعنا الحب والحنان في أعوان الشيطان، ولو ظننا أن قلب الإنسان يتغيَّر مع الزمان، وأن العالم سيسوده الصلح والسلام بعد العداوة والخصام.  سيظل الإرهاب والفساد، والاغتصاب والسحق، والنجاسة والشراسة هي سمات هذا العالم المنفصل عن الله، والذي يعيش بمبادئ شيطانية.  والغد لن يكون أفضل بأي شكل، واضطهاد الأشرار ومعاناة الأبرار لن تتوقف، بل ستزداد، وهذا ما نراه بوضوح حولنا يومًا بعد يوم.  لقد شوَّهت الخطية كيان الإنسان كله، والديانة الجسدية أنتجت إنسانًا وحشيًا يملأ الساحة هنا وهناك.  ونستطيع أن نقول: «لولا الرب الذي كان لنا عندما قام الناس علينا، إذًا لابتلعونا أحياء عند احتماء غضبهم علينا» (مز2:124 ،3).

   هذا الصراع سيستمر طالما الأرض مُسلَّمة ليد الشرير، فالبار يعاني ويحتمل أحزانًا بالظلم، ويواجه الاضطهاد والكراهية حتى الموت، لا لشيء إلا لأنه بار ومنفصل عن شرور العالم.

   كان يوسف شخصًا رقيقًا وديعًا، راعيًا، وكان موضوع محبة أبيه الخاصة.  كانت ظروفه صعبة؛ إذ ماتت أمه وهو فتى صغير ونشأ فاقدًا حنان الأمومة.  وجد نفسه مُحاطًا بمشاعر البغضة من إخوته.  وكانت محبة أبيه هي التعويض الإلهي له عن قسوة الحياة والحرمان الذي لاقاه.
   لقد أحبه إسرائيل أكثر من سائر بنيه لأنه ابن شيخوخته فصنع له قميصًا ملونًا، وهذا جعله مكروهًا أكثر من إخوته.  والقميص الملون هو علامة حُب وتميُّز وإعزاز، فقد كان في عيني أبيه كالأمير، وكان معه دائمًا في حبرون.  إنه رمز جميل لربنا يسوع المسيح، وحيد الآب الأزلي ومحبوبه قبل إنشاء العالم، المُتميِّز في ولادته ومعموديته وخدمته ومعجزاته وموته وقيامته وأمجاده، فهل ليسوع من مثيل؟! وبسبب هذا التميُّز أبغضه العالم.  لقد قال لليهود: «أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي، بسبب أي عمل منها ترجمونني»؟ (يو32:10).

   «وأتى يوسف بنميمتهم الرديئة إلى أبيهم» (تك2:37).  كان يوسف منفصلاً أدبيًا عن شر إخوته، وهذا أيضًا أثار مشاعر الكراهية نحوه.  وكان ينقل لأبيه صورة صادقة عن شرورهم الرديئة والمهينة لكرامة الله وكرامة الأب الذي يعرف الله.  لقد عاش في نفس البيت وتحت نفس الظروف، لكنه عاش يخاف الله.  وهذا المسلك التقوي كان سبب إزعاج لضمائرهم ولهذا أبغضوه.  وهذا أيضًا ما ظهر في حياة ربنا يسوع المسيح الذي قيل عنه: «قدوسٌ بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة» (عب25:7).  لقد شهد ضد العالم أن أعماله شريرة، لذلك أبغضه العالم.

   بعد ذلك تأتي الأحلام سببًا ثالثًا لكراهية إخوته له.  لقد حلم يوسف حُلمًا وقصه على إخوته فازدادوا أيضًا بغضًا له.  كان الحُلم إعلانًا من الله له أنه سيملك مُلكًا ويتسلط تسلطًا، وهذا جعلهم يغتاظون ويحقدون ويزدادون كراهية له من أجل أحلامه ومن أجل كلامه.  وهذا أيضًا حدث مع رب المجد، فعندما أعلن عن مجده العتيد في المحاكمة أمام رئيس الكهنة قائلاً: «من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة وآتيًا على سحاب السماء» (مت63:26 -66)، ازدادت العداوة ومزق رئيس الكهنة ثيابه قائلاً: قد جدف، وقال الجمع: إنه مستوجب الموت.

   أرسل يعقوب يوسف لإخوته قائلاً: «أليس إخوتك يرعون عند شكيم؟ تعال فأرسلك إليهم.  فقال له: ها أنذا».  كان يوسف يحب أباه وكما أوصاه هكذا يفعل، وقد تميَّز بالطاعة الفريدة، وكان في ذلك أيضًا رمزًا للرب يسوع المسيح.  لكن حال كونه مكروهًا من إخوته فقد أوقعته إرسالية المحبة في أيديهم.  
   وعندما رأوه من بعيد، قبلما اقترب إليهم، احتالوا له ليميتوه، وقالوا: هوذا صاحب الأحلام قادمٌ، هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار لنرى ماذا تكون أحلامه؟ اقترح رأوبين أن يطرحوه في البئر ولا يسفكوا دمه، وكان يريد أن يرده إلى أبيه.  وعندما وصل إليهم حاملاً لهم الطعام ومشاعر أبيه الحبية نحوهم، فإنهم أظهروا له شرًا بدل خيره وبغضًا بدل حبه.  لقد عاملوه بقسوة ووحشية، وتطورت البغضة إلى إيزاءٍ نفسي وجسدي، فخلعوا عنه القميص الملون، وأخذوه وطرحوه في البئر، وأما البئر فكانت فارغة ليس فيها ماء.  لقد ضاقت نفسه واسترحمهم لكنهم لم يسمعوا له.  تحجَّرت عواطفهم نحو أخيهم، ورغم دموعه وتوسلاته لم تشفق أعينهم ولا رقَّت قلوبهم، بل كانت مشاعر البغضة عنيفة حتى الموت.  تمامًا كما فعل قايين الذي ذبح أخاه، ولم يشعر بالندم أو الحزن ولا بكى عليه.  فما أردأ القلب الذي تقسَّى بسبب الخطية!  لقد جلسوا ليأكلوا طعامًا بدلاً من أن «يغتموا على انسحاق يوسف» (عا6:6).

   وهذا ما حدث أيضًا مع رب المجد حيث حاكموه وعنفوه وعيروه وعلى عود رهيب رفعوه سمروه، ثم ذهبوا ليأكلوا الفصح (يو28:18).  

   أخيرًا سحبوا يوسف من البئر وباعوه عبدًا لقافلة الإسماعيليين بعشرين من الفضة، الذين نزلوا به إلى مصر، ليتخلصوا منه للأبد.  وفي مصر اشتراه فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط.  كان كل مرادهم أن يرحل أو يموت ولا يعود مرة أخرى، كما كانت رغبة أعداء المسيح أن يموت ويبيد اسمه (مز5:41).  وفي الحالتين جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن!!

   لقد ظُلم يوسف وتذلل وانسحق، وظُلم أيضًا في بيت فوطيفار وافتُري عليه، ودخل السجن وهو بريء.  والعجيب أن الله لم يتدخل ليبرره وينقذه، كما لم يتدخل ليدافع عن هابيل، وهذا ما يثير الحيرة والتساؤل: لماذا لا يتدخل الله لكي يمنع الشر؟ ولماذا يصمت ويترك الأشرار؟ هذا ما يُسمَّى "سر الله" في الوقت الحاضر، في يوم البشر، إلى أن يظهر المسيح بالمجد والقوة، ويقضي للمساكين بالعدل ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، وتكون أحكام البر فورية.  والآن حتى لو لم يمنع الله شر الإنسان، فإنه يتحكَّم فيه ويُسخِّره لينجز مقاصده كاملة الإتقان.  إنه يجعل كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبونه.  هذا ما تعلَّمه يوسف أخيرًا عندما قال لإخوته: «أنتم قصدتم لي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا».               
                                                                                                                                                             

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com