عدد رقم 1 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
شاء فصنع  

قصة مؤثرة ودروس مُعبِّرة

أيها القارئ العزيز ... إذا كنت زوجًا أو زوجة، أبًا أو أُمًا، ابنًا أو ابنة، وتنتمي إلى أسرة صغيرة هبَّت عليها عاصفة وتعرضت لتجربة، فإننا ندعوك أن تقرأ هذه القصة الواقعية بعناية لتعرف دورك الصحيح وماذا يريد الرب أن يقول لك شخصيًا.

د. سميث كان طبيبًا ماهرًا ذائع الصيت، ومديرًا لأكبر مستشفى للأمراض النفسية في مقاطعة ويلز البريطانية.  وكان مؤمنًا مسيحيًّا تقيًا وله شهادة حسنة ومؤثرة.  وكانت كارول هي ابنته الوحيدة والمُدللة.  فقد ماتت أمها وهي بعد صبية، وأصبح أبوها كل شيء في حياتها.  وقد دفعها إعجابها به أن تسلك ذات الطريق، فاختارت دراسة الطب، وتخصصت أيضًا في الأمراض النفسية، وكان حلم حياتها أن تعمل في ذات المستشفى الذي يديره والدها.  كان الأب سعيدًا وفخورًا بنجاحها، وقد حقَّق الله لها ما أرادت.  لكن أباها كان يعلم أنه يعوزها شيءٌ واحد أن تعرف الرب معرفة حقيقية وتكون في علاقة صحيحة معه.
كانت كارول شخصية قوية مُعتدة بنفسها وآرائها، وقد ساعدتها مواهبها الطبيعية من الذكاء والجمال واللباقة والإمكانيات المادية أن تحتل مكان الصدارة دائمًا.  وكان يصعب جدًا أن تقبل نصيحة أو تقتنع بآراء الآخرين.  كان الأب يعرف طباع ابنته وأنها صعبة المراس، حادة الطباع، وسريعة الانفعال، وتحتاج إلى الكثير من الدروس لكي تتعلَّم الاتضاع وإنكار الذات وحب العطاء، وتتحلَّى بالروح الوديع الهادئ.
أما د. روبرت، زوج السيدة كارول، فكان أقرب جدًا لشخصية الأب في صفاته وطباعه، مما خلق له مكانة غير عادية عند أبيها.  فهو هادئ الطباع، رقيق المشاعر، مرهف الإحساس، وكان أيضًا مؤمنًا تقيًا وله شهادة حسنة.  قال لها أبوها قبل رحيله: إنني لا أخشى على بيتك من ثوراتك وانفعالاتك طالما روبرت يحبك ويقف بجانبك ويحتوي أخطاءك، وأصلي أن يغير الرب حياتك ويصنع منك إنسانة جديدة.
كانت صدمة عنيفة أن يختفي الأب الفاضل من الحياة بسرعة مذهلة في حادث سيارة.  لكن كارول واصلت المسيرة وأحرزت نجاحًا كبيرًا في مستشفاه، بالإضافة إلى كونها سيدة مجتمع، وزوجة وأمًا لطفلين (جاك وجيمس)، وقد بذلت جهدًا كبيرًا في إدارة البيت وتربية الأطفال لتطبع شخصيتها عليهما.  كانت تعامل الصغيرين بشيء من العنف والقسوة، ولا تقبل أي خطأ أو تقصير، وكانت تضفي على البيت جوًا من التوتر والصياح.  وكان د. روبرت، الزوج الحليم والحكيم يمتص ثوراتها ويحتوي أخطاءها بصبر وطول أناة، ويُعلِّم الأطفال احترام الأم بالرغم من حدة طبعها وانفعالاتها.
وذات يوم لاحظ الزوج تغييرًا في نبرات صوتها، لم تلحظه هي في البداية، وبالجهد أقنعها بالذهاب إلى الطبيب، وانتهى الأمر عند الطبيب المتخصص في علاج الأورام في الحلق والأحبال الصوتية.  كانت صدمة ثقيلة على الأسرة بالكامل، وخيَّم الحزن على الجميع، وزاد هذا من توترها وعصبيتها.  وبأمر الطبيب امتنعت عن إلقاء المحاضرات، ومرت بسلسلة من الفحوص والعلاج تمهيدًا لإجراء عملية جراحية دقيقة وخطيرة في الحنجرة.
لم ترضخ الأم الشابة وتتقبل الواقع وتتعايش معه، ومن فرط الكبرياء رفضت كل المساعدات والتعاطف من الأصدقاء، وحتى من زوجها ليذهب معها إلى الطبيب المعالج.
وذات يوم بينما كانت تتابع عند الطبيب شعرت أنه يتردد في أن يصارحها بشيء ما، فانزعجت ... تُرَى ماذا يحاول أن يخفيه عني؟ ماذا هناك أخطر من المرض الذي أُعانيه؟ شعرت أنها تنسحب من الحياة، وأن الموت يقترب بسرعة، وأن كل أحلامها ستُدفن معها في التراب.  صرخت في وجه الطبيب: ماذا هناك؟ أخبرني.  ابتسم الطبيب وقال لها لقد تحدد موعد العملية الأولى بعد شهر من الآن.  وهذا يتطلب منك الامتناع تمامًا عن الكلام طيلة هذا الشهر، وهذا أمر حتمي لإجراء العملية.  كانت هذه صدمة جديدة لها إذ كيف ستعيش خرساء وهي التي كان صوتها يملأ الأرجاء؟ كيف ستتعامل مع زوجها وطفليها؟ إنه صمت يشبه الموت.  وهل سيعود صوتها مرة أخرى؟ أم ستصمت للأبد؟ اسودت الدنيا في وجهها، وشعرت بالانكسار والمذلة أمام قسوة المرض وخطورته.  وقبل أن تنصرف شجعها الطبيب وطلب منها الالتزام، وأن يكون الغد هو أول يوم في هذه الفترة التحضيرية.

عادت إلى البيت ودخلت إلى غرفتها وحاولت أن تتماسك، ذهب إليها الصغيران وسألاها في صوت واحد: ماذا قرر الطبيب يا أُماه؟ أجابتهما بصوت مُتهدِّج: لقد قرر أن تجرى العملية بعد شهر من الآن.  كما قرر أن أمتنع عن الكلام نهائيًا طيلة هذا الشهر! وجم الصغيران بُرهة وسألها أكبرهما (جاك) ذو العشر سنوات: حتى معنا؟ انحدرت الدموع من عينيها وهزت رأسها بالإيجاب.  التفت الصغيران والتقت أعينهما، وابتسما ابتسامة خفيفة، يغلفها شيء من الحزن والقلق، وقبَّلاها ثم خرجا.  خُيِّل إليها أن الصغيرين رغم تألمهما لحالتها سيكونان سعيدين لأنها لن تزعجهما بكثرة أوامرها، ولن يرتفع صوتها عليهما بالتهديد والوعيد.  
 
وافق مدير المستشفى على طلب أجازة مفتوحة، إذ أنها لن تستطيع مواصلة العمل، وتمنى لها سرعة الشفاء.  لكنها لم تكن سعيدة بذلك، وظنت أنه أراد أن يستغني عن خدماتها، فهي تعلم أن رصيدها من الحب عند الآخرين ضئيل، ذلك لأنها لم تزرع الحب في الآخرين، مما أضاف إليها حزنًا على حزن.
ظل زوجها وفيًا لها، حريصًا على نفسيتها وعدم إيذاء مشاعرها، مظهرًا كل حب ومودة لها.  أما هي فكانت تتعامل معه ومع طفليها باستخدام وريقات صغيرة تكتب عليها ما تريد أن تقوله لهم.  وبسبب الظروف المرضية والعلاج المستخدم ساءت حالتها النفسية، وكانت أكثر توترًا مع الأطفال، ورغم ذلك ازداد الصغيران تعلقًا بها وتعاطفًا معها.  خفَّت حدة الشجار بينهما، وما عادا يطلبان منها شيئًا، واستقلا بحياتهما.  كان الأب يرعى الأولاد ويقضي مهما وقتًا، يستمع لهما ويُعطي النصح والمشورة، ويصلي معهما، ويعلِِّمهما الثقة في الله وأنه يستجيب التضرعات.
وذات مساء أراد الزوج أن يُخفف عن زوجته أحزانها، وأن يخرجها من حالة التوتر التي كانت فيها، فدعاها للخروج معه إلى نزهة جميلة لقضاء وقت لطيف بعيدًا عن جو البيت.  وعند عودتهما في ساعة متأخرة من الليل، انزعجت الأُم إذ لم تجد الطفلين في غرفتهما وأنهما ساهران حتى هذه الساعة، فكيف يستيقظان مبكرًا ويذهبان للمدرسة في الصباح؟ أخذت تبحث عنهما في أرجاء البيت، وقد سبقها زوجها ووجدهما في المطبخ، وقد أغلقا الباب من الداخل.  ولما نادهما الأب أجاباه بصوت واحد: لقد انتهينا من كل شيء يا بابا.  أطفئ الأنوار ولا تخبر ماما، ومن فضلك أغلق النافذة لكي لا ينطفئ الشمع.   
انسابت الدموع من عيني الأم، وغمرت طفليها بسيل من القبلات.  إنه يوم عيد ميلادها.  لقد نسيت هي هذه المناسبة وسط أحزانها الكثيفة، واحتفلت بأجمل عيد ميلاد مع أسرتها الصغيرة.  كانت مفاجأة سارة صنعها الصغيران ليخففا عن الأمر المسكينة.  وكانت هذه الليلة هي آخر ليلة في الشهر الكئيب الذي عاشته الأم.
وفي صباح اليوم التالي، وهو ذات يوم العملية، كتب الصغيران على كارت جميل هذه الكلمات الجميلة المشجعة: "صباح الخير يا أحلى أُم في الوجود.  نصلي لأجلك، وننتظر صوتك الجميل بعد عودتنا من المدرسة".  وتركا الكارت مع باقة من الزهور عند باب غرفتها.  وصدقت الأم ببساطة الأطفال أن صوتها سيعود بعد العملية، وكانت المفاجأة التي لم تتوقعها أن صوتها ضاع للأبد!!

حاول الأطباء تهدئتها بأن هناك أملاً بعد العملية الثانية، لكنهم صارحوا زوجها بأن صوتها لن يعود، وأن الجراحة كانت حتمية لاستئصال الورم، وأنه قد حدثت بعض المشاكل أثناء العملية لم تكن متوقعة، ولم يكن في الإمكان أكثر مما كان، وهذا أقل قدر من الخسائر.
عاد الصغيران من المدرسة بعد الظهر، وحضرا للمستشفى لرؤية الأُم، وقال جاك: لقد صلينا لأجلك اليوم في المدرسة مع أصحابنا، وطلبنا من الله أن يُعيد لك صوتك وفرحك وسلامك، وأن يكون اليوم بداية جديدة في حياتك، ولا بد أنه فعل، أ ليس كذلك؟
هزَّت كلمات الصغير مشاعر الأم، ولأول مرة قبلت دعوة زوجها أن تصلي معه وتطلب الرب أن يأتي إلى حياتها ويُغيِّرها.  ركع الجميع إلى جانب الفراش، وسكبوا تضرعاتهم إلى الرب الكلي الحنان والكلي السلطان، ومَنْ له الكلمة الأخيرة.  وطلبت الأُم ورقة كتبت عليها هذه الصلاة ونشرتها أمام الرب: ’’يا رب، إني أشكرك على زوجي وأولادي، أشكرك على محبتك التي ظهرت في الصليب، أشكرك على عطفك الذي أحاط بي، وطول أناتك التي احتملتني.  أشكرك على تجربة المرض التي جعلتني أقترب منك وأرتمي في حضنك وأشعر بالاحتياج إليك.  والآن يا رب اقبلني ... سامحني ... انظر إلى مذلتي واستجب دعائي ... وليكن هذا اليوم بداية جديدة في حياتي.  أصلي من أجل صوتي الذي حُرمت منه لكي تُعيده لي من أجل الصغيرين.  إنني سأتقبل منك كل شيء بشكر ... ولتكن مشيئتك في كل الأحوال‘‘.  وما أن انتهت من صلاتها حتى وجدت خطوطًا قد خطها زوجها تحت كلمة ’’أشكرك‘‘، فقد كانت جديدة عليها.  كانت تعتبر المراحم التي تحيط بها شيئًا تلقائيًا طبيعيًا.  عاشت مستقلة عن الله ولا تشعر بالاحتياج إليه.  أما الآن فقد تعلَّمت أن تتعلق بالقدير وتترجى رحمته، وعرفت أنه ينظر إلى المتضعين.  
بعد أيام عادت إلى البيت لترى كل شيء بشكل جديد.  عرفت المعنى الحقيقي للحياة، والهدف الأسمى الذي تعيش لأجله أيامها الباقية.  لقد أصبحت إنسانة جديدة مختلفة.  والله قد استجاب لها ووهبها الفرح والسلام الذي صلَّى لأجله الصغيران.  عرفت للصمت مذاقًا جديدًا، وكان مُمتعًا أن تستمع إلى الصغيرين وهما يقصان عليها أحلامهما وآمالهما.  تعلَّمت الهدوء والصبر والوداعة، وكانت الابتسامة لا تفارقها، وكانت هي الصوت العذب الذي تتكلَّم به، وتُعبِّر به عما يجول بخاطرها.  لم تعد مُتذمرة أو ضجرة بل شاكرة وصابرة.  أصبحت فخورة بزوجها وأولادها.
لقد عرفت الآن كيف كان يجب أن تستخدم نعمة اللسان.  اتجهت إلى الرب مصلية: ’’يا رب، لقد تعلَّمتُ الدرس، وعرفتُ كيف يجب أن أستخدم صوتي لأحمدك وأُسبحك وأشهد عنك.  وكيف أكون سبب تعزية وبركة للآخرين ... أنا أثق أنك تستطيع أن تشفيني كثقة صغيريَّ، وأنك «إن أردتَ تقدر» أن تعيد لي صوتي ... أرجوك أن تفعل، ولكن لتكن مشيئتك‘‘.  ولم يكن عجيبًا أو عسيرًا أن يستجيب.  «فهذه هي الثقة التي لنا عنده أنه إن طلبنا شيئًا حسب مشيئته يسمع لنا» (1يو14:5).  

    وقد شاء فصنع.  

وكان ذلك بعد ثلاثة شهور من العملية الأولى، وتحقَّق ما كان مُستحيلاً في نظر الطب والأطباء.  «فغير المستطاع عند الناس مستطاعٌ عند الله»، «وليس شيءٌ غيرَ مُمكنٍ لدى الله».  لقد عاد صوتها بعد العملية الثانية، وكانت أولى كلماتها التي نطقت بها هي: "أشكرك يا رب، لأنك تسمع وتصنع لمَنْ ينتظرك".  لقد أضحى سرورُها كاملاً ورنَّ صوتُها بالمديح والتسبيح للرب قائلة: «بالرب تفتخرُ نفسي، يسمعُ الودعاءُ فيفرحون، عظِّموا الربَّ معي ولنُعلِّ اسمَه معًا.  طلبتُ إلى الرب فاستجاب لي، ومن كل مخاوفي أنقذني .. هذا المسكين صرخ والرب استمعه، ومن كل ضيقاته خلَّصه» (مز 2:34-6).
عن الإنجليزية (بتصرف)  

تعليق:

1- لقد احتاجت هذه الزوجة إلى معاملات ثقيلة وضغوط مُذلَّة لكي تنكسر وتتَّضع وتتغيَّر.  وعلى قدر العناد والتصلب على قدر المعاملات المطلوبة للتغيير.

2- كان الزوج عطوفًا جدًا وقد عامل زوجته بكل حنان ورفق ليخفف عنها في ظروفها المرضية.  وهكذا ينبغي أن يكون الوفاء بين الزوجين في الصحة والمرض، في الغنى والفقر، في الرحب والضيق، بالنهار وبالليل، طالما على قيد الحياة.

3- تعلَّم الطفلان من الأب احترام الأُم وإكرامها حسب وصية الكتاب: [أكرم أباك وأُمك]، وكان قدوة أمامهما في هذا الأمر.  وكم تكون لمسة طيبة أن يتذكر الأولاد المناسبات الحلوة للوالدين ويعبِّرا عن حبهم وتقديرهم ووفائهم لهم، خاصة إذا تقدَّم بهما العمر أو تعرَّضا للمرض.

4- كذلك تعلَّم الطفلان الثقة في الله وأنه يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر.  لقد صليا في بساطة وتوقعا الاستجابة.  وجيد أن نُعلِّم أولادنا أن الله يسمع ويصنع، وأنه يستجيب بطريقته وفي وقته.

5- علينا أن نُقدِّر المراحم الإلهية التي تُحيط بنا، ونشكر عليها.  [إنه من إحسانات الرب أننا لم نفنَ، لأن مراحمه لا تزول.  هي جديدة في كل صباح].  نحن لسنا أفضل من الذين حُرموا من نعمة النظر أو السمع أو الكلام أو الحركة أو الذاكرة ... إلخ.  هذه رحمة كل صباح يجب أن نستخدمها لمجد الله وحمده.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com