عدد رقم 1 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
تدريبات البار في حفر الآبار  

سكن إسحاق في جرار، ثم انتقل إلى وادي جرار، وجرار كلمة عبرية معناها ( كثرة الجر والدحرجة )، إذًا جرار عكس استقرار.  لقد قصد الرب أن يدحرجه لكي يجعله ينضج.  وتتكرَّر كلمة «من هناك» 3 مرات، وفيها نرى 3 دروس على النحو التالي: 

«مضى من هناك» ... ( توجه جديد ) ( تك 26 : 17 )
«نقل من هناك» ...   ( اختبار جديد ) ( تك 26 : 22 )
«صعد من هناك» ... ( مستوى جديد ) ( تك 26 : 23 )

1- مضى من هناك ( ع 17 ) ( توجه جديد )

الانتقال من جرار إلى وادي جرار لم يكن سهلاً مطلقًا.  إنه يُشبه عاصفة عنيفة قصفت بنجاحه وهدَّدت استقراره.  فبدأ يرتب لحياته بالبحث عن أساسيات المعيشة وهي آبار الماء.  أدرك إسحاق أنه لا يمكن أن يعيش بدون الماء.  لذلك أول ما خطر بباله هو أن ينبش الآبار التي حفرها أبوه وطمَّها الفلسطينيون. ثم حفر بئرين جديدين ولكنه في الحالتين لم ينتفع منها. الأول حدث نزاع عليه فدعاه (عسق)، والآخر  تطور إلى بغضة فدعاه ( سطنة).

وهنا عدة دروس هامة يجب أن ننتبه إليها:

الفلسطينيون: صورة للإنسان الجسدي الطبيعي الذي يظهر تمسكه بأمور الله و صورة التقوى والتدين الظاهري، لكن دون اختبار حقيقي أو معرفة حقيقية بالله .

نبش الآبار التي حفرها الآباء: صورة للتمسك بمبادئ كتابية وحقائق مسيحية، توارثناها من الآباء، وتعلَّمناها من الإخوة الأوائل بطريق مباشر أو غير مباشر.  فنرددها كما هي ونُسميها بذات المصطلحات والتعريفات.  وحسن أن نستفيد من المواهب المعطاة في كنيسة الله، ونسير ونلتقط وراء الحصادين، ونشرب مما استقاه الغلمان، ونحترم المُعلِّمين الأفاضل الذين هم بحق عطايا المسيح للكنيسة في كل ما قالوه وكتبوه فهو ذخرٌ نافعٌ لكل الأجيال.  وقد حرَّض بولس تلميذه تيموثاوس قائلاً: «اثبت على ما تعلَّمت وأيقنت عارفًا ممَنْ تعلَّمت»، وطلب منه أن ما سمعه منه يودعه أُناسًا أمناء ليُعلِّموا آخرين أيضًا.  إننا نفعل حسنًا أن نسأل عن السبل القديمة، ونرجع إلى الحقائق القديمة والأساسات القديمة، كما تعلَّمناها من كلمة الله.  هذا ما فعله إسحاق إذ نبش الآبار القديمة ودعاها بالأسماء القديمة.  هذا من جانب، ولكن لنحذر أن تكون هذه الحقائق مجرد موروثات ومعلومات منقولة دون أن نفحصها بعناية ونتذوقها ونختبرها بصورة شخصية في شركتنا السرية مع الرب، ونختبر قوة تأثيرها على حياتنا بالروح القدس الذي يرشدنا إلى كل الحق. 

هناك فارق بين نبش الآبار وحفر الآبار، وعادة نبش الآبار أسهل، أما حفر الآبار فهو يحتاج إلى المزيد من الاجتهاد في كلمة الله والاستناد على معونة الروح القدس.  فحص ودراسة بشوق وإخلاص للمكتوب في محضر الله، والبحث الدؤوب عن الرسالة الشخصية التي يريد الرب أن يقولها لي في هذا الوقت.

في كل الأحوال سنجد الصراع والنزاع والمقاومات عندما نمتلك بركة حقيقية، والعدو سيُشدد الهجوم ضدنا ليحرمنا من التمتع بنصيبنا ومركزنا السماوي، وهذا ما تتكلَّم عنه الآبار.  والعالم دائمًا يبغض أولئك الذين يتمسكون بالحق، خاصة العالم الديني أو الديانة الجسدية.  وهذا ما نراه في البئرين الجديدين "عسق وسطنة".    


2- نقل من هناك (ع22 ) ( اختبار جديد )

حفر إسحاق البئر الثالثة ولم يتخاصموا عليها فدعاها "رحوبوت" أي "اتساع"،  وهناك جعله الرب مثمرًا  وَقَالَ: «إِنَّهُ الآنَ قَدْ أَرْحَبَ لَنَا الرَّبُّ وَأَثْمَرْنَا فِي الأَرْضِ».  
وفي الحقيقة عندما نختبر حفر الآبار أي (عندما نصارع في المقادس ونحن باذلون كل اجتهاد، وننقب في بساتين الأسفار بفؤوس الصلوات، ونعمق الجباب بمثابرة يومًا فيومًا)، حينئذ سيأتي الاتساع.

أولاً: اتساع في الإدراك:  يستنير الذهن بأقوال الله فنرى عجائب من شريعته وتفتح عيوننا فنفهم المعاني العميقة في الكلمة، ومدلولات الرموز والنبوات، ونبتهج بها كمن وجد غنيمة وافرة.

ثانيًا: اتساع في دائرة الصلاة:  نتعلَّم اللجاجة ونمكث طويلاً في محضر الرب، ونتحرَّر من التقوقع ونفكر في الآخرين ونتشفع لأجلهم.

ثالثًا: اتساع في دائرة الخدمة:  حسبما أخذنا من الرب وزنات نخدم بها بكل نشاط القلب، مُتمثِّلين بالسيد الذي قال: «أفنيتُ قدرتي».     

رابعًا: اتساع في القلوب:  من يختبر حفر الآبار يتسع صدره ويظهر فيه اللطف والوداعة وطول الأناة والمودة الأخوية ويتسع مجال المحبة للجميع.

     3.  صعد من هناك (ع23 ) ( مستوى جديد )

إن الفعل "صعد" يُكلِّمنا عن النمو والارتقاء في حياة الإيمان من يوم إلى يوم.  وإن كان الصعود شاقًا ومُجهدًا، لكنه مليءٌ بالبركات ومبهجٌ.  ونحن إما أن نتقدَّم للأمام أو يجرفنا تيار العالم ونتراجع.  ومن اختبار إسحاق نرى أن الرب أراد أن ينقله بعيدًا عن جرار كُلية.  كان فكر الله أن يُصحِّح مساره ويُرجعه إلى بئر سبع حيث الاستقرار بجوار منبع الشبع ومصدر النعم.  وبمجرد أن صعد نرى المصادقة الإلهية السريعة، فظهر له الرب في تلك الليلة وشجعه، وقال له: «لا تخف لأني معك، وأباركك» (ع24).    


بركات الاختبار وأولويات في الاعتبار

في ع 25 نجد 3 مرات كلمة "هناك" مرتبطة ببركات الوجود في المكان الصحيح الذي قصده الرب لإسحاق.  

بنـى هناك مذبحًا. 

1. المذبح يتكلَّم عن العلاقة والشركة مع الرب، والسجود للرب الذي ظهر له.  وهذا أول شيء عمله إسحاق، حيث أعطى الأولوية لأمور الله قبل أموره الشخصية، فيذكر المذبح قبل الخيمة. 

2. عندما أخذ مكانه كعابد وساجد أمام الرب، حينئذ أمكنه أن يشهد عن الرب فنقرأ أنه «دعا باسم الرب».

نصب هناك خيمته.

1. (الخيمة حيث المذبح ) فلا انفصال بين عبادتنا وشهادتنا  للرب. 

2. السكن في الخيمة يُذكِّرنا أننا نعيش في هذا العالم كغرباء ونزلاء على الأرض، وأن لنا وطنًا أفضل أي سماويًا، ونعيش بمبادئ مختلفة عن مبادئ العالم الحاضر الشرير.

حفر هناك عبيد إسحاق بئرًا.

المذبح والخيمة ميَّزا حياة إبراهيم، لكن إسحاق بالإضافة إلى ذلك تميَّز بالآبار حيثما ذهب.  فهو بحق يُمثِّل المؤمن السماوي الذي ينقاد بالروح القدس، والروح القدس مصدر إنعاشه وفرحه وقوته.  وحسن أن ندرب الجيل الثاني على حفر الآبار ليسيروا على ذات الدرب ويعيشوا ذات الاختبار.  وكم نفرح أن نرى شبابنا يحترمون الكتاب ويجتهدون في دراسته، ويسلكون في الحق، ويحركهم ويستخدمهم الروح القدس.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com