عدد رقم 6 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
تيموثاوس وإرسالياته الخمس  

رأينا في العدد السابق من هو تيموثاوس وكيف خلص وبعض الصفات الشخصية المرتبطة به وعلاقته الوطيدة مع بولس. والأن سنتأمل في إرساليته الخمسة

أولاً: إرساليته لكنيسة تسالونيكي (1تس3).

ثانيًا: إرساليته لكنيسة كورنثوس (1كو4، 16).

ثالثًا: إرساليته لكنيسة فيلبي (في2).

رابعًا: إرساليته لكنيسة أفسس (1تى1).

خامسًا: إرساليته إلى بولس نفسه أو مجيئه لبولس (2تى3).

(1)إرساليته لكنيسة تسالونيكي

إرسالية تشجيعية (1تس3)

عندما بدأ الرب عملاً روحيًا عظيمًا في تسالونيكي، تحرك العدو بكل قوة كالأسد المزمجر ليُقاوم عمل الله هناك، مُهيجًا مَن كانوا في مكان الحكم ليُعيقوا هذا العمل، وبالتالي تعرَّض المؤمنون هناك للضيقات والضرورات، وخشي بولس أن يضعف الإخوة في تسالونيكي أمام ما يواجهونه من مقاومات واضطهادات وهم لا زالوا أطفالاً في الإيمان.  وبعد أن اشتدت الحرب عليه في بيرية توجه بولس إلى أثينا، ولم يفكر في نفسه وأحواله ولكنه أرسل تيموثاوس إلى إخوة تسالونيكي قائلاً لهم: 

«لِذَلِكَ إِذْ لَمْ نَحْتَمِلْ أَيْضًا اسْتَحْسَنَّا أَنْ نُتْرَكَ فِي أَثِينَا وَحْدَنَا.  فَأَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ أَخَانَا، وَخَادِمَ اللهِ، وَالْعَامِلَ مَعَنَا فِي إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ وَيَعِظَكُمْ لأَجْلِ إِيمَانِكُمْ، كَيْ لاَ يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ فِي هَذِهِ الضِّيقَاتِ. فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهَذَا» (1تس3: 1-3).

لقد ارتضى بولس أن يواجه الضيقات بمفرده في أثينا وفى ذات الوقت أرسل تيموثاوس إلى إخوة تسالونيكي، والغرض كان واضحًا وجميلاً وهو أن يثبتهم ويعظهم لأجل إيمانهم.  لقد خشي بولس أن يسقط إيمانهم وينتهي أمرهم، خشي أنه قد يتزعزع أحد في هذه الضيقات (ع3)، فقال: «مِنْ أَجْلِ هَذَا إِذْ لَمْ أَحْتَمِلْ أَيْضًا، أَرْسَلْتُ لِكَيْ أَعْرِفَ إِيمَانَكُمْ، لَعَلَّ الْمُجَرِّبَ يَكُونُ قَدْ جَرَّبَكُمْ، فَيَصِيرَ تَعَبُنَا بَاطِلاً» (ع5).  وهذا يرينا القلب الراعوي لبولس كخادم الذي لا يحتمل أن يتعرض المؤمنون للفشل واليأس ويتزعزع إيمانهم. 

وعندما ذهب تيموثاوس وعظهم وشجعهم بالفعل، وكانت المفاجأة ليس في أن إيمانهم كان ثابتًا فقط، بل أن محبتهم كانت كذلك «وَأَمَّا الآنَ فَإِذْ جَاءَ إِلَيْنَا تِيمُوثَاوُسُ مِنْ عِنْدِكُمْ، وَبَشَّرَنَا بِإِيمَانِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ، وَبِأَنَّ عِنْدَكُمْ ذِكْرًا لَنَا حَسَنًا كُلَّ حِينٍ، وَأَنْتُمْ مُشْتَاقُونَ أَنْ تَرَوْنَا، كَمَا نَحْنُ أَيْضاً أَنْ نَرَاكُمْ» (ع6).  لقد رأى تيموثاوس كيف كان إيمانهم ثابتًا بل والأكثر من ذلك أن محبتهم ثابتة، ومحبتهم هذه ليست من نحو بعضهم لبعض فقط، ولكن لبولس أيضًا، والدليل ما قاله تيموثاوس بعد ذلك: «بِأَنَّ عِنْدَكُمْ ذِكْرًا لَنَا حَسَنًا كُلَّ حِينٍ»؛ فهم يذكرون بولس بكل الحب والتقدير وبكل ما هو حسن، يتذكرونه بدون أن يتضايقوا أو يحملوا تجاهه مشاعر سلبية، وكأن ما صار لهم من اضطهاد كان سببه مجيء بولس لهم وكرازته.  بل كان لهم ما هو أكثر وأروع من هذا، وهو رغبتهم في رؤية وجه بولس مرة أخرى «وَأَنْتُمْ مُشْتَاقُونَ أَنْ تَرَوْنَا، كَمَا نَحْنُ أَيْضاً أَنْ نَرَاكُمْ».  فبولس لديه ذكر حسن عندهم، وهم لديهم اشتياق حقيقي أن يروه، وكأنهم كانوا يحلمون بأن تتكرر زيارة بولس لهم لكي يُعلِّمهم ويُثبتهم ويُشجعهم.

تعزى بولس بما نقله تيموثاوس من أخبار عن إخوة تسالونيكي وعن ثباتهم في الإيمان مع أنهم أحداث في الاختبار، ولم يكن المتوقع منهم كل الثبات، «فَمِنْ أَجْلِ هَذَا تَعَزَّيْنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَتِكُمْ فِي ضِيقَتِنَا وَضَرُورَتِنَا بِإِيمَانِكُمْ.  لأَنَّنَا الآنَ نَعِيشُ إِنْ ثَبَتُّمْ أَنْتُمْ فِي الرَّبِّ» (1تس: 7، 8).

بولس تُرك وحده في أثينا ولكنه لم يُترك بدون تعزيات، هذه التعزيات كانت نتيجة الأخبار التي حملها تيموثاوس عن ثبات إخوة تسالونيكي، ويا لها من كلمات جميلة تلك التي قالها بولس وهو يعلق على تعزيته وفرحه بثباتهم «لأننا الآن نعيش أن ثبتم أنتم في الرب» (1تس3: 8)، وكأن الحياة تفقد طعمها، بل وضرورتها، إذا لم يثبت قديسي تسالونيكي في الرب، فهل للخدام الآن مثل هذه الروح الرائعة؟!

(2) إرساليته لكنيسة كورنثوس

إرسالية تصحيحية ( 1كو4)

يستوضح بولس رفض إخوة كورنثوس له، وهذا دفعه أن يضع نفسه في مقارنة معهم، وكأنهم هم أفضل منه كثيرًا، ثم يتحول ليقول «لَيْسَ لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ أَكْتُبُ بِهَذَا بَلْ كَأَوْلاَدِي الأَحِبَّاءِ أُنْذِرُكُمْ» (1كو4: 14) فهو كتب ما كتبه لا ليُخجلهم بل ليُنذرهم، أراد أن ينصحهم لا أن يتشفى منهم، وما أروع أن يصف نفسه أنه كأب ينذرهم وهم كأولاده الأحباء، ثم يذكر لماذا له الحق في إنذراهم؟ لأنه هو كالوالد وهم أولاده «لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ لَكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ.  لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ» (ع15). 

هو كالوالد أو الآب الذي ولدهم في المسيح يسوع بالإنجيل لذلك لا يخجل أن ينذرهم كأبنائه، ولأنه هو أبوهم فقد نصحهم وأنذرهم، ومن الجانب الآخر لأنهم هم أبناؤه فعليهم أن يتمثلوا به.  لذلك يقول في العدد التالي «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي» (ع16)؛ وكأنه يقول: ما أبعد ما تتصفون به عما اتصف أنا به، مع أنكم أولادي، ونتيجة حالتهم غير الصحيحة أرسل لهم تيموثاوس «لِذَلِكَ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسَ الَّذِي هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ وَالأَمِينُ فِي الرَّبِّ الَّذِي يُذَكِّرُكُمْ بِطُرُقِي فِي الْمَسِيحِ كَمَا أُعَلِّمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ» (ع17).

لم يكتفِ بولس أن يكتب لإنذارهم ولكنه أرسل لهم مثالاً حيًا هو تيموثاوس، ويصف بولس تيموثاوس بصفتين، الأولى أنه ابنه الحبيب، وكأنه يقول: تيموثاوس ابني الحبيب كما أنتم أولادي الأحباء تمامًا، ولكن تيموثاوس يتميَّز بشيء آخر في غاية الأهمية هو أنه «الأَمِينُ فِي الرَّبِّ»، وهذا ما كانوا يفتقرون إليه.

أرسل بولس تيموثاوس إليهم لكي يُذكرهم بطرقه في المسيح، وهل كان لبولس طرق في المسيح؟ نعم اتضاع بولس، خضوع بولس، محبة بولس، تقوى بولس، احتمال بولس، أمانة بولس، جهاد واجتهاد بولس، شعور بولس بلا شيئيته وضعفه، كل هذه الطرق تناساها الإخوة هناك، وما على تيموثاوس إلا أن يُذكرهم بها. 

والرائع أن بولس تحدث عن طرقه أولاً ثم عن تعليمه ثانيًا فقال «الَّذِي يُذَكِّرُكُمْ بِطُرُقِي فِي الْمَسِيحِ كَمَا أُعَلِّمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ».  طرق بولس أولاً ثم تعليمه، ليس المهم الكلام بل السلوك، ولقد كانت طرق بولس في المسيح رائعة وصحيحة، وكذلك تعليمه كان متوافقًا تمامًا مع طرقه، إذًا هذه الإرسالية لكنيسة كورنثوس كان غرضها التصحيح والتقويم من خلال تيموثاوس.

(3) إرساليته لكنيسة فيلبي

إرسالية تخبيرية (في2)

لقد كان لبولس القلب الحاني الذي يريد أن يعرف أخبار إخوة فيلبي، ولم يكن أمامه سوى أن يرسل لهم تيموثاوس «عَلَى أَنِّي أَرْجُو فِي الرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ سَرِيعًا تِيمُوثَاوُسَ لِكَيْ تَطِيبَ نَفْسِي إِذَا عَرَفْتُ أَحْوَالَكُمْ» (فى2: 19).  كانت أخبار الإخوة في فيلبي وأحوالهم أيضًا هي موضوع اهتمام الرسول، ولأنه كان يثق في حسن حالهم، لذلك كان يثق أنه إذا عرف أحوالهم فإن نفسه ستطيب، فحتى لو كان في سجنه، وحتى لو كان يقاسي الاضطهاد والرفض، إلا أن أخبار القديسين كافية أن تطيب قلبه وتعزيه.  ولا ننسى علاقة المودة والمحبة الخاصة التي كانت تربط بولس بإخوة فيلبي، وكيف كانوا يشاركون في سداد احتياجاته دائمًا.

وهنا يصف بولس تيموثاوس بصفة رائعة «لأَنْ لَيْسَ لِي أَحَدٌ آخَرُ نَظِيرُ نَفْسِي يَهْتَمُّ بِأَحْوَالِكُمْ بِإِخْلاَصٍ، إِذِ الْجَمِيعُ يَطْلُبُونَ مَا هُوَ لأَنْفُسِهِمْ لاَ مَا هُوَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (فى2: 20، 21).  لقد عرف بولس تيموثاوس معرفة جيدة، حتى أنه كان يثق أنه ليس أحد آخر نظير نفسه يهتم بأحوال القديسين بإخلاص سوى تيموثاوس.  ولماذا لا يوجد سوى تيموثاوس من يتصف بهذا؟ الإجابة لأن الباقين بل والجميع يطلبون ما هو لأنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح، لقد أراد تيموثاوس أن يطلب ما للمسيح، وهذا معناه الاهتمام بأحوال القديسين بإخلاص.  الشيء الثالث الذي يشير إليه بولس هو علاقة تيموثاوس به شخصيًا.

 وبهذا يكون بولس قد تحدث عن ثلاثة علاقات لتيموثاوس: 

أولاً: ذكر علاقته بالقديسين وهى أنه يهتم بأحوالهم بإخلاص. 

ثانيًا: ذكر علاقته بالرب يسوع فهو يطلب ما ليسوع المسيح. 

ثالثًا: ذكر علاقته ببولس شخصيًا فقال: «وَأَمَّا اخْتِبَارُهُ فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّهُ كَوَلَدٍ مَعَ أَبٍ خَدَمَ مَعِي لأَجْلِ الإِنْجِيلِ» (فى2: 22).  

علاقته ببولس أنه كولد خدم مع أب، وأن له “اخْتِبَارُه الشخصي الواضح والمعروف عندهم – His proven character”، أي أن لتيموثاوس شخصية ثابتة ناجحة عبرت الكثير من التجارب والتدريبات فصار لديه ما يُسمى بالاختبار.  واختباره هذا يدفع بولس لإرساله لإخوة فيلبي وهو يثق أنه سوف يرفع رأسه، ومن المستحيل أن يخزي تيموثاوس بولس عندما يرسله، بل سيمثله تمامًا ويقوم بالمهمة على خير وجه.

طبعًا هذه الإرسالية كان غرضها الإخبار، بولس كان مسجونًا لا يستطيع أن يذهب لهم ولكنه يلمح في ثقته بإطلاقه قريبًا «وَأَثِقُ بِالرَّبِّ أَنِّي أَنَا أَيْضًا سَآتِي إِلَيْكُمْ سَرِيعًا» (فى2: 24)،  ولكن إلى أن يحين هذا الوقت، فالأخبار التي سيحضرها تيموثاوس كافية لأن تجعل قلب بولس يطيب.

                                                                                                                                                              

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com