عدد رقم 6 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
لا تفسد ما هو أصلي  
عزيزي الشاب دعني أوجه انتباهك لتلك الحقيقة أنه ليست الأشياء وحدها هي التي تُقلَّد، لكن يمكن لشخص أن يجعل نفسه صورة من شخص آخر حقيقي.
 ويا للخسارة الفادحة عندما يسعى الشخص لارتداء ثوب غيره، راغبًا في إضافة لقيمة شخصه،  دون أن يدري أنه بذلك يشوه الصورة الطبيعية الأصلية والأصيلة. 

ما هو السبب الذي يدفع شخصًا أن يُقلد  شخصًا آخر ؟

من يُقلِّد الآخرين هو شخص يبحث عن معنى وقيمة لحياته فغاص في أعماقه وبحث عن شيء مُتميِّز فلم يجد، لا يقنع  بأن لديه أو فيه ما يعطيه مكانة خاصة في محيط حياته وعلاقاته، وفي نفس الوقت يجد ما يفتقده في الآخرين، فقرر أن ينصهر في الآخرين لعله يخرج بسبيكة جديدة تُضفي لونًا جذابًا يُحسِّن صورته أو تضيف قيمة لشخصيته، عسى أن تُجمِّل هويته أمام نفسه قبل الآخرين.

هذا النوع من الشباب قد ألغى عقله وصار يفكر بعقل غيره، متجاهلاً وجهة نظره وقناعته الشخصية، ويتبنى رأي الآخرين.  وعندما يُعلِّق على موضوع يقتبس كثيرًا من أقوال المشهورين حتى أنه صار يتذوق أيضًا بحاسة غيره.

في ذات الوقت ربما قد انبهر بشخصية مُحددة, يُعَد بالنسبة له بطلاً ونموذجًا ومثلاً يُحتذى به في الحياة.  ربما تمنى في قلبه أن يكون مثل "فلان"، دون أن يردد ذلك بشفتيه، فصار فلان هذا قدوة له، يُفكر بأفكاره ويشعر بأحاسيسه، ودائمًا ينحاز للآراء التي يتبناها ذلك النموذج.  لدرجة أنه قد يُبدِّل نبرته ويتكلم بطريقته وربما يردد في صلاته أو أقواله ذات تعبيراته ليزداد شبهًا بقدوته.  يكون سعيدًا عندما يُعلق أحدٌ بما يفيد أنه يشبه فلانًا في شيء ما.  أحيانًا يميل أن يلبس كما يلبس هو أيضًا.  دائمًا يقارن نفسه بفلان هذا متمنيًا أن يكون ندًا له في كل شيء ويحظى بكل ما يناله من شعبية وصيت وإعجاب الكثيرين. 

في أغلب الأحيان لا يدري - ذلك الشخص الذي يُقلِّد الآخرين- أن الناس تلاحظ جيدًا أنه يتقمص دور "فلان"، ولا يعلم أنه يجازف بالتحول المؤسف من أصلي إلى تقليد!  

رأي الآخرين في  الشخص الذي يُقلد غيره.

من يحشر نفسه في سرداب المحاكاة والذوبان في الآخرين، ينتحر معنويًا، وينكر عمليًا صلاح إلهه، ويغمض عينيه عن عظمة ما أبدعته يد القدير. 

إن التقليد الأعمى والانصهار المُسرف في شخصيات الآخرين يطفئ المواهب و يقوض الطاقات.

تقمص شخصيات الآخرين هو قتل للشخصية الأصلية وتمرد دفين وتجاهل للتفرد الثمين الذي قصدته الحكمة الإلهية.

من يلبس ثياب غيره قد يسلب صيده دون أن ينال صيته.  قد يجذب أنظار المعجبين مؤقتًا ويلمع نجمه لحظة لكن عندما يقارن بالأصل سرعان ما يخبو بريقه.

صديقي...  إن كان تقليد الآخرين في حياتك منهجًا سينتهي بك الأمر أن تصير أعرجًا مثل غراب يضرب به المثل أراد أن يقلد مشية الطاووس فلا هو أتقنها ولا استطاع أن يعود لمشيته فضحك عليه رفقاؤه. 

 تذكر أن الرب قصد أن تكون مُتميِّزًا ومختلفًا وقد وهبك ما يساعدك أن تحقق به الغرض الإلهي من وجودك.  وقد يحقق ذلك القصد من خلال حياة فيها اشتهار أو استتار، قدرات فائقة أو ظروف شائكة.  وعندما أتكلم عن التفرُّد والتميُّز لا أقصد أن تغوص في ذاتك لتبحث عن التفرد في أعماقك.

 لقد شاع في أيامنا التعليم الذي يدعو للبحث عن القيمة في الذات, تلك التعاليم التي تتردد على أفواه كثير من الوعاظ النفسانيين الذين ينادون بأن في أعماقك قدرات وطاقات جبارة كامنة وقوة بلا حدود ولكي تحظى بها عليك أن تؤمن بأنها لديك لتطلق مؤهلات النجاح وتجعلك أسعد إنسان على وجه البسيطة!!  هل يتفق هذا الفكر مع أقوال الله الثمينة؟؟ .. الله الذي يعرف حقيقتنا وما بداخلنا قال غير ذلك. 

  لا يا صديقي.. لا أنصحك أن تنظر لداخلك بل أشجعك أن تتطلع إلى جابلك، لا تنشغل بواقعك بل تأمل صانعك.  لا يأتي النجاح عندما تؤمن بقدراتك الفائقة الكامنة فيك!  بل حينما تؤمن بما يمكن أن تعمله أصابع القدير وأنت بين يديه.  لا قيمة للطين في حد ذاته، لكن الرب قصد في ملء نعمته أن يجعل  من الإنسان الذي جُبل من التراب إناءً مختارًا وهيكلاً لروحه (مستودعاً لأثمن هبات الله على الإطلاق).

مهما علت تلك التعاليم التي تطرب لها الآذان، فإني أحني رأسي خشوعًا وخضوعًا لما تقره كلمة الله.  " كفوا عن الإنسان!".  فتقرير الله أدق وأصدق لأنه عليم بحقيقتنا، خبير بطبيعتنا ويعرف جبلتنا.


كلمة لمن يُقلِّد غيره في مجال الخدمة 

فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي، لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ.   فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَر (رو 12 : 3- 5)

وأريد أن أركز على نقطتين هامتين في هذا الموضوع:

أولاً: ليست العبرة في نوع الخدمة أو الموهبة بل بمدى طاعتك للسيد بما كلفك به. 

يخطئ من يظن أن الخدمة تشبه الرتب العسكرية أو المناصب العالمية، فيرتب الخدمات ترتيبًا رأسيًا من حيث الأهم والأعظم فالأقل.  ويعتقد البعض أن طموحهم وكدهم هو الذي يُحدد نوعية خدمتهم المرغوبة واجتهادهم يصقل موهبتهم المنشودة.  كلا. ليست هذه هي الحقيقة مطلقًا.  لكن الحقيقة التي  تعلنها كلمة الله بوضوح أن المواهب والخدمات تحددها المقاصد الإلهية (كما قسم الله)، وينالها المؤمن بنعمة الله.  وما على المؤمن إلا أن يطيع ويقنع بما قسم الرب له ولا يطمح أو يطمع فيما أعطي لغيره. 

ثانيًا: طريقة وطابع الخدمة مُتميِّز من واحد لآخر في الموهبة الواحدة.

لا يوجد بين من يخدمون الرب في خدمة ما نجمًا أو قزمًا.  كما نجد في أداء أي عمل في أنظمة العالم.  بل قصد الرب أن يتمم كل واحد خدمته ويتمم سعيه من خلال طاعته الكاملة لسيده حتى وإن كانت الطريقة غير مألوفة بالمقارنة بالنماذج السالفة.  هذا لا يعني أن يفتعل الخادم الإبداع والتغيير ليكون متميِّزًا.  كلا، لا أقصد ذلك، لأنه إن فعل شيئًا من ذاته دون أن يخضع لسيده لن يكون خادمًا.  لكن إن كانت مشيئة الرب أن يكون عاملاً في كرم سيده بموهبة معينة يشترك فيها الآخرون، فهذا لا يعني أن يصيغ خدمته في قالب غيره ممن عنده ذات الموهبة، وخاصة من صار لهم شهرة تتردد أصداؤها في كل مكان معتقدًا أنه سينجح مثله إذا نهج نهجه وخدم بطريقته.  في ذات الوقت من الخطأ أن يصنع لنفسه قالبًا مختلفًا لكي يكون مُميَّزًا.  

أخي الشاب: تذكر أن تقليد الآخرين في طريقة خدمتهم هو تجاهل لخطة الله المتميزة وقصده من تكوين شخصيتك.  تقمُّص شخصية غيرك يطفئ الموهبة الأصيلة التي فيك لتستبدلها بأداء مسلوب لا يحقق المطلوب الذي يتوافق مع مشيئة الرب. لا تنخدع بانطباعات الناس بل أطع سيدك الوحيد واعتبارات مجده، وبهذا تضمن رضاه ومصادقته وتضمن نجاح خدمتك.  


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com