عدد رقم 1 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
زهرة على النعش  

   كان احتفالٌ مهيب يوم زفاف ابن أحد الأمراء الفرنسيين على "ماريان" ابنة الكونت فيليب.  وفضَّل العروسان بعد خروجهما من الكنيسة أن يسير الموكب على الأقدام حيث أنه وقت الربيع والزهور الجميلة تملأ الشوارع.  وفي غمرة سعادة العروسين، لمحت "ماريان"  شابًا يسير في الاتجاه المعاكس، تبدو عليه علامات الفقر والبؤس والحزن، يبكي بحرقة وهو يسير وراء نعش لا يوجد عليه زهرة واحدة حسب عادات أهل تلك المدينة، وأراد مُنظِّمي موكب العروسين أن يرجع موكب الجنازة ويُفسح الطريق للعروسين.  فإذا "ماريان" تلمح عيني الرجل الحزين والدموع تنهمر بحرقة منهما، فما كان منها إلا أن خلعت زهرة جميلة من إكليلها الباهظ الثمن وضعته بلطف على النعش، وأمرت الموكب أن يُفسح الطريق للموكب الحزين حتى يصل إلى الكنيسة، فتأثر الرجل وانخرط في البكاء.

   وبعد مرور عشرين عامًا، اندلعت الثورة الفرنسية، وبدأ الحاكم الجديد ينتقم من الأمراء والنبلاء، وأصدر أمرًا بإبادة ذوي المكانة الرفيعة من النبلاء، وأراد أن يتشفى بمنظرهم وهم يُقتلون، فجلس على منصة كبيرة وكان يقف أمامه كل من كانت تهمته أنه ينتمي لهذه الطبقة الغنية والشريفة.  وقف أمامه شابٌ وأخته وأمهما، وكان الشاب ثائرًا وحاول أن يدافع عن أهله لأنه لا يوجد عليهم أي تهمة.  ولكن الحاكم أمر بإعدام الثلاثة في الساعة التاسعة مساء هذا اليوم.  فاقتادهم الحارس للسجن، وفي الثامنة مساءًا، ذهب ليقتادهم للإعدام.  ولكنه سلَّم السيدة خطابًا، وطلب منها ألا تفتحه إلا بعد الساعة التاسعة ... فاندهشت السيدة جدًا، فهذا هو موعد تنفيذ الحكم.  ولكنه سار بهم إلى طريق آخر يصل إلى مركب تبحر إلى إنجلترا،  وأركبهم المركب دون أن ينطق بكلمة، وأمر البحار أن يُبحر بهم فورًا وسط ذهولهم.  وكانت الساعة قد وصلت التاسعة ... ففتحت السيدة الخطاب وهي لا تفهم شيئًا ... فوجدت مكتوبًا فيه:

 "أيتها الأميرة الفاضلة .. منذ عشرين سنة، في يوم زفافك، أوقفت موكبك المهيب الذي كان يسير في شوارع المدينة، ووضعت زهرة جميلة من إكليلك النفيس على نعش شقيقتي الوحيدة ... ولا يمكنني أن أنسى هذه الزهرة وهذه اللمسة الطيبة ما حييت.  لذلك قررت أن أنقذك من الموت، أنت وابنك وابنتك، فهذا دينٌ عليَّ".

   زهرة أنقذت ثلاثة أنفس من الموت.  تأمل يا عزيزي كيف أن كان هذا الرجل لم ينس عمل محبة صغير تم منذ عشرين سنة، وقدَّم لمن عملت معه هذا العمل مكافأة أعظم بكثير.  فهل ينسى الله ما تُقدِّمه لأجله من تضحية وخدمة وتعب وحمل الصليب، فلا يُكافئك عنها؟! إن كلمة مُشجعة تقولها لإنسان بائس، ابتسامة لشخص متألم حزين، تقدمة صغيرة لإنسان فقير، مساعدة لمحتاج، زيارة لمريض ... ذهذه الأمور البسيطة ستترك أعظم الأثر في هذه النفوس.  وكم أناس يطلبون ابتسامًا لا ذهب، ونفوس في انحناءٍ تحت وطأة التعب، تحتاج كلمة تُخفِّف الألم، «والله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه» (عب 6 : 10). 

   عزيزي القارئ .. من هو الذي أعجبك من شخصيات هذه القصة؟ هل الأميرة ماريان ابنة الكونت فيليب، هذه الفتاة الرقيقة التي قدَّمتْ الزهرة؟ أم الشاب الذي صار الحاكم الذي عفا عنهم بسبب الزهرة؟ أم الاثنين معًا؟  لقد أعجبني كل منهما.  وتذكرت الآية: «اِرْمِ خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ» (جا 11: 1).  وتذكرت أيضًا المكتوب: «لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا ... فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ.  فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ» (غل6: 7-10).

 لقد زرعت هذه الأميرة «عَمَلِ الْخَيْرِ»، وحصدت مثله. ورمت خبزها على وجه المياه وعاد إليها بعد أيام كثيرة.

   عزيزي القارئ .. هذه القصة ذكرتني أيضًا بما قاله الرب يسوع لتلاميذه: «مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي وَمَنْ يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي ... وَمَنْ سَقَى أَحَدَ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ .. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ» (مت10: 40-42).  لقد وعد الرب يسوع مَنْ يقبلونه ويقبلون خدامه ويُعطونهم حتى كأسَ مَاءٍ بَارِدٍ، بمكافآت هنا وفي الأبدية أيضًا!
فليتنا نكون مُكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبنا ليس باطلاً في الرب.
                                                                                                                                                                                                                      


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com