عدد رقم 1 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جدعون شاب صغير لعمل كبير  

علمني كيف أسمعك 

لاشك أن أيام حكم القضاة هي من أشد الأيام ظلامًا روحيًا وأدبيًا في تاريخ شعب الله القديم، «ففي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل، كل واحد عمل ما حسن في عينيه».  وتلك الفترة التي امتدت تاريخيًا لأكثر من أربعة قرون، بدأت بموت يشوع بن نون وانتهت بموت صموئيل آخر القضاة الأربعة عشر الذين ملأوا هذه الفترة في تاريخ إسرائيل.  ومن بين 12 قاضيًا ذُكروا في سفر القضاة، ركَّز الروح القدس على 7 قصص هامة للخلاص في هذا السفر المُظلم روحيًا والمُفيد عمليًا، وقد جاءت قصة جدعون في المنتصف تمامًا منها.

      حلقة مُفرَّغة وتاريخ يتكرَّر:

   هذه الحلقة المُفرَّغة تبدأ بشر الشعب، ثم قضاء الرب عليهم مُستخدمًا الأعداء لسنوات عديدة حتى يشعروا ويصرخوا إلى الرب، فيُرسل لهم من مطلق نعمته مُخلصًا، لكن سرعان ما يستريح الشعب وينسى الدرس ليعودوا يعملون الشر في عيني الرب من جديد!!

   والواقع المؤلم من السقوط المتكرر – المرة تلو الأخرى- يؤكد أن التوبة عن الشر لم تكن كاملة، والرجوع إلى الرب لم يكن قلبيًا، وأن صراخهم كان بسبب الأعداء وليس بسبب شرورهم، فهل حالتنا الروحية والأدبية كأفراد وجماعات اليوم أفضل؟ هذا سؤال متروك لضمائرنا أمام الله اليوم، وبالأخص إن كنا نتساءل عن الضعف الروحي، والفشل الكنسي، والمتاعب الأسرية، والعثرات، والتيارات المتضادة بيننا، والمشاكل المتكاثرة في وسطنا، إلى جانب ازدياد المضايقين واتساع نطاق وتأثير المضايقات الخارجية من نحونا ككنيسة.  فهل يمكن أن نتجاهل يد الرب في كل هذا؟ هل يوجد بيننا مَنْ يتساءل: «لماذا أصابتنا كل هذه»؟ إن هذه المعاملات ليست دون سبب فينا، وعلى الجانب الآخر ليست دون محبة في الرب الذي يريد أن ينهضنا ويعالجنا ويباركنا.  

   الخلفية: خلفية الصورة التي يُقدمها الوحي لظهور جدعون في المشهد (قض6) لافتة للنظر، فالعائلة اليهودية تعبد الأصنام في أرض كنعان! وعبادة الأصنام أيضًا خطرٌ يُهدِّدنا كمؤمنين عندما يميل القلب إلى غير الرب (1يو5: 21 ).  والمديانيون (ومعناها: المصارعات أو النزاعات)، وهم العدو الرابع في هذا السفر (ورقم 4 يشير إلى العالم بسطوته وقوة تأثيره)، مُتسلطون بعنف لنحو 7 سنوات (فترة كاملة من الزمن)، حتى أنهم لم يتركوا لإسرائيل "قوت الحياة"، فذلَّ الشعب جدًا وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب (قض6: 1-6)، والرب في نعمته – كالعادة- أرسل رجلاً نبيًا حدَّد لهم مَواطن الضعف وأسباب الذل بشكل واضح.  وعمل النبي هو أن يستحضر الله أمام الضمائر، ويستحضر الضمائر أمام الله.  وعلاج الحالة الأدبية للشعب هي التمهيد للخلاص من المديانيين.  لقد أعلن لهم بكل البراهين أن الرب من جهته لم يُقصِّر معهم في شيء، فقد أصعدهم من مصر، وأخرجهم من بيت العبودية، وأعطاهم الأرض...الخ، ولكن المشكلة تتلخَّص في عبارة «ولم تسمعوا لصوتي!» (الأعداد من 7-10).

تُرى: كم مرة تذلَّلنا لسبب الصراعات والنزاعات التي امتلأت بها بيوتنا واجتماعاتنا؟ وكم مرة صرخنا إلى الرب – بصدق- لأجلها؟ وكم مرة كانت إجابة الرب الذي بنى هذه البيوت وأقام هذه الكنائس هي: لأنكم «لم تسمعوا لصوتي»!! فمتى سنسمع؟ ليت الكاتب والقارئ يتعلَّم كيف نسمع، لا سمع أولئك الذين يُحبون أن يسمعوا ما يريدون (2تي4: 3)، ولا سمع أولئك الذين يُحبون أن يطربوا بسماع مَنْ يريدون (حز 33: 31، 32)، بل يفتحون آذانهم (1صم3، مت 13، رؤ2، 3) بانتباه واتضاع، في خشوع وانكسار لكلمة الرب بغرض واحد هو أن يعلموا ما يريد الرب منهم أن يعملوا؟ ليس إلا (أع9: 6).

   إن المشكلة الحقيقية اليوم في سماع كلمة الرب، رغم وجود عدد هائل من العظات والوعاظ في وسائل النشر والإعلام متاحة للجميع، لكن هناك جوع حقيقي يصل إلى عدم توفر "قوت الحياة" روحيًا.  وهذه المشكلة سببها الرئيسي أمران:

1. رغبتنا في سماع الموضوعات التي نريدها، عوضًا عن أن نسأل الرب عما نحتاج إليه لكي يرسله هو إلينا.  (إننا لا نعارض بالطبع تحديد موضوعات مُعيَّنة بصورة مُسبقة قبل فرص روحية خاصة كالمؤتمرات وغيرها)، لكن: هل طلبنا وجه الرب بصدق واتضاع قبل تحديد هذه الموضوعات؟ أم أننا استحسنا اختيار هذه الموضوعات، وأخذنا آراء المُستمعين (أقصد المخدومين) بغرض ضمان زيادة العدد واستحسان الآذان؟

2. رغبتنا في سماع بعض الأسماء بعينها التي نتلذذ بالاستماع إليها دون غيرها.  ومع كل تقديرنا لأصحاب المواهب في كنيسة الله، فإننا نقول أن هذه النغمة الغريبة على الكتاب والتي تصاعدت حدتها في السنوات الأخيرة حوَّلت هؤلاء الخدام الموقرين إلى مجرد أدوات لإسعاد السامعين، وليس أواني لبركة المخدومين، والفارق شاسع وخطير.  وعوضًا عن ذهابنا إلى الفرص الروحية لنستمع إلى "أقوال الله" الفاحصة والمُغيِّرة، صار الذهاب هو لسماع فلان أو علان بعينه.  فسَمَتْ قيمة الشخص على قيمة الرسالة ومحتواها، وصارت النتيجة هي طرب المستمعين لا توبتهم، حشو الأدمغة بالمعلومات لا تقويم القلوب بأقوال الله.
 
   إننا ينبغي أن نُقدِّر عاليًا كل أصحاب المواهب، ونعرف أن هناك جانبًا آخر من الصورة يتمثل في قيام بعض غير المؤهلين والمدعوين من الله وتصدِّيهم للخدمة، ونقص المواهب الحقيقية وعدم علاج عقم المنابر، كذلك انتشار السطحية وانعدام التمييز الذي يسود.  إلا أن هذا لا يمنع أن يكون توجه مَنْ يريد البركة هو أن يذهب إلى الرب لا إلى الإنسان، يطلب كلمة الله لا عظة فلان.  هذا إلى جانب وجود فرضية أخرى موجودة وهي أن الرب تكلَّم فعلاً لكننا لم نتعلَّم كيف نسمع، بمعنى أن نطلب منه يوميًا معونة للتنفيذ.  وبالتالي يصبح ما سمعناه شاهدًا علينا لا بركة لنا.  لقد اكتفينا بالسمع كمجرد شعر أشواق لجميل الصوت يُحسن العزف، ولم نعرف ماذا يريد منا الرب أن نفعل، وكيف نسلم له إرادتنا بكل خضوع باحثين عن قصده من جهتنا.

والخلاصة في كل الحالات هي أن المشكلة يُحدِّدها الرب في هذه العبارة الموجزة: «ولم تسمعوا لصوتي» !! (قض6: 10).

       أعزائي الشباب:
   في وسط هذا الجو القاتم، هل هناك بصيص من الأمل؟ نعم، إنه الرجاء في الرب وحده، فما أجمل ما يُسجله الوحي بعد ذلك مباشرة: «وأتى ملاك الرب ... وجدعون يخبط حنطة في المعصرة لكي يُهربها من المديانيين» (ع11).  فيالروعة المشهد على بساطته، الرب نفسه يأتي إلى شاب صغير ليُشجعه ويستخدمه! ولكن لهذا حديث آخر إن شاء الرب وعشنا.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com