عدد رقم 6 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نحميا كرمز للمسيح  
«أنا عامل ٌعملاً عظيمًا، فلا أقدر أن أنزل» (نح6: 3)

في هذه الحلقة الرابعة نختتم حديثنا عن نحميا في بعض اللقطات الخاطفة لرجل عادي، قام بعمل عادي في عيون البشر، غير عادي في نظر الله، وذلك في أيام غير عادية نظير الأيام الأخيرة التي نحيا فيها.  وفي هذا العدد نتحدَّث عن نحميا كرمز للرب يسوع، كبرهان وتشجيع على حياة التمثُّل بهذا النموذج الفريد ولو في زمن عصيب كزماننا، ليكون ذلك أفضل ختام لجولتنا مع هذا الرجل الفاضل .. نحميا.

  غني عن البيان أن مركز السماء، وموضوع الكتاب، وغرض الأتقياء، ونموذج الخدام...إلخ هو شخص ربنا المعبود يسوع المسيح.  وكل العهد القديم أشار إليه، سواء في الرموز أو التاريخ أو النبوات....إلخ، ومن أجمل الإشارات هي تلك الشخصيات التي بحياتها العادية البسيطة قدَّمتْ، وهي لا تدري بالطبع، رموزًا حيَّة عن ذلك الشخص الذي كانت قلوب القديسين في ذلك الزمان مُتعلقة شوقًا إلى مجيئه حسب الوعود والشهود.
ويمكننا أن نتتبع ثماني مشابهات واضحة بين نحميا والرب يسوع تُقدِّم كل منها لنا اليوم درسًا عمليًا نافعًا.

 1.    البداية والظهور في المشهد:

ظهر نحميا في المشهد وقت خراب الأمة في زمان السبي وضعف البقية الراجعة عبر نهضات متتابعة (زربابل، حجي وزكريا، عزرا).  مثلما جاء الرب يسوع إلى خاصته وقت الفشل والضعف الروحي، ومن هذا نتعلَّم أن النجوم تزداد بريقًا كلما ازداد المشهد سوادًا، وأنه كلما ازدادت قتامة الأيام المُظلمة كلما اقترب فجر السماء المشرقة! ولعل هذا ما يشجعنا اليوم كشباب.

 2.    العمل الزمني الناجح:

الصورة الأولي التي يُقدمِّها الوحي لنحميا هي رجل يعمل بجد وأمانة في عمله الزمني الناجح (كساقي الملك- نح1: 11)، بينما قلبه كان مشغولاً بأمور الله وأحوال شعبه (ص 1: 5).  والصورة المبكرة التي نراها في الكتاب عن الرب يسوع في الأناجيل هي أنه عمل نجارًا في الناصرة فترة طويلة حتى بلغ سن الثلاثين بحسب الجسد، إلا أن اهتمامه الأول كان فيما لأبيه حسب أولى الكلمات المُسجلة له في الوحي بعد التجسد، وهو بعد صبي صغير له من العمر نحو اثنا عشر عامًا (لو2: 49).

وهذا يُعلِّمنا أن العمل الزمني الذي بحسب مشيئة الله، والذي يقبله الصِّدِّيق من يد الرب ليس نقيضًا أو مُعطِّلاً للروحيات مطلقًا، بل على العكس هو جزء في خطة الله لذات الشخص.  على أنه من الجانب الآخر ينبغي أن تكون الأولوية دائمًا والمشغولية القلبية هي بالرب وبأموره وبشعبه.  هكذا عاش السيد وعلَّم قائلاً: «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم» (مت6: 33).

 3.    اسمٌ...على مُسَمَّى!

نحميا معنى اسمه تعزية الرب، وما أجملها التعزية في زمن عصيب مليء بالفشل، كرمز بسيط لأعظم تعزية على الإطلاق تمثَّلت في مجيء «عمانوئيل» نفسه (الله معنا) الذي جاء ليعزي النائحين ويبشر المساكين ويشفي منكسري القلوب، بل ليكون هو «يسوع» الذي يخلص شعبه من خطاياهم!! (مت1: 21 )، وهذا يرينا أن الله يحب شعبه ويتحيَّن الوقت المناسب لإرسال الخلاص والتعزية دون إبطاء.

4.    التوقيت الإلهي ...الصحيح دائمًا:

انتظر نحميا توقيت الرب، ولم يندفع بالعواطف الطبيعية، ليتحرَّك منفردًا إلى أورشليم.  فقد وصلته الأخبار في شهر كسلو (نوفمبر)، في حين أن الرب رتَّب الحديث المباشر بينه وبين الملك في شهر نيسان التالي له (أبريل من العام التالي)، أي بعد مُضي نحو خمسة أشهر كاملة كان فيها نحميا مصليًا ومفكرًا في الأمر بعمق (نح 2).  والرب يسوع انتظر توقيت الآب وخرج للخدمة وله نحو ثلاثين عامًا يتحرَّك منفردًا أيضًا بقوة مَنْ يشرب من النهر في الطريق فيرفع الرأس (مز110: 7).  وهذا يُعلِّمنا مبدءًا هامًا وهو أن توقيت الله هو دائمًا الأفضل حتى ولو بدا في نظرنا متأخرًا، فالواقع أن انتظار الرب هو دائمًا من أنفع وأثمن الدروس.

 5.    الاتضاع.....والذبيحة:

بدأ نحميا تحركه وسط الأسوار المنهدمة والأبواب المحروقة بالنار بداية من باب الوادي الذي يحدثنا عن الاتضاع (ص2: 3)، وبدأ الترميم فعليًا بباب الضأن الذي يكلمنا عن الذبيحة حيث كانت تمر بهذا الباب الذبائح لتقديمها على المذبح (ص3: 1).  وهذا عين ماقصده المسيح عندما جاء إلى هذا العالم، فقد أتى متضعًا إذ «أخلى نفسه» (في2: 6) كمقدمة حتمية لإتمام المقاصد الأزلية لأن يكون هو الذبيح الأعظم إذ «وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب»!
وهذا في الواقع يُعلِّمنا درسًا ثمينًا للغاية، هو أن البداية الصحيحية لأية خدمة مثمرة وكل نهضة وبركة هي الاتضاع الحقيقي أمام الله في الخفاء، والمرور ببوابة «الصليب»، واختبار تقديم الذات بل والجسد ذبيحة حيَّة على مذبح التكريس (رو12: 1)، وتحمل المشقات اليومية في سبيل الخدمة الروحية «كغنم للذبح» (رو8: 36).

 6.    العمل...والجهاد جنبًا إلى جنب:

أثار تحرك نحميا غَيْرة مقدسة لدى عدد من الأتقياء فلبُّوا دعوته للعمل والجهاد، بيد يبنون وبالأخرى يحملون السلاح.  وهذا عين ما حدث على نطاق أروع، عندما بدأ الرب يسوع يجول يصنع خيرًا (يبني) ويشفي جميع المتسلِّط عليهم إبليس (يحمل السلاح الروحي الذي انتصر به دائمًا على إبليس إذ ربط القوي ونهب أمتعته وأطلق الأسرى أحرارًا) (أع  10: 38)، فلبَّت دعوته نفوس مخلصة وتبعته في الخدمة رافعة ذات الشعار مِنهاجًا ومَسلكًا نظير الرسول المغبوط بولس الذي طالما بنى وأسس الكنائس، وطالما حارب «وحوشاً» حرَّكها الشيطان لمقاومته (انظر مثلاً 1كو 15: 32) .
وهذا يؤكد لنا أن عملنا وجهادنا للبناء الروحي في عمل الله لا بد وأن تصحبه دائمًا مقاومات ومكايد شيطانية خطيرة ينبغي أن نستعد ونتسلَّح لها جيدًا بسلاح الله الكامل (أف6).

 7.    ثبات على الهدف:

واجه نحميا تهكُّم الأعداء وحيلتهم ومكرهم بالتجاهل والاستمرار في مأموريته رافعًا شعارًا رائعًا: «أنا عاملٌ عملاً عظيمًا فلا أقدر أن أنزل» (نح6: 3).  ويا له من شعار انطبق حقًا وصدقًا على ربنا المعبود الذي واجه تهكُّم الكتبة والفريسيين وتحدِّي مَنْ أحاطوا به وهو مُعلَّقٌ على الصليب عندما طلبوا منه أن ينزل عن الصليب إن كان هو المسيح، لكنه رفض إذ كان يعمل أعظم عمل تحت الشمس (انظر مت  27: 40).

وهنا نتعلَّم أن غرض إبليس الرئيسي هو دائمًا تحويل النظر عن الرب، وعن الأهداف المقدسة وتشتيت الانتباه والطاقات نحو الفرعيات ومجد الذات، وعلينا أن نتحذَّر ولا نجهل أفكاره.

 8.    التأثير الدائم:

مرَّت قرون كثيرة ولازال ما عمله نحميا نقطة فاصلة في تاريخ شعب الله.  ومرَّ نحو عشرون قرنًا على عمل الصليب ولازال- وسيظل- أعظم نقطة فارقة في تاريخ العالم كله.

قريبًا ستنتهي عظمة البشر الزائفة، وسيتبقى فقط ما عُمل لأجل الله مثل عمل نحميا العظيم، وقريبًا أيضًا ليس فقط ستُستعلَن عظمة عمل المسيح أمام الكل بروعة النتائج الفريدة ذات التأثير الأبدي، بل سيظهر للجميع عظمة الشخص نفسه عندما تنظره في مجده كل عين، وتسجد له في ذاته كل ركبة، ويعترف بربوبيته كل لسان، له كل المجد والسجود.

وهذا يُعلِّمنا أن عمل مشيئة الله هو ما سيبقى ذا تأثير أبدي، بل ويقول الكتاب أن الشخص الذي «يصنع مشيئة الله» هو نفسه «يثبت إلى الأبد» (1يو2: 17) فيا للروعة! ليت جميعنا نكون كذلك أو على أقل تقدير نسعى إليه!

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com