عدد رقم 6 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
مسكين ... وطيب القلب  


   مدينة مرسيليا مشهورة اليوم بحدائقها الجميلة، لكنها لم تكن هكذا قديمًا.  فقد مرت بها حقبة كانت منطقة جدباء، ولم تكن فيها توصيلة للمياه كما في المدائن الكبرى، وكانت تستمد المياه العذبة من مجرى نهر يبعد عن المدينة 97 ميلاً.

   يومئذ كان يعيش في المدينة رجل اسمه "جيزون"، وكان الرجل دؤوبًا لا يعرف السكون وكان شخصًا متقشِّفًا عِصاميًا يميل للاقتصاد وجمع المال وتكديسه.  لا يعتني بلبس أو طعام، يرضى بأي شيء وأقل شيء دون أن تفرق معه الأمور.  كان يحيا وحيدًا بلا أسرة، وقد جرَّد نفسه من متع الحياة العادية ومباهجها.  وكان الناس يسمونه البائس المسكين، ومع أنه كان شريفًا في معاملاته وأمينًا في أداء التزاماته، لكنه كان مُحتقرًا ومرذولاً من الجميع.  فكان إذا سار في شارع بملابسه الرثة تجمع حوله الصبية يتصايحون خلفه ويسخرون منه، أما هو فكان يمضي في طريقه دون اكتراث بما يصيبه من إهانات.

   تعاقبت الأيام والسنون والمسكين لا يزال وحيدًا لا صديق له، إلى عمله يذهب ثم إلى حجرته يعود.  تقدمت به الأيام فكان يمضي على عكازه متعثرًا، وأخيرًا مات "جيزون" العجوز بالغًا من العمر أكثر من ثمانين سنة.  وبعد وفاته وجد لديه مبلغ كبير جدًا من المال.  وبين المستندات وُجِدَتْ وصية مكتوب فيها: "ارتضيتُ أن أعيش فقيرًا، وقد لاحظت أن سكان مرسيليا يتعذبون كثيرًا بسبب انعدام الماء النقي.  ولما كنت وحيدًا لا أعول أسرة، فقد كرستُ حياتي لأدخر مبلغًا من المال يكفي لبناء خزان يُزوِّد فقراء مرسيليا بالماء النقي، فيتمتع أفقر مواطن بوفرة من الماء".  لقد عاش ومات مرذولاً وحيدًا بلا صديق حتى يتمم هذه الغاية النبيلة ليفيد منها أولئك الذين طالما أساءوا الظن به واحتقروه.

   وهناك إنسان عاش في الشرق فترة من الزمن لم يفهمه الناس، فقيل عنه: " مُحتقرٌ ومخذولٌ من الناس".  عاش طوال حياته فقيرًا تطوعيًا، ارتضى الحرمان لنفسه حتى لم يكن له "أين يسند رأسه".  "من أجلنا افتقر وهو غني لكي نستغني نحن بفقره".  ومع ذلك فتلك كانت نية الناس السيئة من نحو هذا الإنسان الوديع المتواضع القلب، حتى جاء يوم صرخوا فيه قائلين: "اصلبه اصلبه".  كان قد خلع مؤقتًا ثوب السلطان والقوة، فسلَّم نفسه لمشيئتهم، فأخذته الأيدي الأثيمة وصلبته وقتلته.  ولما كان مُعلقًا فوق الصليب كان كل من ينظر إليه يستهزئ به.  

   إن وصية "جيزون" العجوز قد أورثت فقراء مرسيليا ماء نقيًا، أما الرب يسوع فإنه بموته وقيامته قد أعد لكل إنسان وفرة من ماء الحياة في الزمان والأبدية.  وليس هناك وجه شبه في المقارنة بين نكران جيزون ذاته وبين الكلفة الكبيرة التي تكلفها الرب يسوع الذي دفع الثمن كله فوق الصليب.  إن ماء الحياة يفيض اليوم، وفي مقدورنا أن نشرب منه مجانًا.

   "أيها العطاش جميعًا هلموا إلى المياه" (إش1:55).

   "إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب" (يو37:7).

   "من يرد فليأخذ ماء حياة مجانًا" (رؤ17:22).

                                                             عن الإنجليزية بتصرف 


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com