عدد رقم 1 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ليل البكاء  


في ليلة فصح إسرائيل الأول، تعالت الصرخات في كل أرض مصر، صرخات لم تُسمَع من قبل.  وقصور العظماء كما أكواخ الفقراء قد عمَّها الأنين المُر ودموع الثكَالَى على أبكارهم.  لقد اقترن ظلام تلك الليلة بعويل وصراخ، ولم يكن مناص ولا مُنقذ.  وكل ذلك كان بسبب رجل واحد منتفخ، وقف ضد الله يقاوم إرادته في كبرياءه رافضًا أن يُطلق شعبه من العبودية لكي يعبدوه في البرية.  وبسبب هذا الموقف العنيد جلب على نفسه وعلى كل المصريين القضاء المُريع.

ولنترك الآن مصر وعشائرها المحزونة، لنقترب من ضيعة جثسيماني في جبل الزيتون شرق أورشليم، حيث يطالعنا ليلٌ آخر، كان فيه اكتئاب وحزن ودموع وعرق كالدم.  ليست هذه أصوات ألوف المحزونين مُنبعثة من القصور الفرعونية الفخمة على ضفاف النيل، بل هناك في سكون ذلك البستان الواقع خارج المدينة، نسمع صوتًا واحدًا مضطربًا من فرط الألم الداخلي، حارًا في تضرُّعه.  إنه صوت بكاء يحمل الريح صداه.  وعندما نقترب أكثر سنرى شخصًا أوهن الحزن قواه، يُقدِّم بصراخ شديد ودموع تلك الصلاة الرائعة: «يا أبتاه، إن شئت أن تُجيز عني هذه الكأس، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك».  
ويا له من ليل! هناك في وحشة بستان جثسيماني اكتأب المُخلِّص، وحزنت نفسه جدًا حتى الموت.  هناك خرَّ على وجهه عالمًا بما ستأتي به الساعات القادمة عليه.  وهناك ثلاث مرات صرخ الإنسان الكامل القدُّوس إلى أبيه.  في ليل جثسيماني نسمع ليس صراخ المُعاندين كما في مصر، بل أنين الإنسان المُطيع الكامل أمام أهوال الصليب وعاره المُشين. 

لقد قدَّم صراخه الشديد ودموعه للقادر أن يُخلِّصه من الموت، ومع أن الكأس لم تعبر عنه بل شربها عن آخرها، لكنه في النهاية سُمع له من أجل تقواه (عب 7:5).  فقد أُقيم في اليوم الثالث من الأموات بمجد الآب.  وبعد ليل البكاء جاء صبح الترنم والفرح.  «عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح ترنم» (مز 5:30).  إن ظلمة الجلجثة في رابعة النهار قد فاقت بكثير ظلمة جثسيماني.  وأخيرًا بات في ظلام القبر، وهو رئيس الحياة.  ولكن بعد كل هذا جاء الصبح المنير الذي جلا ليل الدجى، صباح القيامة والنصرة والمجد والرفعة.  لقد خيَّم عليه الليل الحالك الرهيب ليضمن لنا السعادة في ذلك النهار الأبدي المجيد.  حيث «ليلٌ لا يكون هناك»، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد.

ه


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com